نقل الباحث في مركز دراسات دول الخليج العربي في واشنطن حسين إبيش عن أحد قادة حزب النهضة قوله: “ماتت الإسلامية” أو الإسلام السياسي.
ويقول الكاتب: “هكذا أعلن سيد الفرجاني، وهو أحد قادة الحزب التقدمي النهضة، الحزب الإسلامي الرئيسي في تونس، عندما شربنا القهوة في أحد مقاهي فندق في تونس الشهر الماضي، وكان الفرجاني، أحد المتشددين، الذين تآمروا مرة ضد نظام الرئيس زين العابدين بن علي، متفائلا وهو يصف التحول التاريخي، الذي كان حزبه يعد العدة للإعلان عنه”.
ويقول إبيش في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” إن جناح الفرجاني اتحد مع قيادة الحزب للإعلان عن سلسلة من القرارات، التي لن تؤدي إلى إعادة تشكيل صورة النهضة، بل تنفصل عن الإسلام السياسي، الذي بدأ مع حركة الإخوان المسلمين، التي أنشئت في العشرينيات من القرن الماضي.
ويضيف الكاتب أنه “بحسب الفرجاني، فإن الإسلامية كانت مفيدة في ظل ديكتاتورية ابن علي، وعندما (كانت هويتنا ووجودنا) يتعرضان لتهديد من الدولة المستبدة، والآن حيث ينخرط الفرجاني في السياسة العامة والحزبية في ظل دستور جديد، ساعدت (النهضة) في كتابته، والمنافسة على القيادة الوطنية، أصبحت الصفة الإسلامية عبئا وليست منفعة”.
ويشير إبيش إلى أن “المؤسس المشارك للحزب راشد الغنوشي كان حذرا أكثر عندما قابلته في بيته، وعبر عن عدم ارتياحه عندما سألته عما إذا كانت الإسلامية (ميتة)”.
وتورد الصحيفة أن الغنوشي علق قائلا: “أنا لن أتحدث عنها بهذه الطريقة”، لكنه رفض العلامة المميزة قائلا: “لا نرى ضروة في تمييز أنفسنا عن بقية المسلمين”، حيث يفضل الغنوشي والفرجاني وصف “المسلمين الديمقراطيين”، لوصف الهوية الجديد ما بعد الإسلامية، وهي موازنة مقصودة مع الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا الغربية.
ويعلق الكاتب قائلا إن الفرجاني كان واضحا من ناحية التزامه بمبادئ الحرية والمساواة، ما يجعله الرمز الأول في مرحلة ما بعد الإسلامية في العالم السني العربي، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يقدم فيه نفسه محافظا يؤمن “بقيم العائلة”، يقول الفرجاني إنه يعد الجنس والتكيف الجنسي والهوية الذكورية والأنثوية، بما في ذلك قضايا التحول الجنسي، التي تشغل الولايات المتحدة، أمورا شخصية وخاصة، ولا علاقة للقانون أو السلطات بها لتقنينها.
ويلفت التقرير إلى أن الفرجاني يؤمن بأهمية حيادية الدولة في قضايا الدين، ويساوي الحرية الدينية بحرية الضمير، ويؤمن بأن الملحدين واللاأدريين لهم الحق بالتمتع بالحقوق التي يتمتع بها الموحدون ذاتها، منوها إلى أنه في المقابل كان الغنوشي أكثر حذرا، ودعا إلى المساواة بين المسلمين من الطوائف كلها، ووسعها “على مضض” للمسيحيين واليهود، وأشار من ناحية قانونية “للحماية الدستورية” المتعلقة بالملحدين واللاأدريين.
وتورد الصحيفة أنه في مؤتمر حزب النهضة الشهر الماضي، صوتت الوفود الـ 1200، التي شاركت فيه، على معظم التغييرات في شكل الحزب، التي دعا إليها جناح الفرجاني بقيادة الغنوشي، مشيرة إلى أن أهم التغييرات كانت التخلي عن فكرة الدعوة إلى القيم الإسلامية، ما يحول الحزب إلى منظمة سياسية خالصة، دون أن تكون لديه مهمة دينية واضحة، وهو تحول راديكالي من تقاليد الإخوان التي خرج منها حزب النهضة.
ويفيد إبيش بأن “الليبراليين والعلمانين في العالم العربي لا يزالون متشككين، حيث إنني شاهدت في أكثر من مرة في العاصمة كيف قابل المنافسون السياسيون فكرة النهضة الجديدة بالضحك، وهم يدعمون الحوار والتعاون مع النهضة، لكنهم لا يتعاملون مع إعلانها ما بعد الإسلامية بجدية”.
ويقول الكاتب: “صحيح أن عددا كبيرا من قادة الحركة لم يقبلوا بشكل كامل بفكرة التحرك بعيدا عن رؤية الإخوان المسلمين، حيث إن حزب النهضة كان بعد ثورة عام 2011 مصمما على ما يبدو على التمسك بها، مهما كان الثمن، حتى جاءت اللحظة الحرجة عام 2013، عندما تمت الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي، وبعد رؤيتهم سقوط نظيرهم المصري، حاول قادة النهضة البحث عن طرق لحماية أنفسهم، من خلال التخلي عن السلطة، والموافقة على سلسلة من التنازلات”.
ويجد التقرير أن “تلك التجربة مقرونة مع الواقعية الجديدة، حول غياب التعاطف التونسي مع حكومة إسلامية ملتزمة، وهو ما أدى إلى بروز مشروع إعادة تشكيل هوية النهضة، ولا شك أن هذا جزء من مشروع طويل الأمد لعودة النهضة إلى السلطة”.
وتستدرك الصحيفة بأن “صدق التحول ليس مهما؛ لأن النهضة لم تعد حركة تعمل تحت الأرض، ولا جمعية سرية، إنما هي حركة سياسية علنية، تتنافس على السلطة في ظل تونس الدستورية والنظام الديمقراطي”.
ويبين إيبش أنه “بهذه الطريقة ستنتقل الإسلامية من الناحية العملية، ولن يكون هناك تحول سريع لإسلامية شمولية قديمة إلى حركة ديمقراطية اجتماعية محافظة، وهي بالضرورة تحول فوضوي وسياقي، مدفوع بالدرجة الأولى بالبحث عن السلطة في العالم العربي، الذي تسكنه غالبية مسلمة، لكنه يظل ينظر بعين الريبة إلى دعاة الإسلام السياسي”.
ويقول الكاتب: “يجب على نقاد النهضة وداعميها فهم أن نية قيادة الحركة ليست مهمة، حيث إن ما يهم في الديمقراطية هو الأعمال لا الأفكار السرية، وحتى لو كانت التسمية الجديدة (المسلمون الديمقراطيون) مجرد حيلة، فإن على الحزب المتابعة من أجل الفوز بالسلطة في المجتمع التونسي، الذي لم يعد يقبل الإسلامية القديمة، والمسلمون الديمقراطيون هم ما يجب أن يتحول الحزب له”.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى “أن مستقبل الإسلامية في الدول المسلمة وفي كل مكان مرتبط بشكل عميق بالشكل الجديد للنهضة، التي يرتبط مصيرها بنجاة تونس الجديدة، حيث أصبح حزب النهضة أول حزب ما بعد إسلامي في العالم العربي، وعليه فقد أصبحت الرهانات في المنطقة والعالم وفي تونس ذات الديمقراطية الهشة كبيرة”.
المصدر: نيويورك تايمز / تقرير: عربي 21