عن عمر يناهز 68 عامًا، رحل محمد عبدالعزيز زعيم جبهة البوليساريو “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، مخلفًا فراغًا كبيرًا على مستوى قيادة التنظيم، لتبدأ أسئلة وسيناريوهات عدة في الظهور على مشهد الأحداث في منطقة الصحراء الملتهبة بين المغرب والجزائر، أهمها من الشخصية السياسية المؤهلة لخلافته وقيادة المرحلة المقبلة؟ وكيف سيتم تدبير الملف مستقبلاً في ظل هذه المتغيرات؟
محددات هامة
الحديث عن خليفة عبدالعزيز، برؤى المحللين لن يخرج عن محددات وأسس قائمة بالفعل، تتحكم في اختيار الزعيم الجديد المؤهل و”المخول” بالجلوس على كرسي الزعامة بهذه المنطقة المشتعلة، وهي المحددات التي لن تخرج عن الرضا أو ثقة المؤسسة العسكرية الجزائرية، والتي دعمت بقاء عبدالعزيز لمدة تجاوزت الأربعين عامًا، أي أن شرط الولاء لها يعد الأهم في شغل منصب الأمانة العامة للجبهة، خاصة أن مفاتيح القيادة والتحكم في هذه المنظمة توجد في قصر المرادية!
ويأتي المحدد الثاني في المكون القبلي المهيمن على تكوين الجبهة، حيث إنه من الضروري أن يكون الزعيم الجديد ينحدر من أكبر قبائل الصحراء، وهي قبيلة الركيبات المنتمي لها عبدالعزيز، لأن أغلبية صحراويي تندوف ينحدرون منها، مع ضرورة أن يكون المنصب لمن هم من الجيل الأول المؤسس للجبهة، عملاً بالمشروعية التاريخية داخل البنية التقليدية لهذا التنظيم ، وبعيدًا عن ثورة الشباب داخلها.
أسماء معروفة
من هنا تبرز الأسماء المرشحة لخلافة عبدالعزيز، والتي لن تخرج وفقًا لرؤى سياسية مختلفة عن عبد القادر الطالب، الذي يشغل منصب “الوزير الأول”، ويعتبر المشرف الفعلي على تدبير شؤون المخيمات منذ المؤتمر الرابع عشر؛ ما يرجح كفة الطالب كونه قاد الجبهة طوال فترة غياب عبد العزيز بسبب المرض، وتولى مهمة “الزعامة بالنيابة”، سواء في إدارة شؤون الجبهة، وحضوره كذلك جميع اللقاءات والاجتماعات الهامة مع القيادات العسكرية الجزائرية، لكن نقطة ضعفه الوحيدة، وفقًا للمحددات التي ذكرناها، هو انتماؤه القبلي، كونه ينتمي لقبيلة أولاد دليم، وهي نقطة سلبية يمكن تخطيها بعقد تحالفات وخلق مناصب جديدة لنواب الأمين العام داخل الأمانة العامة بصلاحيات محددة.
يأتي في ترتيب الشخصيات المرشحة بقوة للمنصب البشير مصطفى السيد، باعتباره مؤسس الجبهة وشقيق الوالي مصطفى السيد، الذي يعتبر بالنسبة للصحراويين بمثابة “الأب الروحي”، ويحظى بمكانة ورمزية كبيرة بينهم، كما أن انفتاحه وشخصيته تؤهلانه ليكون رجل المرحلة الصعبة ، فيما يأتي إبراهيم غالي، “سفير” الجبهة سابقًا بالجزائر ثالث الأسماء المرشحة، لكنه قد لا يحظى بإجماع قادة الجبهة، لكن انتماءه لقبيلة “أركيبات” التي يتمتع أفرادها بوجود كبير في الجبهة، قد يمنحه الشرعية الداخلية في التنظيم، كما أنه كان يتمتع بثقة خاصة من قبل محمد عبد العزيز، يليه عبد الله الحبيب، الذي يشغل حاليًا منصب “وزير الدفاع”، ومحمد لمين البوهالي، الذي شغل المنصب نفسه سابقًا، وكليهما يتمتعان بالجنسية الجزائرية، الأمر الذي يضعف حظوظهما.
فيما يعتبر محمد خداد، أبعد القادة المرشحين عن المنصب، على الرغم من قربه من المخابرات الجزائرية، وتمتعه بحس تفاوضي يجعل منه رجل المرحلة في النزاع مع المغرب، لمواصلة المفاوضات السلمية، دون إدخال المنطقة في حرب عسكرية، لكن المخابرات الجزائرية لن تدعمه باعتباره منسق جبهة البوليساريو مع المينروسو “الأمم المتحدة”، ومكلف بالعلاقات الخارجية، ويمسك بملفات حساسة تستلزم تنسيقًا مباشرًا مع الاستخبارات العسكرية، بتفرغ تام لها ولا بد من بقائه في الظل.
آخر الأسماء المرشحة هو “خاطري أدوه”، وهو رئيس المجلس الوطني للجبهة، ويستمد قوته من مسؤولياته الكثيرة في الجبهة، وموقعه الحالي كخليفة مؤقت للزعيم الراحل يقود المرحلة المؤقتة الحالية.
سيناريوهات مخيفة
إذا كانت هناك صعوبة في الوصول للشخصية المرشحة لخلافة عبدالعزيز، فإن سيناريوهات تعاطي هذه الشخصية، أيًا كانت أصعب وأكثر تشعبًا ورعبًا، خصوصًا وأن طرفي النزاع (المغرب والجزائر)، لم يتوصلا لأية نقطة التقاء؛ لتقريب وجهات النظر حيث يعتبر المغرب منطقة الصحراء الغربية جزءًا منه، وقدم عرضًا لقادة الجبهة باستفتاء على “الحكم الذاتي”، بينما طالبت الجبهة بدعم جزائري بالاستقلال التام، وهو ما استدعى تدخل الأمم المتحدة في العام 92، لوضع خطة لتنظيم استفتاء حول تقرير المصير في بالمنطقة، دون أن يؤدي لأي نتيجة.
دعاوت انفصالية
الموقف إجمالاً حسب عدد من المراقبين يتعلق بمدى استعداد الحكومة الجزائرية لترك الحرية لعناصر الجبهة، كي يناقشوا كيفية تدبير مستقبلهم، واختيار الحل السياسي في مقترح الحكم الذاتي، وهنا يقرأ المحللون الموقف في سياق أن الحالة داخل الجبهة ستسير بنفس الوتيرة، دون وجود أية أسباب تؤثر في الإيديولجية والعقيدة التي تحكم البوليساريو، والتي عنوانها المناداة بالانفصال والاستقلال عن المغرب، مستندين إلى طبيعة الشخصيات المرشحة كونهم جميعًا من دعاة استئناف الحرب، ناهيك عن أن القيادة الجديدة للجبهة، بغض النظر عن خلفياتها، ومدى تمرسها تواجه تعقيدات جيوسياسية، وحالة من الاحتقان داخل المخيمات، مع انتشار ظاهرة رفع الأعلام المغربية فوق بعض المنازل، في خطوة تنذر بتكرار سيناريو التمرد الذي وقع في العام 1982.
سيناريو السكون
أما السيناريو الثاني برأي الخبراء فهو قريب من حالة “السكون” قبل أن تشهد الجبهة أية تحولات، خصوصًا أن طبيعة التنظيم بالنسبة لجبهة البوليساريو تجعل من المستحيل “تقريبًا” توقع أي توجه جديد، في المواقف المعلنة لأي قائد جديد سيتولى مهمتها، ويقضي هذا السيناريو بتوقف الجبهة عن الاستمرار في طموحاتها الانفصالية، بعد وفاة عبد العزيز، وهو ما يعني رمالاً متحركة قد تبتلع الجبهة بالكامل وتفككها، في حال وجد هذا السيناريو رفضًا من الجانب العسكري الجزائري، ولجأت لتحريك مواليها بالمخيمات للثورة المسلحة ضد المغرب وهو سيناريو كارثي للجانبين.
مراجعات جديدة
هنا تراهن المغرب على الانقسامات الداخلية بالجبهة، أكثر من كونها تراهن على تغيير في أيديولوجية الجبهة ذاتها، ما يمكن معه حدوث مراجعات جديدة قد تدعم تجاوز منطق الوصاية الجزائرية على مواقف الجبهة، بما يمكّنها من إجراء مفاوضات بناءة، وأكثر واقعية مع المغرب، تتيح التوصل لتسوية لهذا النزاع.
خلاصة الأمر أن الجبهة أصبحت مهددة في مستقبلها، نتيجة الصراع الواضح على خلافة المراكشي “عبدالعزيز”، وهي خلافات ظهرت علامتها حتى قبل وفاته، فهل تنتبه الجبهة لهذا الواقع وتبدأ في النظر لآراء شبابها المجددين، أم تستمر في جمودها السياسي، وقادتها القدام وتغرق في رمال الصحراء ؟ الإجابة خلال الشهور القليلة المقبلة.