هل من أقدم على تنفيذ الهجوم على مبنى مكتب المخابرات العامة في بمنطقة حوض البقعة وعين الباشا فجر الاثنين أول أيام رمضان، هم مطاردي عملية إربد الأمنية، سؤال طرحناه على القيادي البارز في التيار السلفي الجهادي محمد الشلبي المشهور باسم أبو سياف، الذي لم يستبعد ذلك من خلال إجابته.
“لا أستبعد قيام مطاردي عملية أربد الأمنية الذين تمكنوا من الفرار القيام بهذا الهجوم على مكتب المخابرات العامة في مخيم البقعة، وذلك بحجة أن الموت أو الشهادة كما يعتقدون أفضل من السجن والتعذيب”، هذا ما قاله أبو سياف في حديثه لـ”أردن الإخبارية”.
وعملية إربد الأمنية أقدمت عليها دائرة المخابرات العامة في آذار/مارس الماضي في مدينة إربد، إثر اكتشافها لخلية تابعة لتنظيم “داعش” فقامت باقتحام المكان التي تختبئ فيه، الأمر الذي أسفر عن استشهاد الرائد راشد الزيود وإصابة خمسة آخرين من كواد الأجهزة الأمنية بجروح بسيطة ومتوسطة، في حين قتل 7 من عناصر الخلية ولاذ بالفرار 6 آخرون.
وبين أبو سياف أن “المطاردين من عملية إربد الأمنية يصل عددهم إلى 6 أشخاص”، ولكنه استبعد أن “يكون جميع المطاردين هم من قاموا بالهجوم”.
وأبدى أبو سياف تخوفه من قيام الأجهزة الأمنية من شن حملة اعتقالات في صفوف التيار السلفي الجهادي إثر الهجوم، منوها إلى أن هذه الحملة في حال انطلقت سوف تشمل مواطنين لا شأن لهم في الهجوم الأمر الذي سيصيبهم بضرر جراء الاعتقال والاستجواب.
وتساءل أبو سياف في نهاية حديثه موجها خطابه لمن قام بالهجوم “ماذا استفاد المسلمون من الهجوم؟ هل عاد الهجوم بفائدة عليهم أم سيصيبهم بضرر وإساءة؟.
مهاجم واحد بسلاح اتوماتيكي
ويعتبر مخيم البقعة أحد أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، يقع على طريق عمان – إربد بالقرب من منطقة صويلح، وقد أقيم على أخصب منطقة زراعية في الأردن والتي كانت تنتج ما يعادل ربع سلة الغذاء الأردني آنذاك، ويبلغ عدد سكان الحوض نحو 220 ألف نسمة، ويتبع المخيم إدارياً لبلدية عين الباشا التابعة لمحافظة البلقاء.
وكان وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني، سارع إلى الإعلان عن تعرض مكتب المخابرات العامة في مخيم البقعة لهجوم إرهابي قبيل الساعة السابعة من صباح الاثنين أول أيام رمضان.
وقال المومني في تصريح صحفي صدر عنه الاثنين إن “الإرهابيين استهدفوا المقر الأمني صبيحة أول يوم من أيام شهر رمضان المبارك في دليل واضح على السلوك الإجرامي لهذه العناصر، وخروجها عن ديننا الحنيف، وارقوا دماء زكية نذر أصحابها أنفسهم لحماية الوطن والمواطن والمنجزات”.
وبين المومني أن “الهجوم أسفر عن استشهاد خمسة من مرتبات المخابرات العامة هم، الخفير وعامل المقسم وثلاثة ضباط صف من حرس المكتب، مؤكدا على أن الأجهزة الأمنية تلاحق الجناة وتتولى التحقيق في ملابسات وظروف الهجوم وستعلن عن كافة تفاصيله لاحقا”.
ولم يوضح المومني نوعية الأسلحة التي استخدمت في الهجوم، كما لم يشير إلى إذا ما كان نفذوا الهجوم جاؤوا من خلفية مرتبطة بأي تنظيمات خارجية.
وطبقا لمصادر مطلعة فإن الهجوم الذي تعرض له مكتب المخابرات العامة نفذه شخص واحد باستخدام سلاح اتوماتيكي، في حين تمكنت كاميرات المراقبة المثبتة على مبنى المخابرات من التقاط صور لمركبة منفذي الهجوم.
ووفقا لأحد الشهود الذي كان برفقة أحد المصابين في مستشفى الأمير حسين المجاور لمبنى المخابرات، فقد شاهد سيارة تغادر المكان بعد الحادثة وأنها كانت تسير لوحدها في الشارع.
هل “خلية إربد” تنتقم؟
في تعليق منه على الهجوم، دعا الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أسامة شحادة إلى التروي وعدم استباق التحقيقات الرسمية في الكشف عن هوية المهاجمين، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن الخيارات والتوقعات في هذا الاتجاه مفتوحة.
وقال شحادة لـ”أردن الإخبارية” إن “الحديث في هذا الهجوم ابتداء صعب وشائك، خاصة في ظل عدم إعلان أي جهة إلى الآن عن تبنيها للعملية”، متسائلا “هل هي عملية انتقام من قبل عناصر تنظيم الدولة المطاردين إثر عملية إربد الأمنية؟ أم هي عملية انتقام شخصية لمنفذ الهجوم؟ أم هي فعلا عملية موجهة ومخطط لها من جهات خارجية؟.
ولفت شحادة إلى أن “الهجوم جريمة مدانة بكل المقاييس، خاصة أنها جاءت مع بداية شهر التسامح والرحمة”، معتبرا أن “هذا الهجوم يأتي في سياق القتل الأعمى، خاصة وأن المنفذ لا دليل لديه أو إثبات على قيام من قتلهم بارتكاب جريمة من وجهة نظره، علاوة على أنه لم يكن على اشتباك مع من قتلهم، فهم كانوا عزل بعيدين عن المواجهة المسلحة”.
وتساءل شحادة بقوله “هل يعتقد المنفذ للهجوم أن بفعلته هذه سيعمل على تقويم سلوك وأفكار الأجهزة الأمنية كما يريد، هل يعتقد أن الأجهزة الأمنية منحرفة وشاذة عن الطرق الصحيح الذي يراه هو، وبذلك سيعمل على تصحيحها وتقويمها بالقتل؟”.
ورأى شحادة في النهاية أنه “في ضوء هذا الهجوم المدان، على الأجهزة الأمنية ألا تعتمد دائما الأسلوب أو الحل الأمني في استراتيجياتها لمواجهة الأفكار التكفيرية، بل عليها الخوض في توعية الشباب بالحوار والأفكار لتكوين جيل واع وقادر على استيعاب ما يحدث حوله وبالتالي الحكم على الصحيح أو الخطأ منه”.
ثاني هجوم خلال 6 أعوام
يذكر أن هذا الهجوم ليس الأول الذي يتعرض فيه فرع المخابرات في مخيم البقعة لهجوم، ففي عام 2009 تعرض لهجوم مسلح فاشل تبناه حينها تنظيم القاعدة انتقاماً لأبي مصعب الزرقاوي، والفاعل حوكم غيابياً وفر إلى سوريا وقتل هناك.
وفي استعراض سريع للعمليات والحوادث التي شهدتها الساحة الأردنية من هذا النوع، نجد أنه في العام 1993 استهدف ما أطلق عليه جيش محمد بعض الأهداف والمؤسسات العامة كمباني الحكومة ولم تسفر تلك الهجمات عن سقوط ضحايا.
وفي العام 1994، استهدفت “مجموعة الأفغان الأردنيين” بعض دور السينما ومحلات بيع الخمور في منطقتي البقعة وصويلح، وفشلت حينها هذه في تنفيذ مخططات أخرى من بينها تفجير فندق القدس في عمان.
بينما في العام 2002 قامت خلية تابعة للزرقاوي باغتيال الدبلوماسي الأمريكي لورنس فولي الذي كان يعمل في الوكالة الأمريكية للإنماء الدولي، فيما قامت في العام 2004 خلية تابعة للزرقاوي أيضا بضرب صواريخ كاتيوشا بالقرب من مستشفى عسكري في منطقة العقبة الجنوبية وأدت إلى وفاة شخص وإصابة أربعة.
كما تبنى تنظيم القاعدة في العام 2005 تفجيرات عمان التي استهدفت ثلاثة فنادق وسط العاصمة، وأسفرت عن مقتل ستين شخصا وجرح المئات، إلى أن تم اعتداء مسلح في العام 2015 داخل مركز تدريب أمني في منطقة الموقر وراح ضحيته خمسة مدربين عسكريين منهم ضابطان أردنيان وآخران أميركيان وجنوب أفريقي إضافة إلى منفذ العملية نفسه.
البحث عن الفاعلين مستمر
وكانت قناة العربية قد نشرت في وقت لاحق من العملية أن الأمن الأردني ألقى القبض على اثنين من منفذي هجوم البقعة، ولكن ومصادر رسمية نفت الخبر، وأكدت أنه ما زال البحث جارياً عن الفاعلين.
إلى ذلك، أقدمت السلطات الأمنية على فرض طوق أمني مشدد على المداخل المؤدية لمقر المخابرات العامة بالبقعة، في حين تراجع السلطات كاميرات الشوارع للبحث عن خيط يوصل للمجموعة التي نفذت الهجوم.
بدورها، أعلنت الأجهزة الأمنية عن أسماء شهداء الهجوم المسلح على مكتب المخابرات العامة في مخيم البقعة، وهم رقيب أول لؤي محمد فرج الزيود، عريف هاني سليم موسى القعايدة، عريف عمر أحمد الفالح الحياري، جندي أول أحمد عبد الكريم محمد الحراحشة، جندي محمود خلف عبد الرزاق العواملة.
دلالات توقيت الهجوم
من جهته، أشار الخبير الأمني العميد المتقاعد الدكتور حسين الطراونة إلى أن “الهجوم المذكور يأتي بعد أيام قليلة على استعراضات الجيش بمناسبة الأعياد الوطنية”، منوها إلى “دلالة توقيت الهجوم الذي تم عند الساعة 5.50 دقيقة فجرا، متسائلا هل للتوقيت علاقة بتنظيم داعش”.
وقال الطراونة لـ”أردن الإخبارية” إن “ما وصلني من معلومات أن المختبر الجنائي الظروف الفارغة من مكان الحادث وتبين أنها تعود لأسلحة أوتوماتيكية”.
ووصف الطراونة الهجوم بـ”الصادم” للشعب الأردني، لأن المواطنين لم يعتادوا على مثل هذه الأحداث الدموية المأساوية، مشددا في الوقت ذاته على كفاءة الأجهزة الأمنية في سرعة الكشف عن المنفذين وإلقاء القبض عليهم في وقت قياسي كما عودتنا.
وحول ما هو المطلوب من الأجهزة الأمنية في ظل هذا الهجوم الأخير، دعا الطراونة الأجهزة الأمنية إلى الحذر والانتباه ورفع مستوى الجاهزية والاستعداد، حتى لا يتكرر مثل هذا الهجوم.
المصدر: أردن الإخبارية