للمصريين عاداتهم وتقاليدهم، التي ما زالوا يعرفون بها منذ فجر التاريخ، فقد عرف عن المصريين تميزهم في إضفاء الطابع المصري على أي مناسبة دينية، وصبغها بالصبغة المصرية الخالصة، ومن ذلك عاداتهم وطقوسهم في شهر رمضان الكريم.
يتناول هذا المقال كيف كان المصريون يستقبلون ويمارسون حياتهم خلال شهر رمضان، وبعض الحوادث الطريفة التي وقعت فيه.
ليلة الرؤية
كانت ليلة رؤية هلال شهر رمضان، من المناسبات التي يوليها عامة المصريين وخاصتهم عناية كبيرة، فقد كانت ليلة احتفالية، حيث يقود المحتسب موكب الرؤية، ومعه مشايخ الحرف، يتبعهم العامة بالطبول والزمور على العادة لاستطلاع الهلال.
وبعد تأكدهم من رؤية الهلال، كانوا يتوجهون إلى القاضي الشرعي لإثبات الهلال، ثم يتوجهون بعدها إلى بيت الوالي يعلمونه ببدء شهر الصيام، من خلال احتفال تلقائي كبير يشارك فيه جمع من أهل القاهرة، يسير في مقدمته حملة المشاعل وحملة الشوم، يليهم الموسيقيين فوق ظهور الجمال أو الحمير، ويأتي بعدهم أعضاء الطرق الصوفية، وفي آخر الموكب يأتي المشايخ ممتطين صهوة الجياد المزينة ببذخ.
وكانت الأسر المصرية، كعادتنا حتى اليوم، تستقبل الشهر الكريم بالفرح، ويزينون بيوتهم بالأعلام، ويضيئونها ليلاً بالقناديل.
وكان هذا تقليدًا متبعًا، إلا أن يحدث مكروه، أو يزداد فساد العسكر، ويزيد النهب والسلب، فلا يعمل احتفال الرؤيا، خوفًا من عربدة العساكر، أو انفلات الأمن.
الخير في شهر رمضان
كان شهر رمضان موسمًا للخير، يظهر فيه المصريون تضامنهم الفطري مع بعضهم البعض، فكان الأغنياء يبرون الفقراء، ويذكرونهم بالصدقات، فيطبخون الأرز باللبن، والزردة، ويملأون منها قصاعًا كثيرة، يوزعونها على من يعرفونه من المحتاجين.
المصريون في نهار شهر رمضان
وكأن التاريخ لا يتغير في بلاد الصبر الجميل الطويل جدًا، فقد كان الأغنياء ينامون طيلة النهار، ويقضون الليل في الاستمتاع بالطعام، بينما يمارس الفقراء عملهم المعتاد، حتى يضرب مدفع الإفطار.
المصريون في ليل شهر رمضان
يذكر الجبرتي: “أنه كان على شاطئ بولاق، أماكن للاجتماع بعضها قهاوي، وكانت تحتفل بالرقص والغناء ورواية السير الشعبية التي ينشدها شعراء الربابة”، وكان من عادة تلك المقاهي أن تغلق أبوابها في شهر رمضان نهارًا، وتفتحها بعد الإفطار، فيذهب البسطاء، بعد أداء صلاة التراويح، للسهر على القهاوي ويتسلون حتى الساعة الثانية أو الثالثة صباحًا.
كما كان شهر رمضان، هو شهر الزيارات الليلية المنزلية، على ما يذكر جالك لوتي في كتابه عن مصر في زمن بونابرت.
حوادث طريفة في شهر رمضان
- نبي مرسل من شربين
من حوادث 1147هـ، التي جاءت في عجائب الجبرتي أنه: في أوائل شهر رمضان من هذا العام، ظهر رجل بالأزهر يدعي النبوة، فأحضروه بين يدي الشيخ أحمد العماوي، فسأله عن حاله، فقال الأزهري: إنه كان في شربين، فنزل عليه جبريل، وصعد به إلى السماء ليلة سبع وعشرين من رجب، وأذن جبريل فصلى الأزهري ركعتين، والملائكة من خلفه، فلما فرغ من صلاته أعطاه جبريل ورقة، وقال له: أنت نبي مرسل، فانزل وبلغ الرسالة، وأظهر المعجزات، فاتهمه الشيخ العماوي بالجنون، ولكنه أصر على أنه عاقل، وأنه نبي مرسل، فضربه الأزهريون وأخرجوه من الأزهر.
ثم سمع به عثمان كتخدا فأحضره، وسأله، فقال ما قاله أمام الشيخ العماوي من قبل، فأرسله إلى المارستان أيامًا ثم طلبه الوالي، عثمان باشا الحلبي، وسأله أيضًا، فأصر على أنه نبي مرسل، وبعد حبسه ثلاثة أيام، دعا عثمان باشا العلماء، واستجوبه أمامهم، فلم يتحول، فأمره العلماء بالتوبة، فامتنع وأصر، فأمر الباشا بقتله، وكان وهو يقدم للقتل يتلو قوله تعالى: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل.
- مولود يشبه الفيل
ومما يرويه الجبرتي أيضًا في حوادث عام 1191هـ وتحديدًا في منتصف شهر رمضان، أن امرأة ولدت مولودًا يشبه خلقة الفيل، مثل وجهه وآذانه وله نابان خارجان من فمه، وأخذ الناس يتفرجون عليه في البيوت والأزقة.
وهذا الولد، كان أبوه رجلاً جمالاً، والسبب في هذا الشبه كما يقول الجبرتي، أن امرأته رأت فيلاً، وكانت في أشهر وحامها، فنقلت شبهه في ولدها.
- ثورة الفقراء والمجاورين
ومن الحوادث الهامة أيضًا ما وقع في غرة رمضان 1199هـ، حيث ثار فقراء المجاورين والقاطنين بالأزهر، وقفلوا أبواب الجامع، ومنعوا منه الصلوات، وكان ذلك يوم الجمعة فلم يصل فيه ذلك اليوم، وكذلك أغلقوا مدرسة محمد بك المجاورة له، ومسجد المشهد الحسيني، وخرج العميان والمجاورون يرمحون بالأسواق، ويخطفون ما يجدونه من الخبز وغيره، وتبعهم في ذلك الجعدية وأرذال السوقة.
وسبب ذلك قطع رواتبهم وأخبازهم المعتادة، واستمروا على ذلك إلى بعد العشاء، فحضر سليم أغا أغات مستحفظان إلى مدرسة الأشرفية، وأرسل إلى مشايخ الأروقة، والمشار إليهم في السفاهة، وتكلم معهم ووعدهم، والتزم لهم بإجراء رواتبهم، فقبلوا منه ذلك وفتحوا المساجد.
- ثلج كبيض الدجاج
ومن الحوادث الطريفة التي يذكرها الجبرتي ما جرى في رمضان 1223هـ، والتي يطلق عليه أنها “من الحوادث السماوية”، أنه في سابع عشرين رمضان، غيمت السماء بناحية الغربية والمحلة الكبرى، وأمطرت بردًا في مقدار بيض الدجاج، وأكبر وأصغر، فهدمت دورًا وأصابت أنعامًا غير أنها قتلت الدودة من الزرع البدري.