السعي وراء الكمال، رحلة الأغلبية في مواقع التواصل الاجتماعي، الإنستجرام والفيسبوك وتويتر وسناب شات إلى آخره، السعي وراء الحياة المثالية، السعادة المطلقة، الجمال الكامل، والاستمتاع بكل شيء وأي شيء.
متى آخر مرة قمت فيها بنشر صورة توضح أن يومك قد سار بشكل سيء على إنستجرام؟ متى آخر مرة استمتعت بصحبة الناس في مكان عام بدون إعلانك عن وجودك في هذا المكان على الفيسبوك؟ ومتى آخر مرة غردت تغريدة تبين فيها أن حياتك ليست بتلك السعادة التي تزعمها، متى قمتِ بنشر صورة لك بدون مساحيق للتجميل ووصفتِ الصورة بأنك تشعرين بأنك جميلة كما أنتِ؟ الإجابة نادرًا، بل وكثيرًا سيجيب بأنه أبدًا.
تذكر دومًا أنك تسير مع التيار رُغمًا عنك، وهذا يعني أنك ستحاول التكيّف مع عالم التواصل الاجتماعي بشكل أو بآخر، إما ببذل مجهود أكبر للوصول إلى ما هم عليه، أو باكتسابك القدرة على التزييف، بالضبط كما يفعل أغلب جمهور مواقع التواصل الاجتماعي.
نبدأ مع الإنستجرام، والحقيقة المُرة التي تكمن خلفه.
الفكرة التي بُني عليها إنستجرام هي قطع جزء صغير من صورة كاملة والتركيز على تفاصيلها والمعنى الجمالي فيها، أو على الأقل كان هكذا في البداية، قبل أن يتحول إلى منصة لعرض منتجات التجميل بجانب عارضات الأزياء، أو إلى منصة للتركيز على المأكولات والتسويق إليها عبر الصور، إلى آخره من شتى المنتجات المعروضة، وصولًا إلى مشاهير الإنستجرام، من خبيرات التجميل إلى خبيري كمال الأجسام، هؤلاء عارضات أجسادهن النحيفة بارزات مفاتنهن للعرض، وآخرون بأجساد نصف عارية يبرزون عضلاتهم في النادي الرياضي أو في حمام السباحة.
“إسينا أو نايل” هي إحدى تلك العارضات التي قررت حذف 2000 صورة من حسابها على إنستجرام، وتعديل الوصف المكتوب تحت 96 آخرين تصف فيهم كواليس كل صورة تم أخذها لعرض أحد المنتجات، أو لعرض نفسها فيها، قبل أن تقلع عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كليًا متجهة إلى مشاريع حقيقة في حياتها وليست في العالم الافتراضي.
تقول إسينا بأننا جيل تم غسل أدمغته أكثر من مرة، وأننا مُستخدمون لغرض الاستهلاك، لا يوجد غرض خلف أي صورة عرضتها سوى أنها كانت تقوم بتسويق نفسها، تمامًا مثل السلعة، خلف كل صورة هناك الكثير من التلاعب وكثير من عدم الثقة وقليل من الحقيقة، لا يتم التقاط كواليس الصورة، المحادثات الطويلة التي يخوضوها وهم منتظرون طلوع الشمس أو غيابها، تلك هي الحياة الحقيقة، وليس الكذب الذي يتم عرضه في الصورة، الكمال يتم صناعته، وهذه كذبة خطيرة، الكمال يُصنع من أجل جذب الانتباه، وهذا ما لا يجب أن يكون عليه الكمال، مواقع التواصل الاجتماعي استهلكتها، لذا قالت لها وداعًا للأبد.
“تعديل الصورة : لقد أخذت أجرًا من أجل التقاط تلك الصورة، يجب عليك أن تتذكر أنك عندما تنظر إلى صور فتيات الإنستجرام وتتمنى أن تمتلك حياتهن أن كل ما تم تصويره هو بالضبط ما يريدونك أن تراه، وليست الحقيقة، الأمر مدفوع برمته، ولا خطأ في تسويق المنتجات، أنا لا أجد عيبًا في ذلك، ولكن لا هدف من تلك الصورة، لا هدف من أن يتم إجباري على إظهار ابتسامة ساحرة، ولا هدف من أن أرتدي ثياب ضيقة ويتم تأجيري لأكون جميلة، نحن الجيل الذي يتم استغلالنا من أجل استهلاك البضائع، بدون تفكير في الأمر، من أين تأتي البضائع وإلى أين تذهب”.
هنا بعض الصور التي تظهر أن إنستجرام ليس صادقًا كما كنت تتصور:
الهند الجميلة، والقبيحة
ماذا عن المدافعين عن الحياة الحقيقية، أم إننا مجرد حاقدين على بعض نجاحات مواقع التواصل الاجتماعي؟ بالطبع لا، هناك علامات تجارية مشهورة بدأت في حملات مضادة لذلك التزييف المستمر في استخدام البشر كسلع للعرض يتم عرضها لكسب المزيد من الزبائن ولنجاح المزيد من الإعلانات التي تروّج لها مواقع التواصل الاجتماعي بشراسة.
تطوّر دوف
إعلان شركة مستحضرات التجميل “دوف” المشهور بعنوان “تطوّر دوف” dove evolution والذي يقوم بتحويل امرأة من شكلها الطبيعي إلى شكل ساحر الجمال باستخدام كل من مساحيق التجميل والفوتوشوب، ليعرضها في النهاية كواجهة بجانب المنتج، لينتهي الإعلان في النهاية بجملة ” لا عجب في أن مفاهيم الجمال لدينا صارت مشوهة”.
حملة “أنتِ تبدين مقرفة”
حملة لفتاة قررت نشر صور لها بدون أي مساحيق للتجميل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لاقت تفاعلًا مما يقرب 100.000 تعليق، والفيديو يوضح تعليقات حقيقية كتبت للفتاة على الصور مثل: “أنا لا أستطيع النظر إليك”، “اللعنة على هذا الوجه”، “وجهك قبيح جدًا”، و”ألم تغسلي وجهك أبدًا”، قبيحة، مقرفة، بشعة، إلى أن وضعت الفتاة مختلف مساحيق التجميل على وجهها لإخفاء كل عيوبها، لتتحول التعليقات إلى “أنتِ جميلة”، “أنتِ رائعة”، “لقد أعجبني شكلك”، وحتى “أنت كاملة”.
ولكن لم يسلم الأمر، ليأتي المهاجمون بتعليقات مثل: هذا كذب، هذا إعلان غير قانوني، أنت لا تثقين في نفسك، أنت مازلت قبيحة، احترمي نفسك، لن أثق في فتيات مساحيق التجميل بعد الآن، إلى أن ينتهي الإعلان بالشكل الأصلي للفتاة مع عبارة أنت جميلة، ولم يذكر أي شيء عن الكمال في النهاية، وتلك هي الفكرة الأصلية، نحن لا نسعى للكمال المزيف، ولكن نسعى أن نكون واثقين أن هذا ما لدينا، ولا يجب علينا تزييف أنفسنا ليقبلنا المجتمع.
كنترول
صارت فكرة التحكم شيئًا طبيعيًا الآن، يمكنك بسهولة محو أي صور لا يعجبك نفسك فيها، أو حذف كل ما يتعلق بك ويظهرك على حقيقتك، مواقع التواصل الاجتماعي ليست وردية كما تعتقد، نعم، لقد جاءت بثورة للتكنولوجيا، ولكنها في المقابل غيّرت مفاهيم الخصوصية بشكل جذري، كما غيّرت مفاهيم الجمال والتميّز الخاص بكل إنسان بشكل نسبي، ليحدث ما يُسمى بالحياة المؤُسسة، أنت تدخل إلى عالم تم تأسيسه من قبل، له قوانين الحياة الخاصة، له مواصفات خاصة، ولا يقبل الحقيقة، وعليك إما أن تملأ الفراغات التي لديك لتكون مطابقًا للمواصفات، أو من الممكن جدًا أن تنفرض عليك العزلة الجبرية، إلا أن الأمر لم يتم الاستسلام له بشكل كلي، وهناك من هم من ذلك العالم المزيف نفسه في وجه التيار، وما تبقى لك، هو أن تختار، إما العالم الافتراضي، أو الحياة الحقيقية.