ترجمة وتحرير نون بوست
قبل يومين فقط من وصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الصومال في 3 يونيو، هاجمت المنظمة الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، حركة الشباب، فندقًا في مقديشو، عاصمة البلاد، مما أسفر عن مقتل 15 شخصًا على الأقل، وكان الأمر الملفت للنظر حقًا هو استهداف التفجير لفندق السفير، حيث بات أردوغان والوفد المرافق له خلال زيارتهم السابقة للصومال، وباعتباري كنت إحدى أعضاء الطاقم الصحفي الذي رافق الرئيس في رحلته الأخيرة إلى “القرن الأفريقي” الأسبوع الماضي، استطعت أن أشاهد هذا الفندق أثناء مرور سيارات الوفد بجانبه، حيث تحوّل بعد التفجير إلى كومة من الأنقاض.
على طول طريقنا الذي استغرق حوالي النصف ساعة من المطار إلى السفارة التركية، التي افتتحها أردوغان مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، كان الشعب الصومالي يصطف على الأرصفة المجاورة، مهللًا ومرحّبًا بالرئيس التركي، الذي يزور الصومال للمرة الثالثة منذ عام 2011، حيث لم يكن ذاك الاستقبال والهتاف الحافل مجرد مظاهر لا معنى ولا مغزى لها.
أردوغان هو الزعيم الأجنبي الوحيد الذي زار الصومال منذ عام 1991، متجاوزًا عتبة المطار في مقديشو، حيث جرت العادة على وصول الزعماء الآخرين للمطار لعقد اجتماعاتهم هناك، ليغادروا بعدها البلاد على عجل، وعلاوة على ذلك، لا تمتلك سوى ثلاثة بلدان فقط سفارات لها في الصومال، وهي تركيا وقطر وكينيا، حيث اقتصرت البلدان الأخرى على افتتاح سفاراتها ضمن مطار مقديشو، وبالإضافة إلى ذلك، تعد السفارة التركية في الصومال أكبر بعثة دبلوماسية تركية في الخارج في جميع أنحاء العالم.
لهذا السبب تعني تركيا الكثير بالنسبة للصوماليين؛ فهي البلاد التي “تجرّأت” على الانخراط بنشاط ضمن البلاد الخطرة، باسطة لها يد العون والمساعدة رغم كل الصعاب؛ فمن الشائع للغاية أن ترى حزم المساعدات ومركبات الهلال الأحمر التركي ووكالة التنسيق والتعاون التركية (تيكا) في شوارع مقديشو، حيث تحمل تلك المركبات شعارات “من الشعب التركي للشعب الصومالي”، كما أن المطار الوحيد في البلاد، الطريق الإسفلتي الوحيد في مقديشو، والمستشفى الأكثر أمانًا ضمنها، جميعهم تم بناؤهم على يد تركيا، فضلًا عن أن خطط تركيا لبناء ميناء على الساحل الصومالي ومبنى للبرلمان هناك ما زالت جارية على قدم وساق.
علاوة على ذلك، توشك تركيا على الانتهاء من إكمال مرافق التدريب العسكرية التركية في البلاد، والتي سوف تساعد في تشكيل الجيش الصومالي الجديد، كما ساهمت أنقرة بفعالية ضمن مفاوضات السلام التي شهدتها البلاد، ودعمت الحكومة الاتحادية الانتقالية الصومالية التي تأسست واعتُرف بها دوليًا في عام 2012.
لربما يعيد ذكر الصومال إلى أذهاننا اليوم صور الإرهاب والحرب والعنف، ولكن المفارقة تكمن في أن تلك البلاد كانت أساسًا مركزًا حيويا للتجارة في العصور القديمة والوسطى؛ ففي القرن الـ19، كانت الصومال مستعمرة من بريطانيا وإيطاليا، حتى نالت استقلالها في عام 1960.
بدأت محنة الصوماليين بعد ذلك في عام 1991، عندما ابتُدرت الحرب الأهلية في البلاد، حيث استمرت الاشتباكات الدموية ما بين القبائل الصومالية لأكثر من 20 عامًا، وحصدت الحرب الدائرة مئات الآلاف من الأرواح، وفقط عندما أوشكت الحرب أن تضع أوزارها في البلاد، ظهر ذراع تنظيم القاعدة، حركة الشباب، على الأرض، ليختل ميزان القوى من جديد في عام 2009.
على رأس كل ذلك، يسود فقر لم يسبق له مثيل في الصومال، حيث تتربع البلاد على قمة مؤشر “الدول الأقل نموًا” وفقًا للأمم المتحدة منذ عقود، لدرجة أن الأخيرة عمدت منذ عام 1992 لتشكيل قوة دولية لحفظ السلام في البلاد بغية مكافحة الفقر المستشري.
متوسط الأعمار في الصومال لا يتجاوز الـ50 عامًا، معدل البطالة يبلغ 74%، كما أن 82% من السكان يصنفون على أنهم تحت خط الفقر؛ فبعد كل شيء، يعد الفقر أحد الأسباب الرئيسية للعنف الدائر في البلاد.
السبب الآخر الذي يقف خلف انتشار العنف في الصومال هو الاشتباكات بين العشائر والقبائل، التي تسببت بحرب أهلية استمرت لعقود، تذكرنا بالماضي الاستعماري الذي شهدته البلاد، حين استغلت القوى الإمبريالية الاستعمارية، بريطانيا في الجزء الشمالي وإيطاليا في الجزء الجنوبي، التنافس ما بين العشائر لتوطيد سلطتها.
الأمر المدهش في هذا السياق هو أن الصوماليين ينتمون إلى ذات العرق، وعلاوة على ذلك، فإن كامل السكان، 100% منهم تمامًا، هم من المسلمين، لا بل ينتمي جميعهم أيضًا إلى الطائفة السنية، وبعبارة أخرى، جميع سكان البلاد ينتمون لذات الطائفة من الإسلام، ولكن على الرغم من هذا التجانس الديني الفريد، انحدرت البلاد إلى الحرب الأهلية بسبب هيكليتها القبلية والعشائرية.
لطالما كانت الصومال هدفًا للمطامع الاستعمارية على مدى قرون خلت تبعًا لموضعها الإستراتيجي الفريد؛ حيث تتمتع البلاد بأطول خط ساحلي في أفريقيا، وتمتد على طول المحيط الهندي وخليج عدن، وتربط بذلك ما بين آسيا وإفريقيا، حيث لا تعد اليمن وفقًا لذلك سوى معبر عبر خليج عدن.
فضلًا عن ذلك، لا تعد الصومال مجرد أهم أجزاء التجارة البحرية والأمن البحري في جميع أنحاء العالم فحسب، بل إنها تحتوي أيضًا على احتياطيات هائلة من النفط والغاز.
على صعيد مختلف، وصلت الحكومة الاتحادية الانتقالية الصومالية إلى اتفاق قبل بضعة أشهر لتوزيع حكم الصومال ما بين العشائر الأربع أو الخمس الرئيسية التي تقطن في البلاد، وعلى الرغم من أن نجاح ذاك الاتفاق في استقدام وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد ما زال مبكرًا لتقديره، إلا أن الوصول إلى الاستقرار المنشود يجب أن ينجم حتمًا من خلال استمرار التنمية في البلاد، ولهذا السبب يعد وجود تركيا في هذه المنطقة أمرًا حيويًا للغاية.
الجهد المضني وطويل المدى الذي تمارسه تركيا ضمن الصومال، ليس مجرد استثمار إستراتيجي يعين الصومال في محنتها، بل إنه يشكّل استثمارًا إستراتيجيًا هامًا بالنسبة لتركيا أيضًا، فهو يهدف لتعويض فقدان تركيا لأسواقها في الشرق الأوسط، فضلًا عن تعديل ميزان تنامي النفوذ الإيراني في أفريقيا الشرقية.
أخيرًا، وخلف كل هذا، تبقى حقيقة أن الصوماليين هم أحوج الناس في العالم للمساعدة هي السبب الرئيسي خلف مد تركيا ليد العون للصومال، ولهذا السبب بالضبط تتعرض البلاد لهجمات على يد حركة الشباب في كل مرة تضع فيها قدمها ضمن هذا الإقليم.
المصدر: صحيفة حريات التركية