كشف تقرير إيطالي عن أن كارثة القارب الذي غرق قرب شواطئ جزيرة لامبيدوسا الإيطالية وراح ضحيتها أكثر من ٢٦٠ شخص من السوريين والأفارقة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان من الممكن تفاديها إلا أن خفر السواحل الإيطاليين لم يقوموا بواجبهم.
وأشار التقرير الذي أعدته المجلة الأسبوعية L’espresso إلى أن القارب الذي غرق على بعد ١١٣ كم من جزيرة لامبيدوسا الإيطالية وعلى بعد ٢١٨ كم من سواحل مالطا، حاول الاتصال بخفر السواحل الإيطالي الذي استقبل بالفعل طلب الإغاثة الأول إلا أن العون تأخر بسبب تبادل إلقاء المسؤولية بين حرس السواحل في إيطاليا ومالطا، وهو ما قال التقرير أنه أدى إلى حوادث مشابهة من قبل، لكن على مستويات أقل.
تُعد سفينة “ليبرا” من السفن الكبيرة. يوجد على متنها هيلوكوبتر وطاقم من البحارة الخبراء القادرون على تقديم المساعدة وإنقاذ اللاجئين من الغرق. قائدتها الملازم الشابة كاتيا بيليجرينو. وهي إحدى أيقونات البحرية الإيطالية. لقد كان قارب الصيد الذي يغرق بالتأكيد مرئي على شاشات الرادار لتلك السفينة. ولكن لم يقم أي شخص بحسم القرار وإعطاء الأوامر لإنقاذ حياة 268 شخص. لم تُعطى سفينة “ليبرا” الإذن بالتحرك نحو مكان القارب قبل الساعة الخامسة و 14 دقيقة من مساء ذلك اليوم. في ذلك الوقت كان القارب المحمّل بالأطفال قد غرق منذ 7 دقائق. وأصبح البحر مساحة من الموت والحياة. لقد اودى هذا التأخير بحياة الكثيرون وبضوء النهار الذي كان عاملاً مساعداً جداً على البحث عن الضحايا. حيث كان الليل قد أتى وجعل من الصعب جداً على المنقذين رؤية جميع الأشخاص العائمين في الماء. ربما لهذا السبب نسمع الكثير من الناجين يقسمون بأنهم رؤوا بعض الأطفال والبالغين متمسكين بخشبة عائمة من المركب الغارق ولكنهم لم يروهم بعد ذلك مع الناجين الذين وصلوا إلى الأرض في مالطا وإيطاليا
تعود نقطة اللاعودة في هذه المأساة إلى الساعة الواحد من بعد ظهيرة يوم الجمعة 11 أكتوبر حيث كان بإمكان وحدة العمليات في ايطاليا إنقاذ هؤلاء الأطفال واهاليهم من الغرق. ولكنهم رفضوا التدخل ووجهوا مسؤولية الإغاثة إلى مالطا.
القيادة العامة لخفر السواحل تؤكد الشهادة التي أدلى بها أحد الناجين، السيد مهند جمو (40 سنة)، يقول جمو الذي فقد طفليه في الحادثة، ” لقد اتصلت بنفس الرقم الإيطالي ثلاث مرات، الساعة الحادية عشرة صباحاً ثم الساعة الثانية عشرة ونصف ثم حوالي الساعة الواحدة ظهراً”. ولقد أكدّ كلام الدكتور جمّو طبيبان آخران استطاعا النجاة من الحادث وهما: الجراح أيمن مصطفى (38 سنة) وهو والد الطفلة جود ذات الثلاثة اعوام والتي تُعد حاليا وبشكل رسمي من المختفين في البحر المتوسط عقب حادثة الغرق مع والدتها فاتنة خطيب (27 سنة). وطبيب العصبية الدكتور مازن دهان (36 سنة) الذي فقد زوجته ريم (30 سنة) وأطفاله الثلاثة.
الطفلة جود مصطفى، ذات الثلاثة سنوات. اختفت في البحر بسبب تأخر المساعدة الإيطالية
بيسان (٩ أشهر) ومنور رحيل (٣٥ عاما)
كان مركز العمليات في روما يعلم بأن لاجئين بينهم اطفال وجرحى في قارب صيد يوشك على الغرق. حتى لو تم تجاهل اتصال الساعة الحادية عشرة (الذي ينفيه خفر السواحل) ، والذي أكده الدكتور مهند جمو، كان لايزال لديهم الوقت بعد الساعة الواحدة ظهراً لإرسال قوارب الإنقاذ من لامبيدوسا. وإذا حسبنا سرعتهم نجد أنه كان بإمكانهم الوصول إلى مكان القارب مابين الساعة الثانية والنصف – الثالثة بعد الظهر. أي قبل ساعتين على الأقل قبل وقوع المجزرة التي تمت في الخامسة من مساء الجمعة، ١١ أكتوبر.
سفينة ليبرا كانت قريبة، وعلى بعد 96 كم فقط كانت سفينة “الإسبيرو”. هاتين السفينتين الحربيتين كانتا في المنطقة لحماية قوارب الصيد الإيطالية من هجمات القوارب الليبية. بصيغة أخرى، كان على القوارب المالطية قطع ضعف المسافة لإنقاذ اللاجئين من الغرق مقارنة مع المسافة التي تفصل القارب عن السفينتين الحربيتين الايطاليتين. ومقارنة مع القوارب المتواجدة في لامبيدوسا والتي كان أغلبها موجوداً على المرفأ في ظهيرة ذلك اليوم. ومع ذلك قام مركز العمليات في روما تحويل نداء الإغاثة إلى مالطا عند الساعة الواحدة ظهراً.
عندما قام خفر السواحل بإخبار السيد جمو قرارهم، ترجاهم قائلاً: ” أرجوكم نحن نموت”. فأجابه العسكري قائلاً: “الرجاء الإتصال بالسلطات المالطية . سوف أعطيك رقمهم. إنه: 00356……”
يقول الدكتور جمو: “لو أنك تستطيع سماع تسجيل للمكالمة، ستجد بأن العسكري لم يعطيني أصلا وقت كافي للكلام. لقد أنهى مكالمته قبل أن أنهي كتابة الرقم”.
الإيطاليون تعمدوا عدم مساعدة السوريين، فبعد الساعة الواحدة و٣٤ دقيقة، قام مركز العمليات في روما ببث نداء عاجل للبحارة في كل أنحاء العالم. “النداء 2545″ يطلب من جميع السفن العابرة مساعدة قارب الصيد ان كان ذلك ممكناً. طلب الإيطاليون المساعدة من السفن العابرة وليس من سفينة “ليبرا”!
عند الساعة الرابعة و22 دقيقة، قامت السلطات المالطية بإبلاغ روما بأن إحدى طائراتها قامت بتحديد موقع قارب الصيد المستغيث. وعند الساعة الخامسة و7 دقائق، تلقت روما اتصال من فاليتا عاصمة مالطا يفيد بأن قارب الصيد قد انقلب وطلبت المساعدة من إيطاليا.
لقد وصلت أول قوارب المساعدة الإيطالية في الساعة الخامسة و٥١ دقيقة، أي بعد ست ساعات من طلب الإغاثة، وبعد خمسة وأربعين دقيقة من غرق القارب.
التقرير مترجما إلى العربية من موقع المجلة الإيطالية