استدعت حملة التحالف الدولي على قردة داعش المتوحشة في سوريا والعراق، الاستعانة بمكونات وعناصر كانت بعيدا عن خارطة التأثير بالمشهد الجيوسياسي بالمنطقة قبلا، فلجأت الولايات المتحدة مؤخرا إلى الاستعانة بالأكراد على الحدود التركية تحت مسمى ” قوات سوريا الديمقراطية”؛ لبدء عملية موسعة ضد التنظيم قرب الحدود التركية، بدعوى تحرير منطقة منبج من أيدي تنظيم داعش، وهي منطقة تبعد عن الحدود التركية بحوالي أربعين كيلومترا، وربما من الجانب النظري مشاركة قوات كردية فيها لا تزعج تركيا، لكن الإصرار الأمريكي على الاستعانة فقط بقوات سوريا الديمقراطية التي يسطر عليها الأكراد في تحرير هذه المنطقة ذات الغالبية العربية يثير شك الجميع، خصوصا وأن الطابع الطائفي الذي اتخذته الحرب على داعش في العراق وسوريا يربك الجميع، في ظل دخول الولايات المتحدة وروسيا كطرفين في هذا الصراع، وانحيازهما إلى جانب إيران في السعي إلى الهيمنة على العراق وسوريا وعلى لبنان.
صراع عربي كردي
وبما أن “قوات سوريا الديمقراطية” هي تسمية مموهة لقوات كردية، تعول عليها الولايات المتحدة لتحرير الرقة، فهذا يعني أن الولايات المتحدة تعمل على سلخ الرقة عن الخريطة السورية، لتنضم إلى النظام الفيدرالي الذي يعمل الأكراد على إنشائه شمال سوريا، مما سيؤدي إلى صراع عربي كردي تسعى الولايات المتحدة إلى تأسيسه.
في الحادي عشر من أكتوبر 2015 تم تشكيل ما عرف بـ “قوات سورية الديمقراطية”، والتي تضم مقاتلين من أبناء المناطق الشمالية والشمالية الشرقية السورية من عرب وكرد وسريان، لكن الهيمنة على القيادة تظل للأكراد، لاسيما “قوات حماية الشعب” الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، القريب من حزب العمال الكردستاني في تركيا، الذي تصنفه واشنطن وأنقره تنظيما إرهابيا٬ وهو التشكيل الذي جاء بالتنسيق مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة تمهيداً للسيطرة على مدينة الرقة السورية ٬ ومناطق أخرى في محافظات حلب والحسكة ودير الزور، بعد الاتهامات التي طالت وحدات حماية الشعب الكردية بالقيام بعمليات تطهير عرقي شمل العديد من القرى العربية في المحافظات المذكورة .
بداية الفدرلة
بمنطق السياسة فإن القوات الكردية لن تقاتل في مناطق لا تشكل بعدا قوميا لها، ولا تمثل نقطة قوة لإقامة الحكم الذاتي في مناطق معينة على غرار كردستان العراق، إذا لماذا تظهر بالرقة الآن؟
معلومة هامة سربتها مؤخرا صحيفة نيويورك تايمز، تفيد بأن مكونات عربية أخرى غير الأكراد كانت تحارب إلى جانب وحدات حماية الشعب في عين العرب ” كوباني “, ولذا فمن الضروري لهذه القوات والكتائب أن تتكاتف لتحرير محافظة الحسكة بما فيها الريف، الأمر الذي يحتاج إلى التحاق جميع مكونات المنطقة بـ “قوات سوريا الديمقراطية” !، وهي التسريبات التي ترافقت مع بدء قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها على العديد من القرى والمزارع قرب بلدة الهول شرقي الحسكة ٬ بعد بدء حملتها العسكرية بمساندة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية٬ ما يؤكد أن ثمة مخططاً أمريكيا للسيطرة على المنطقة الشرقية من سورية أي الأراضي التي تقع تحت سيطرة داعش , وبالتالي يكون مخطط التقسيم قد أصبح واقعاً على الأرض حيث الجيش السوري المنتمي للنظام يحقق تقدماً في الشمال والغرب والجنوب، مدعوما من روسيا وإيران وحزب الله , في حين تعمد الولايات المتحدة إلى السيطرة على المنطقة الشمالية الشرقية والشرقية من البلاد.
نصر سياسي
خبراء الحرب هنا يلمحون في التوجه الأمريكي ثمة أمر آخر يعتبرونه تغييرا جزئيا في إستراتيجيتها وأجندتها العسكرية، لاسيما بعد التدخل الروسي في الحرب بسوريا، وما فرضه من واقع جديد، حيث تحاول واشنطن استباق موسكو بإحراز نصر على “داعش”؛ بغية استثماره سياسيا من جهة٬ والحيلولة دون خروج أراض سورية من تحت سيطرة عصابات داعش لصالح روسيا وإيران وقوات الأسد في المستقبل, وتعمل كذلك على التوسع في ريف الحسكة ومن ثم الاستيلاء على الرقة دون تسليمها للأكراد لتفادي أزمة مع تركيا، ما ينبئ بأنها تؤسس لكيان أثني جديد خليط بين الأكراد والأتراك, أو ربما سلخ الرقة تماما عن محيطها العربي، وهو مخطط مرفوض من روسيا وإيران بالطبع.
تهديد الحدود التركية
الغريب فيما يحدث الآن بالرقة السورية وما حولها، هو أنه في الوقت الذي أعلنت فيه “قوات سوريا الديمقراطية” بدء معركتها لـ”تحرير الرقة” من تنظيم داعش، حاصر التنظيم مدينة مارع، شمال حلب، من جهاتها الثلاث الشرقية والشمالية والجنوبية، بينما حاصرتها “سوريا الديمقراطية” من الغرب، وهو تنسيق غريب، حيث تشكل مارع آخر مركز مهم للمعارضة المسلحة في المنطقة قبل الوصول إلى إعزاز، فالحدود التركية.
الأغرب أن واشنطن التي تدفع بقوات صالح مسلم، رئيس الاتحاد الديمقراطي “الكردي”، وحلفائه إلى تحرير الرقة من داعش، وتؤمن لهما الغطاء الجوي، لم تفعل شيئاً ضد قوات داعش المكشوفة التي تحاصر مارع، بل ساهمت في طوق الحصار على المدينة غربا، وبموازاة ذلك تضغط على تركيا للقبول بدخول “قوات سوريا الديمقراطية” مدينة منبج، غربي نهر الفرات، الأمر الذي ترفضه تركيا رفضاً قاطعاً.
هنا تعمل أمريكا على التساهل في إسقاط مارع بيد داعش، لتقوم بعد ذلك بقصف المدينة من الجو، تمهيداً لدخول القوات الكردية، لتصبح أنقرة أمام أمر واقع، هو سيطرة هذه القوات على كامل الشريط الحدودي الشمالي، بعد القضاء على فصائل المعارضة المسلحة هناك، ما يعني ارتفاع منسوب التوتر الكردي ـ العربي، ليضاف إلى سوابق “تحرير تل أبيض”، وضمها إلى فيدرالية “الأمة الديمقراطية” الأوجالانية، وينطبق الأمر نفسه على ما يحدث الآن في ريف حلب الشمالي، وخاصةً في مارع، كما ينطبق على ما يخطط لـ”تحرير” منبج وجرابلس من داعش.
وربما تعمل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة من خلال تحرير الرقة بواسطة “قوات كردية” التمهيد للاعتراف بحكم ذاتي للأكراد بالتحالف مع العشائر العربية، خصوصا وأن الأطراف الكردية تجاهر باعتبار الرقة جزءا من المنطقة الكردية التي يسعى الأكراد لانتزاع اعتراف دولي بها!