نقول إن المشروع الاستثماري “ناجح” إذا حقق أرباحًا بنسبة معينة من التكلفة وتتغير النسبة من مشروع لآخر، هذا الأمر قد لا يختلف كثيرًا إذا كان هذا المشروع قوميًا أو شخصيًا، المهم هو تحقيق أكبر نسبة من أهداف المشروع، وهذا في البداية يستدعي وضوح أهداف المشروع، وجدولتها والتخطيط لها بشكل مناسب، من حيث وضوح الجوانب الفنية، والوضع في الاعتبار القدرة على حل المشاكل المتوقعة.
من هنا نشأت فكرة دراسة جدوى المشروع الاقتصادية، فهي أسلوب علمي لتقدير احتمالات نجاح فكرة استثمارية قبل التنفيذ الفعلي، وذلك لتحقيق أهداف معينة، فهي أداة عملية تُجنب المشروع المخاطر.
كذلك لا نجاح بدون تخطيط، وإلا سيكون العمل ضربًا من العبث، فالتخطيط يساعد على تحديد الأهداف المراد الوصول إليها، وفيما يخص المشروع القومي فإن مسؤولية التخطيط أكبر، وقد يكون الهدف رفع الروح المعنوية للمواطنين، ولكن إذا كان الأمر يتعلق مثلاً بمشروع لإنشاء حديقة عامة وليس مشروعًا تكلفته 100 مليار جنيه، ففي هذه الحالة لا يمكن أن تكون الروح المعنوية هدفًا أساسيًا تندرج تحت بند الأرباح التي سيحققها المشروع، وهي بالتالي ستنعكس بالإيجاب على المواطنين حال تحقيق الهدف.
لكن هل حقًا يمكن اعتبار الروح المعنوية هدف في حد ذاتها؟ بالطبع يمكن اعتبارها هدف أساسي إذا كُنت تعمل على مشروع للتنمية البشرية، وتطالب المجتمع بالإصرار والمثابرة والثبات من أجل تحقيق أهداف ما، ولكن هل يمكن رفع الروح المعنوية بدون قضاء احتياجات المجتمع الأساسية من طعام وشراب ومسكن؟!
هذا الأمر نسميه في الاقتصاد باسم الأولويات، حيث إن الأولوية دائمًا لسد الاحتياجات الأساسية أو الضرورية ثم الحقوق والعدالة الاجتماعية ثم الرفاهية، وأخيرًا الروح المعنوية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال قلب هذا الهرم، بمعنى إعطاء الأولوية للروح المعنوية ثم ما تحتها، هذا الأمر لا يحدث في أي دولة في العالم سواء متقدمة أو نامية أو حتى متخلفة.
وللأسف هذا الأمر حدث في مصر، وهذا ما ذكره السيسي خلال الحوار التلفزيوني الأخير، والذي قال فيه إن مشروع تفريعة قناة السويس الذي ناهزت تكلفته نحو الـ100 مليار جنيه كان بهدف رفع الروح المعنوية للشعب المصري، ربما قال السيسي هذا التصريح ببساطة وبدون قصد كما يقولون، ولكن في الحقيقة تصريحه ربما يكون أكثر التصريحات المعبرة عن المشروع، فبالرغم من تحذيرات الخبراء وتقارير منظمة التجارة العالمية عن تراجع التجارة العالمية، إلا أن الحكومة لم تلق بالاً لهذه التحذيرات والتقارير ومضت قدمًا في تنفيذ المشروع بدون هدف واضح، لكن السيسي كشف عن الهدف أخيرًا.
بالنظر إلى إيرادات قناة السويس المصرية التي سجلت 1.239 مليار دولار في الربع الأول من 2016 بارتفاع طفيف من 1.236 مليار دولار في الفترة المماثلة من العام الماضي، وذلك بارتفاع نحو 3 مليون دولار بعد سلسلة من التراجعات، حيث أظهرت بيانات من هيئة قناة السويس أن إيرادات القناة لعام 2015 تراجعت إلى 5.175 مليار دولار من 5.465 مليار دولار في 2014، ويمكنكم الاطلاع على تفاصيل أكثر عبر مقالتي “قناة السويس والهروب الكبير” و“لغز قناة السويس”.
إذًا، حتى الآن عائد المشروع بلغ حوالي 3 ملايين دولار، فهل رفع هذا الرقم الروح المعنوية للشعب المصري؟ هذا في حال تركنا جدوى المشروع الاقتصادية وقمنا بالتركيز أكثر على هدف المشروع الذي كشف عنه السيسي وهو “رفع الروح المعنوية”.
بالطبع هذه الأرقام تقتل الروح المعنوية، فهي أضرت بالعملة الصعبة وكانت من أسباب صعود الدولار لنحو 11 جنيهًا للدولار في السوق الموازية، ما تسبب في قفزة قوية في الأسعار على جميع مستويات السلع سواء المحلية أو المستوردة، والأمر أصبح في غاية السوء بحلول شهر رمضان حيث يصل فيه ذروة استهلاك الغذاء في مصر، بما يعادل استهلاك 3 أشهر في الأيام العادية، فقد وصل سعر الدجاج إلى 70 جنيهًا للكيلو جرام، واقتربت أسعار اللحوم من 100 جنيه للكيلو جرام، مع هذا الوضع لم يتبق شيء يُرفع في المعنوية.
بعد سرد الأمر بهذا الشكل، لا أظن أن الحكومة كانت تريد حقًا رفع معنوية المصريين، حيث أن هناك عشرات البدائل عن المشروع كان من الممكن أن ترفع الروح المعنوية بسرعة وبفاعلية، بعضها لا يحتاج إنفاق جنيه واحد كمحاربة الفساد مثلاً، أو الرقابة على التجار المحتكرين، وتوفير سلع أرخص.
كان من باب أولى تذليل العقبات أمام آلاف المصانع المتوقفة عن العمل وإنقاذ مئات العمال العاطلين عن العمل، وتحسين العشوائيات، والحد من حوادث الطرق التي تخطف أرواح المصريين، والحد من الفقر والبطالة، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، وإنقاذ السياحة، ومحاولة علاج الميزان التجاري… إلخ، هذه عناوين عريضة للحلول التي قد ترفع الروح المعنوية للشعب المصري.
الخلاصة، فشل مشروع تفريعة قناة السويس في الهدف الذي كشف عنه السيسي، لكن هل نجح في الأهداف الاقتصادية؟ حتى الآن لم ينجح المشروع اقتصاديًا رغم أنه إنجاز قومي، لكن للأسف هذا الإنجاز في غير وقته فمصر ليست بحاجة إليه الآن، ربما بعد 3 أعوام مثلاً، لكن الآن مصر تخسر من هذا المشروع، وأتمنى أن يحقق أرباحًا في المستقبل.