في بلد اكتست أرضه بظلام الاختفاء القسري الممنهج حتى صرنا نتحدث عن متوسط 3 حالات اختفاء قسري يوميًا كما ورد في تقرير المفوضية المصرية للحقوق والحريات في سنة 2015، وصار المختفون قسريًا لا يعرف حالهم: هل تم قتلهم تحت التعذيب أم أنهم مازالوا أحياءً، وصرنا نحمد الله على ظهور أحدهم إما قتيلاً فيعرف أهله مصيره أو سجينًا ومعتقلاً بعد انتهاء تعذيبه، أمام هذا الظلام صار الكثير من الشباب المطارد في مصر يقبع أمام خيارين إما المقاومة ورفض الاعتقال أو التصفية.
نعم لم يعد خيار أن يتم القبض عليك خيارًا مستساغًا، ولم تعد أنشودة “أخي أنت حر وراء السدود” محببة للقلوب.
وعلى هذا الحال فاجأتنا صحف تابعة للنظام المصري في أول أيام رمضان وقبل الإفطار بنبأ تصفية ثلاثة شباب بمدينة رأس البر الساحلية بمحافظة دمياط، كانت بداية الخبر عن إصابة اللواء مصطفى مقبل حكمدار ونائب مدير أمن دمياط بطلق ناري أعلى الركبة أثناء قيادته حمله أمنية بشارع 89 برأس البر، هو وأمين شرطة ومجندان وفق ما نشره معتز الشربيني على جريدة اليوم السابع.
كان المستغرب لدي في الخبر، خروج حملة أمنية بقيادة رتبة كبيرة بحجم لواء، ولكن لم يكن هذا فقط هو مناط الاستغراب، بل كانت الإصابات تثير استغرابي أكثر حيث تركزت كل إصابات قوات الأمن في منطقة القدم وكأن من يهاجمونهم يتورعون عن قتلهم.
لم تمض ساعة وفي نهار اليوم الأول من رمضان كتبت سهاد الخضري على جريدة وطن نقلاً عن اللواء فيصل دويدار مدير أمن دمياط، خبر تصفية عنصرين من المسلحين في اشتباكات قوات الأمن وعناصر إجرامية بمدينة رأس البر، وأن المسلحين يتبعون “خلية حلوان” التي قامت بتصفية ضابطًا من قبل، فيما تم ضبط آخر، وهو الخبر الذي أكده هشام الولي على جريدة الوفد في نفس التوقيت حيث نشرت الصحيفتان الخبر بفارق دقيقتين فقط.
يجب أن نتذكر الآن الأخبار التي نشرت بتاريخ 6 يونيو الساعة 6 ونصف مساءً والتي ذكرت أنه قد تم تصفية “وليس قتل” اثنين من المسلحين والقبض على آخر.
الآن سيحدث تغيير، فبعد نشر هذا الخبر بحوالي الساعة سترجع محررة جريدة الوطن سهاد الخضري لتنشر أن الذي قتل هو مسلح واحد فقط في هذا الخبر، ليؤكد الخبر مراسل اليوم السابع معتز الشربيني ويذكر أن من قتل مسلح واحد فقط وأنه قد تم إلقاء القبض على الآخرين في هذا الخبر.
إذن، نحن الآن أمام تضارب في الروايات أسوأها مقتل اثنين مسلحين واعتقال آخر، أما أفضلها فهي مقتل مسلح واحد واعتقال آخرين.
في الساعة التاسعة والنصف نشرت محررة جريدة الوطن خبرًا يظهر أن هناك جريمة تصفية قد تمت لأحد المعتقلين في هذا الرابط، وفي نفس الخبر قالت في بدايته:
شهدت مدينة رأس البر في محافظة دمياط، اليوم الإثنين، اشتباكات دامية بين قوات الأمن وبين مسلحين اثنين، أسفرت عن سقوط أربعة مصابين من قوات الأمن، ومصرع مسلحين وضبط آخر في أثناء اختباء المسلحين بإحدى الشقق التي اتخذوها وكرًا لهم.
لتعود بعدها بسطور قليلة وفي نفس الخبر لتعلن عن أسماء ثلاثة قتلى وليس اثنان، حيث نقلت عن مديرية أمن دمياط التالي:
أفادت مديرية أمن دمياط، في بيان، بمقتل: وليد حسين محمد حسين (27 سنة) وهو مندوب مبيعات أدوية، ومحمود طلعت طلعت أحمد (28 سنة – كهربائي سيارات)، ومحمد عبدالهادي محمد محمود (40 سنة) ويقيمون في حلوان بالقاهرة.
لتنشر بعدها الساعة 10 و13 دقيقة محررة جريدة الوطن على هذا الرابط، صور جثامين ثلاثة شباب قتلى داخل شقة سكنية تم وضع بجوار أحدهم رشاشًا آليًا ومسدسًا في يد كل من الاثنين الآخرين. (يمكنك رؤية الصور هنا: 1، 2، 3)
الملاحظ في الصور أن اثنين منهما لا يوجد في جسدهما أي أثر للإصابة بطلق ناري، ماعدا بركة من الدماء كبيرة خلف رأسهما، وهو ما يشير على وجود جريمة إعدام ميداني قد تمت لهؤلاء الشباب بعد اعتقالهم، خصوصًا وأنه قد تم الاعتراف سابقًا بأن هناك شخص واحد على الأقل منهم قد تم اعتقاله حيًا.
إذن نحن أمام جريمة أدناها تصفية شخص بعد إلقاء القبض عليه، وأعلاها تصفية اثنين بعد اعتقالهم.
ولكن الجريمة لم تنته بعد، فوفق خطأ أو صدفة قام معتز الشربيني مراسل جريدة اليوم السابع بنشر صورًا لأربع جثث وليس ثلاثة في تغطية للخبر الساعة 11:48 مساء على هذا الرابط، لتظهر هذه الجثة الرابعة ولكنها خارج الشقة التي تم فيها تصفية الثلاثة شباب الآخرين.
كان الملاحظ في الصور هو وضع اليد اليسرى للغريب داخل ملابس المتوفى، مما دفعني للبحث أكثر عن الصورة، لأجد الصورة بزواية أخرى على موقع صحفي اسمه “مبتدا” على هذا الرابط، لتكن المفاجأة وهي أن الشخص الرابع الذي ظهر في الصورة هو شخص معاق في يده اليسرى نتيجة بتر أو ما شابه لأصابع يده، كما يظهر في هذه الصورة
هكذا صرنا أمام أربعة شباب قتلي وليس ثلاثة فقط كما أعلن، ولكن وفق معتز الشربيني مراسل اليوم السابع فلقد رجع وأكد يوم 7 يونيو على هذا الرابط، أنه وفقًا لتحريات رجال مباحث دمياط فإن الخلية الإرهابية التي تم مداهمتها أمس في رأس البر بدمياط، كانت مكونة من 3 عناصر فقط هاربين من الجيزة للاختباء في رأس البر.
أخيرًا يأبي يوم السابع من يونيو أن يمر هكذا، فوفق ما نشرته جريدة الوطن على هذا الرابط، فلقد تمكنت أجهزة الأمن بوزارة الداخلية، من ضبط عناصر خلية حلوان، المتورطة في ارتكاب 19 واقعة، بينها اغتيال ضباط وأفراد شرطة قسم حلوان، والمتهمين باغتيال رئيس مباحث مرور المنيب، وعددًا من أفراد وضباط الشرطة في قطاع جنوب الجيزة، الخبر الذي احتوى على أسماء مرمزة دفعنا لمزيد من البحث لمعرفة أسماء المتهمين، حتى استطعنا الوصول للخبر بشكل تفصيلي على موقع البوابة نيوز على هذا الرابط، والذي حدد المتهمين تحت مسمى خلية حلوان كالتالي:
– عبد الله محمد شكري إبراهيم عبدالمعبود “الكنية: أبوخديجة” (مواليد 24/1/1987).
– وليد حسين محمد حسين (مواليد 12/12/1985).
– مصطفى طلعت طلعت أحمد “الكنية: عبدالله” (مواليد 21/1/1990).
– محمد عبد الهادي محمد محمود (مواليد 7/9/1988).
– محمد إبراهيم حامد محمد “الكنية: صبري” (مواليد 1/1/1994).
– الحارس عبد الرحمن أبو سريع محمود “الكنية: حازم” ( مواليد 8/9/1994)،.
– إبراهيم إسماعيل إسماعيل مصطفى “الكنية: سالم” (مواليد 4/7/1987).
وأوضح الخبر أنه قد تم اعتقال المتهم الأول “عبد الله محمد شكري إبراهيم عبدالمعبود” واثنين آخرين وهما:
– أحمد سلامة على عشماوي “الكنية: أبو حمزة” (مواليد 7/2/1992) .
– محمود محمد عبد التواب مرسي (مواليد 27/6/1985).
ليتم بعدها تحديد تواجد كل من “وليد حسين محمد حسين، مصطفى طلعت طلعت أحمد، محمد عبد الهادي محمد محمود” بمدينة رأس البر ليتم تصفيتهم، بينما استطاع “محمد إبراهيم حامد محمد” الهرب.
أيضًا ذكر الخبر مقتل “محمد سلامة محمود” (مواليد 12/ 1/ 1983) أثناء محاولته الهروب من قوات الأمن بمنطقة المدافن الكائنة في مدينة 15 مايو.
الآن، وبعد هذا التضارب استطعنا معرفة أسماء الأربعة القتلى الذين رصدنا صورهم، ويبقى السؤال كيف تم إنزال صورة القتيل الرابع قبل الإعلان عن مقتله؟ إلا لو أنه كان قد تم اعتقاله وتصفيته؟ وكيف حصل مراسلو تلك الصحف على بعض تلك البيانات وخصوصًا هذه الصورة؟
وهل صار صحفيو مصر يحضرون عمليات تصفية المتهمين؟ وأخيرًا ما مصير الأسماء التي تم الإعلان عن اعتقالها وأين هم ولماذا لم يعرضوا على النيابة ويودعوا بسجن يسمح فيه للمحامين وأسرهم بالتواصل معهم؟ وما مصير من لم يتم الإعلان عن القبض عليهم؟ وأي المصائر تنتظرهم؟