من جديد عادت الخلافات الداخلية الكبيرة التي تعاني منها حركة “فتح” منذ سنوات، لتتصدر المشهد الفلسطيني، وتسيطر على الساحة الداخلية في ظل استمرار عرض مسلسل تبادل الاتهامات والتصعيد من قبل قيادات الحركة، باتخاذ خطوات احتجاجية خلال الأيام القليلة المقبلة.
الخلافات تصاعدت هذه المرة بشكل كبير، بعد إعلان ما أسموها “ثورة” داخل الحركة للمطالبة بعقد جلسة استثنائية وطارئة للمجلس الثوري، لعدم الرضا عن وضع الحركة وضرورة التغيير، ولا سيما في ظل تعطل انعقاد مؤتمر فتح السابع.
ونشرت مواقع تابعة لحركة فتح، المذكرة التي وقع عليها 47 عضوًا من أصل 81 في المجلس، وسلموها لأمين سر المجلس الثوري أمين مقبول، حيث دعا الموقعون إلى عقد جلسة استثنائية للمجلس الثوري التي كان من المفترض أن تعقد بعد انتهاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر من أعمالها، للبت في موعد عقد المؤتمر السابع للحركة.
انقلاب ضد الرئيس عباس
المذكرة على رأس مطالبها كان عقد جلسة استثنائية وطارئة للمجلس الثوري للحركة، والتي كان من المفترض أن يتم عقد جلساته شهريًا لمتابعة الملفات الداخلية للحركة، وجاء إعداد المذكرة احتجاجًا على الوضع الذي وصلت إليه الحركة، وللمطالبة بضرورة التغيير داخلها.
من أبرز الأسماء الموقعة على المذكرة: إبراهيم خريشة، أحمد نصر، فيصل أبو شهلا، عبد الفتاح حمايل، بلال النتشة، وحاتم عبد القادر، نايف سويطات، كذلك تضمنت المذكرة مطالبة بعقد جلسة استثنائية للمجلس الثوري التي كان من المفترض أن تعقد بعد انتهاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر من أعمالها للبت في موعد عقد المؤتمر السابع للحركة.
وجاء في المذكرة “أن المؤتمر العام قد استحق موعد انعقاده منذ عام ونصف العام حسب النظام الداخلي للحركة، داعية للحرص على انتظام موعد انعقاده ونجاحه باعتباره الوسيلة الديمقراطية للتغيير الإيجابي على جميع المستويات الفكرية والسياسية والتنظيمية النضالية”.
الموقعون على المذكرة رفضوا سياسة المماطلة والتسويف التي تنتهجها اللجنة المركزية ضد مؤسسات الحركة وعلى رأسها المجلس الثوري، وتتويج هذه المماطلة بعدم الاستجابة لأكثر من ثلث المجلس الثوري في مطالبتهم بعقد دورة استثنائية للمجلس.
كما وصفوا هذا التأخير بأنه خرق صارخ للنظام الداخلي في مادته رقم “30” الذي يعد دستور الحركة الذي هو مرجع لها، كما طالبوا أيضًا بوضع خطة استراتيجية لتطويرها وتبنيها بخطاب فتحاوي ووطني وواضح، وبدء حملة تعبوية وطنية لها.
وطالب الموقعون اللجنة المركزية بالالتزام بالنظام الداخلي وتنفيذ قرارات المجلس الثوري، محذرين من خطوات لاحقة سيعلن عنها للقاعدة الفتحاوية الناقمة من الأداء الضعيف لقيادة الحركة، محذرين أنه قد “بلغ السيل الزبى”.
وشددوا أيضًا على ضرورة العمل قبل انعقاد المؤتمر السابع، على استنهاض الحركة بتفعيل مؤسساتها وأطرها بكل المستويات والمباشرة بالعمل على تعزيز وحدة الحركة ولحمتها وإنجاز المصالحات الداخلية في الحركة بكل مستوياتها وأطرها وأقاليمها.
خلافات فتح الداخلية
بالرغم من تنصل أعضاء في اللجنة المركزية والمجلس الثوري لفتح من هكذا مذكرة ونفيها، إلا أن قياديًا بارزًا في حركة فتح أكد صحتها، ولكنه أرجع صدورها إلى وقت سابق، وأوضح القيادي الفتحاوي يحيى رباح أن المذكرة الفتحاوية صدرت في شهر أبريل الماضي وتم تقديمها لرئيس السلطة آنذاك، غير أن الأخير لم يرد عليها بالمطلق وبقيت حبيسة الأدراج إلى ذلك الحين، مستهجنًا نشرها في هذا الوقت بالذات رغم مرور شهرين على صدورها.
وقلل رباح في هذا السياق، من أهمية رفع أعضاء الثوري لهذه المذكرة التي تطالب عباس بالتسريع في عقد المؤتمر السابع، زاعمًا أن رئيسه “ناضل من أجل التعجيل في عقد المؤتمر ولكن معوقات كثيرة أدت إلى تأجيله”.
رباح أوضح، أن من جملة المعوقات التي حالت دون عقد المؤتمر حتى الآن “ظروف إقليمية ودولية”، نافيًا أن يكون التأجيل متعلق بالصراعات والخلافات الداخلية لحركة فتح، وقال “ليس هناك أي معوقات داخلية لعقد المؤتمر، على اعتبار أن النظام الداخلي للحركة يرتب ويحدد كل شيء”.
علاوة على ذلك، رفض رباح إرجاع أسباب تأجيل مؤتمر فتح السابع، إلى الخشية من فوز الموالين للمفصول من الحركة محمد دحلان في انتخابات بعض الأقاليم والمناطق الفتحاوية، متسائلاً ” كيف لدحلان أن يفوز في المؤتمر وهو مفصول من الحركة أصلاً؟”، مستدركًا “أما إذا كان المقصود هنا مؤيديه فمخطئ من يظن أن النتائج ستكون في صالحهم”.
رباح كذلك استخف بمن يدعي أن “تيار دحلان” هو من يقود الإصلاح داخل الحركة، واصفًا ذلك “بالنكتة” المضحكة التي لا تستوقف أحدًا على الإطلاق، وزعم متهكمًا “حركة عددها بالملايين وعمرها عشرات السنين، لا يمكن أن يقودها بعض الأشخاص الذين ليس لهم تجارب على الإطلاق في الثورة”.
وأضاف “إذا كان هناك مفصولين أو من يريدون الخروج من فتح، فلهم الحق في أن يشكلوا حزبًا ينافس في إطار التعدد على الساحة الفلسطينية، ولكن عليهم أن لا يخلقوا نزاعًا داخل الحركة”.
تمرد خطير
المحلل السياسي معاوية المصري، رأى بأن صدور مذكرة أعضاء ثوري فتح في هذا التوقيت تُعد “نوعًا من التمرد الفتحاوي على تعطل الحياة الديمقراطية داخل الحركة لسنوات”، مشيرًا إلى أنه لا يوجد ترتيبات تدلل على انعقاد المؤتمر السابع لفتح هذا العام.
وتوقع المصري عدم قدرة ثوري فتح على الضغط على عباس للتسريع في عقد المؤتمر السابع، لافتًا إلى أن “جماعة دحلان” ليست الوحيدة التي تشق فتح داخليًا، إنما هناك فرق متنازعة في فتح غالبًا ما تطفو خلافاتها على السطح عند إجراء أي انتخابات داخلية.
إضافة إلى ذلك، أوضح المحلل السياسي، أن الوضع الداخلي لفتح لا يؤهلها للقيام بعقد مؤتمر جاد يؤدي إلى النتائج المرجوة منه وهو إنهاء الحالة المتأزمة داخل الحركة، موضحًا أنه حال انعقاد المؤتمر فإن من الصعوبة بمكان إنهاء الأزمة الداخلية في فتح.
وذكر المصري أن “عباس يسعى لإحكام سيطرته على المؤتمر السابع ليتحول إلى مؤتمر ديكوري يكرس سيطرته على فتح”، متوقعًا أن يتم استبعاد كل المؤيدين لدحلان من المشاركة في المؤتمر واقتصاره على أشخاص منتقين بعناية، إضافة إلى تغيير طريقة الانتخاب، بحيث لا ينتخب أعضاء المؤتمر أعضاء المركزية بشكل مباشر كما المرة السابقة.
أحد أعضاء المجلس الفتحاوي قال في السابق، إن الأعضاء الموقعين بدأوا حراكًا منذ أشهر تحت عنوان “ثورة داخل الثورة”، ضمن ما ينص عليه النظام الداخلي للحركة لتغيير الواقع السيء الذي وصلت إليه الحركة من تغييب كامل لكوادرها ومؤسساتها، معتبرًا أن أخطر ما في الأمر هو عدم عقد الجلسة الطارئة، حتى بعدما تسلمت أمانة السر طلبًا موقعًا من أكثر من الثلث المحدد في دستور الحركة البالغ عدد أعضاء مجلسها الثوري 81 عضوًا.
وتعصف الخلافات داخل الأطر القيادية بحركة فتح بشكل كبير في الفترة الأخيرة، في ظل تقدم 47 عضوًا بالمجلس الثوري في وثيقة للدعوة بانعقاد مؤتمر للحركة والالتزام بموعد انعقاده، في وقت تقدمت فيها مصر بمبادرة للمصالحة بين دحلان وعباس.