ترجمة وتحرير نون بوست
لن تتناول سارة هذا العام على الإفطار طعام رمضان التقليدي، “في أفغانستان، كنا نأكل شيئًا يُسمى البولاني [خبز مبسّط محشي] مع الطماطم والبطاطا وعصائر الفاكهة، إنها وجبة لذيذة للغاية”، قالت سارة بتحرّق وشوق بادٍ على محياها، وأضافت إثر ذلك مبدية تبرّمها من كآبة الاحتمالات: “لكن هنا علينا أن نأكل الطعام الذي يقدموه لنا”.
تعيش سارة، الشابة البالغة من العمر 17 عامًا من كابول، اليوم مع والديها وأشقائها الخمسة في مخيم إليوناس قرب أثينا، حيث أرسلت لنا رسالة على عجل قبل موعد الإفطار تقول فيها: “ربما سيتم تقديم طعام مختلف عند الإفطار، يجب أن يكون مختلفًا، أليس كذلك؟”كتبت سارة متأملة.
بالنسبة للـ50,000 لاجئًا العالقين حاليًا في اليونان، والذين يدين أغلبهم بالإسلام، فإن شهر رمضان سيكون مختلفًا بالتأكيد هذا العام؛ ففي هذا الشهر يمتنع المسلمون عن الطعام والشراب والتدخين أثناء ساعات النهار، ويتناولون بدلًا من ذلك وجبة قبل شروق الشمس، السحور، ووجبة الإفطار عند الغروب.
لكن صيام هذا العام سيكون أكثر صعوبة على المسلمين في أوروبا؛ فساعات النهار في حوض المتوسط طويلة، حيث تشرق الشمس في اليونان في الساعة الرابعة صباحًا ولا تغرب حتى حوالي الساعة التاسعة مساءًا، مما يترك الصائمين بمعدل صيام وسطي يبلغ حوالي الـ17 ساعة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الخيام التي يقطن بها اللاجئون، سواء القماشية منها أو المصنوعة من النايلون، تخلق شعورًا بالجو الخانق، حيث لا يتمتع بميزة أجهزة تكييف الهواء سوى أقلية محظوظة بما فيه الكفاية يعيشون في عدد قليل من البيوت مسبقة الصنع.
عندما يحين موعد الإفطار، يقدم المخيم طعامًا عادة ما يكون سيء التسخين، ومؤلفًا من معكرونة السباغيتي أو وجبات تحتوي على القليل من البروتين والقليل من الخضروات، لا تكفي لتسد الرمق أو تفتح الشهية، كما لا تتجاوز حصة بعض اللاجئين من مياه الشرب المعبأة بالقوارير سوى حوالي 1.5 لتر في اليوم الواحد.
هربت عائلة سارة من أفغانستان جرّاء التهديد بالحياة الذي تعرّض له والدها، حيث تعيش العائلة اليوم في اليونان منذ حوالي الثلاثة أشهر، ويشعرون بالإحباط المطّرد إزاء عدم وجود معلومات أو أمل يلوح في الأفق؛ “لربما سيحل علينا رمضان ليجعل الأمور أفضل، ففي هذا الشهر نكون جميعًا أقرب إلى الله”، قالت لنا سارة في ميدان فيكتوريا بأثينا.
ولكن في وقت لاحق، أرسلت لنا صورًا للطعام الذي تلقته أسرتها على وجبة الإفطار، حيث كان مؤلفًا من وجبة الأرز الجاهزة المعتادة، كرتونة عصير، وبعض البرتقال، وبقيت الآمال بالاحتفال الكبير والسعيد بحلول رمضان مجرد ذكريات عابرة بعيدة المنال.
بالمثل، أُخفتت بهجة احتفالات رمضان في ميناء بيريوس في أثينا، ذاك المخيم غير الرسمي الذي يقطنه حوالي 1500 لاجئًا من أفغانستان وسوريا، وذلك في خضم محاولة السلطات إجبار اللاجئين بالانتقال إلى مخيمات رسمية في أماكن أخرى في اليونان، حيث سيشهد اللاجئون المسلمون رمضانهم هذا العام فوق المرفأ الباهت والقاسي، الذي يضج بقعقعة العبّارات والسفن التي تحمل السياح واليونانيين المبتهجين إلى الجزر السياحية الأكثر سعادة.
وعلى الرغم من محاولة المتطوعين ترتيب توزيع وجبات الطعام في وقت أكثر تأخيرًا من المعتاد حتى يستطيع الصائمون تناول إفطارهم بحلول الساعة 08:45 مساءًا، إلا أن التوتر والضيق يبدو جليًا على أولئك الذين لم يتناولوا أي طعام أو شراب على مدى كامل اليوم، وينتظرون الآن ضمن الطوابير للحصول على حصصهم في الطعام، فضلًا عن شكوى اللاجئين المتزايدة حول نقص كميات مياه الشرب المتوافرة.
ولكن مثل أي ليلة أخرى، تتكون وجبات المقدمة في هذا المخيم من الأرز الأبيض الفاتر مع قطعة صغيرة من الدجاج الغضروفي، الجبن، والكرواسان ذو الحجم الكبير.
لا تمر ولا حليب
يتم تسليم وجبة السحور في حوالي الساعة الثانية صباحًا، كما يقول اللاجئون، مما يفسح متسعًا من الوقت للجميع لتناول طعامهم قبل أن إشراق الشمس.
“لا يوجد طعام خاص خلال شهر رمضان”، قال أحد اللاجئين الأكراد من سوريا، والذي امتنع عن تزويدينا باسمه، بإحباط وحزن، وتابع: “لا يوجد تمر أو حليب، الجبن والخبز فقط، والكثير الكثير من البطاطا والبطاطا”.
وردًا على سؤال على الطعام الذي يريد أن يتناوله بدلًا مما يُقدم له، أجابنا: “عندما أفكر فيما تناولته في شهر رمضان من العام الماضي، فكل ما أريده الآن هو وجبة من الملوخية والأرز”.
بالتوازي مع ذلك، يشير سكان المخيم بأن هنالك نحو 150 شخصًا ضمن المخيم لا يصومون، معظمهم من المرضى أو من كبار السن.
سمير من جنوب سوريا لا يصوم لأنه لا يستطيع إيقاف التدخين.
سمير، من منطقة درعا في جنوب سوريا، هو من بين أولئك الأشخاص الذين لا يصومون في رمضان، ولكن السبب لا يعود لمرض ألمّ به، “هناك الكثير من المواد الغذائية، ولكنها ليست ملائمة، فأنا أحتاج للسجائر والتدخين”، يقول سمير مبتسمًا، ويتابع: “أفضّل أن أتناول الكنافة النابلسية والبوظة العربية بالفستق الحلبي من محل بكداش في سوق الحميدية بدمشق القديمة”.
يمضي سمير أيامه في اليونان قلقًا على أسرته، الذين يعيشون جميعًا في لبنان، ويقول: “أنا قلق عليهم، أنا هنا منذ ثلاثة أشهر، وكل ما نريده الحرية فقط”.
في وقت لاحق، يتم توزيع الشاي والسكر من عربة متنقلة يقودها حفنة من المتطوعين، “إننا نحاول استجلاب التمور والحلويات لتقديمها خلال شهر رمضان”، قال أحد المتطوعين لصحيفة الميدل إيست آي، وتابع: “نحاول جهدنا أن نرتب لتقديم وجبة الإفطار في وقت مبكر، وأن نقدم السحور قبل شروق الشمس، ولكن لدينا مشكلة، فمهما حاولنا يجب على بعض الأشخاص الانتظار لفترة طويلة في بعض الأحيان لاستلام طعامهم، وحتى لو بدأنا التوزيع في الساعة الثامنة والنصف، فإن بعض الأشخاص لن يحصلوا على طعامهم حتى التاسعة والنصف مساءًا”.
رمضان شرقي في البلاد الغربية
في المخيمات الأخرى يأخذ المقيمون على عاتقهم أمور الطبخ والطعام، فعلى الرغم من شح المياه وانعدام الكهرباء، يحاول اللاجئون في بعض مخيمات اليونان إعداد وجبات الطعام الخاصة بهم لشهر رمضان.
هالة، 28 عامًا، من اللاذقية في سوريا، تعيش في مخيم ريتسونا الذي يبعد حوالي الساعة شمال أثينا، مع زوجها وابنها، وتصّر على أنها ستطبخ لأسرتها في رمضان هذا العام مستخدمة المكونات المتاحة أمامها؛ حيث تقوم هي وسبع أسر أخرى تعيش في خيام المجاورة بالاجتماع معًا فوق طباخ غاز صغير، يستخدمونه بأقصى طاقته لإعداد طعام الإفطار.
“لدينا ورق عنب، وسوف أقوم بإعداده مع الدجاج” قالت هالة، وتابعت: “ربما سأقوم بإعداد طبق من المقلوبة، فنحن نرغب بتناول طعام جيد”، وحينها عرضت علينا صورة لأكلة المقلوبة، التي طهتها في الأسبوع الماضي، مؤلفة من فخذي دجاج ذهبيين، أرز، باذنجان مشوي، ومزينة باللوز المحمّص.
بالمثل، تقول عائدة، 26 عامًا من مدينة حلب في سوريا والتي تعيش أيضًا في مخيم ريتسونا، بأنها سوف تطبخ طعام الإفطار بدلًا من التعويل على الطعام التقليدي المقدّم من المخيم والذي وصفته بأنه “لا يُؤكل”، حيث تصف باستمتاع كيف ستقوم بإعداد البطاطا، المكدوس، والمحشي، لزوجها وأطفالها الأربعة.
“لدينا طباخ صغير ولوازم محدودة، لذا سأقوم بطهي الطعام بنفسي في شهر رمضان، سنأكل طعامًا جيدًا بدلًا من الطعام السيء الذي يُقدم لنا”.
في الواقع، وعلى الرغم من شح المكونات والموارد المتاحة للطهي، فإن رمضان هذا العام بالنسبة لأسرة عائدة قد يكون أكثر احتمالًا وقبولًا من رمضان الذي احتفلوا به العام الماضي في حلب؛ العاصمة الصناعية السابقة لسوريا التي دُمرّت بأغلبها في الوقت الذي غادرتها فيه عائدة قبل ستة أشهر، “في العام الماضي كان رمضان في حلب عويصًا وصعبًا للغاية، لم يكن لدينا مال ولا عمل، ولم نكن نستطيع أن نؤمن الطعام نظرًا للارتفاع الباهظ في أسعار الطعام”، قالت عائدة.
على صعيد آخر، حذّرت منظمات عمال الإغاثة من أن اللاجئين، الذين اعتادوا الاحتفال بشهر رمضان بتحضير وجبات كبيرة يعدونها بمحبة لتناولها مع الأصدقاء والعائلة، قد يشعرون بالخجل أو الحرج جرّاء صعوبة توفير تلك المتطلبات لأحبائهم هذا العام؛ حيث أطلقت منظمة إنقاذ الطفولة مبادئ توجيهية جديدة لموظفيها الذين يعملون خلال شهر رمضان؛ فوفقًا للقواعد المنصوص عليها ضمن معسكر المنظمة في ليسبوس، يُمنع تدخين أو أكل أو شرب الموظفين أمام أي شخص، حيث ينبغي أن يتم تناول الطعام والشراب بتحفظ وسرية خارج مساحة المخيم.
اللاجئون يصلّون جماعة على رصيف المرفأ في بيرايوس.
بالإضافة إلى ذلك، حذرّت المنظمة من ضرورة تكييف ومواءمة الأنشطة الممارسة مع شهر الصيام، بما في ذلك الأنشطة التي يمارسها الأطفال الذين لا يُفرض عليهم الصيام، حيث جاء في المبادئ التوجيهية لمنظمة إنقاذ الطفولة: “لوجود بالغين وأطفال من الصائمين، يبدو من المهم أن يتم التخطيط لأنشطة منخفضة الطاقة ولا تتطلب الكثير من الجهد البدني، كما يرجى أن يُؤخذ بعين الاعتبار أيضًا بأن مستويات الطاقة ستكون في أعلى مستوياتها في الصباح، وعند أدنى مستوياتها في منتصف فترة ما بعد الظهر”.
على صعيد آخر، وفي مخيمات كارامانلي، فراكابورت، وإيليادس قرب سالونيك، يعمل طاقم طبي من الجمعية الطبية الأمريكية السورية، اختصارًا (SAMS)، بالتعاون مع قادة معسكر الجيش الذي يقطن فيه اللاجئون بغية تسليم وجبات الطعام قبل وبعد غروب الشمس.
“كونك جزءًا من شهر رمضان هو أمر جديد بالنسبة لغالبية موظفي الدعم اليونانيين في المخيمات”، قال كاترينا نيكولوبولوس، متحدثة باسم منظمة (SAMS)، وتابعت: “قد نحتاج ليوم أو يومين آخرين كفترة انتقالية حتى نقدّر النسبة المئوية للصائمين ضمن كل مخيم، بحيث يمكننا دعم الجميع بشكل مناسب”.
توظّف منظمة (SAMS) أيضًا المترجمين من المسلمين الذين يتحدثون العربية، وذلك “لكي يستطيع اللاجئون أن يعبرّوا عن قلقهم ومشاكلهم بغية نقلها إلى المديرين العسكريين للمخيم”، كما تقول كاترينا.
في فترة ما بعد الإفطار في مخيم بيرايوس، يهيم الأشخاص على وجههم حول الميناء، حيث تتجمهر مجموعة من الفتيات الأفغانيات معًا مصطحبات حصصهن من الفواكه والثمار إلى نزهة في الهواء الطلق على رصيف المرفأ الباهت، كما يختار مجموعة من الفتيان السباحة في الميناء، وآخرون يمارسون رياضة كرة القدم في جميع أنحاء رصيف الميناء، وفي لحظة معينة، قد تسمع انفجار صوت الموسيقى الأفغانية بشكل مفاجئ من إحدى سيارات المتطوعين، ليبدأ الفتيان بالرقص في الساحة.
في تلك اللحظة، يختفي جميع ذاك الإحباط إزاء عدم وجود الطعام الكافي والملائم، يتلاشى شعور انعدام الأمان من قلوب اللاجئين حول ضبابية مستقبلهم، وتنطوي مخاوفهم المعلقة في الهواء طي النسيان.
لكن الجو الاحتفالي لا يدوم طويلًا بالعادة، حيث تندلع معركة ما بين سوريين، وتتأذى خيام النايلون المنصوبة جرّاء عراكهم، “هذا ما يحدث كل ليلة”، كما يقول لنا سميم 27 عامًا من أفغانستان، متنهدًا.
لا يبدو بأن أحدًا يحصل على النوم في المساء؛ ففي ساعات الصباح المبكرة، يهيم الأطفال الصغار على وجههم، وتجلس الأسر ضمن جماعات هادئة، بعضهم يلعب الورق، والآخر يتجول على رصيف الميناء بسأم وتبرّم، وفي الوقت الذي كان فيه اللاجئون ينتظرون حصص الطعام المتوقعة في الساعة الثانية صباحًا، لم يحصلوا على أي شيء، لندرك فيما بعد بأنه تم الامتناع في ذاك اليوم عن تسليم وجبات الطعام للاجئين.
“الناس لا ينامون هنا” يقول سميم، ويتابع: “الأمر لا يتعلق برمضان، فالناس هنا قلقون أو حزينون، إنهم جياع، ولا يستطيعون النوم”.
المصدر: ميدل إيست آي