ما النرجسية؟ النرجسية ببساطة هي الغرور بالنفس ورؤيتها في إطار مُعَظم يفوق كل شيء عما حولها، وهي اضطراب في الشخصية يجعل من الصعب جدًا أن تحظى بنرجسي داخل دوائر معرفتك، فهم جذابون للغاية ولكن متعاليين في نفس الوقت، كما أنهم مرحون إلا أنهم لا يقدرونك ما دمت تشكل خطرًا تنافسيًا عليهم، النرجسية ليست مرضًا عضويًا، وليست لها أية مسببات عضوية تم اكتشافها حتى الآن، فما الذي يمكن أن يؤدي بالإنسان لكي يعظم نفسه فوق الجميع ويكون نرجسيًا؟
تم ربط النرجسية بالعديد من العوامل البيئية والعديد من خبرات الإنسان الذي يخوضها بنفسه خلال مراحل حياته، كما تم ربط التنشئة أو التربية ربطًا وثيقًا بكون الإنسان يتحول إلى نرجسي في المستقبل أم لا، منها إهمال الأبوين على سبيل المثال، ولكن بسبب عدم وجود جين معين للنرجسية، تم استبعاد احتمالية كونها مرضًا عضويًا، إلا أنه وبعد البحث، أثبتت بعض الدراسات أن هناك صلة وثيقة بين النرجسية وما يمتلكه الإنسان من جمال جسدي وصفات جسدية جذابة، فهناك تأثير ملموس للمظهر الجسدي على الشخصية، فمثلًا يتصرف الشخص صاحب الجسد الضخم بطريقة أعنف من الشخص صاحب الجسد الصغير أو النحيل، ستجد أنه أمر طبيعي يحدث لا إراديًا، وإذا تصرف أي منهم بطريقة معاكسة لحجمه، فستجد الأمر غريبًا كذلك، لذلك ستجد أن معظم النرجسيين هم من أصحاب الصفات الجسدية الجميلة أو الأقرب للكمال والتي تمنحهم شعورًا بالسيطرة أو القوة للاستعلاء على الآخريين.
يستمد النرجسي غروره المتغطرس من ذكائه الاجتماعي الحاد، فستجد أنه يمتلك قدرات اجتماعية عالية، وثقة في النفس تمنحه القدرة على السيطرة على الموقف أو المحادثة التي تخوضها معه، كما أنه إذا وجدك منافسًا له، سيحاول السيطرة عليك بالتقليل من قدراتك وتشكيكك في نفسك وفي معلوماتك.
لكن ماذا عن دور مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيز النرجسية ؟
هل يمكن أن نلقي باللوم على مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيعها على النرجسية بين أفراد المجتمع الحالي؟ هناك دراسات حديثة في علم النفس أثبتت أن مواقع التواصل الاجتماعي تستخدم أسلوب “زراعة النرجسية”، ألم تلاحظ أن أفراد الجيل الجديد، وهو الذي يبدأ من أواخر التسيعنات وحتى الآن، يشعرون بأنهم مميزون بشكل مثير للاندهاش، وأنهم مهمون بدرجة لا تمت بصلة لقيمتهم الفعلية في المجتمع، وذلك لأنهم معرضون لمواقع التواصل الاجتماعي التي تخبرهم أنهم مشهورون بحساب على الفيس بوك يتبعه ألف صديق، أو بتغريدة نالت المئات من الضغطات على زر الإعجاب، أو أنهم محبوبون من قبل الغرباء بمجرد تصفحهم لحسابهم الإلكتروني، أو لأنهم يمتلكون زر التحكم، يمكنهم مسح الناس غير المرغوب فيهم من حياتهم في العالم الافتراضي، يمكنهم إظهار لأصدقائهم ما يحبون هم فقط أن يظهروه، والذي من الممكن أن يكون إيجابيًا جدًا لدرجة التزييف.
هذا ما يحدث عندما تتعرض لمواقع التواصل الاجتماعي فترة طويلة من الزمن، إذا قمت بلعب ألعاب الفيديو لمدة 3 ساعات يوميًا، يمكنك أن تصدق أنك قاتل محترف، أو لاعب تنس محترف، رغم أنك تعرف أن كل ذلك سينتهي بمجرد ضغطك لزر الإنهاء، وأن كل ما مر لم يكن حقيقي، إلا أنه وقتها أشعرك بمدى الخصوصية التي تتميز بها أنت، ومدى الأهمية التي كوّنت هالة حول نفسك، وهو الأسلوب الذي ستتبعه أنت لا إراديًا مع من حولك تدريجيًا.
أشارت بعض الأبحاث القائمة على التجارب على مستخدمي الفيس بوك بأن كل من يقوم بنشر حالة له “status” كل بضعة دقائق عن نفسه، كما يقوم بنشر صور “سيلفي” له طوال الوقت، أو من ينشر منشورات تعبر عنه بشكل أو بآخر طوال الوقت ترتفع احتمالية إصابته بالنرجسية التي زرعتها مواقع التواصل الاجتماعي بشدة، هل يذكرك هذا بشخص معين من بين قائمة أصدقائك على الفيس بوك؟
المزيد من التعرض لمواقع التواصل الاجتماعي، يرفع من نسبة التعرض للعبث، كما يزيد من العزلة الاجتماعية والميل إلى السلوك العنفواني بعض الشيء، فهناك من لا يتمتعون بقدر كافٍ من الثقة بأنفسهم، تسمح لهم مواقع التواصل الاجتماعي بفرض السيطرة الإلكترونية، والتمتع بقدر من النرجسية يسمح لهم بإظهار أصدقائهم بصورة تجعلهم في موضع غير محبوب أو مقبول من الناس، كما سيتخذون مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لتكوين حياتهم التي أرادوها في الواقع، الفيس بوك يمنحنا المساحة المحدودة لاستكشاف حياة الناس، وهذا ما يدفعنا لتقييم حياتنا كذلك، فنحن نقيّم أنفسنا بعقد المقارنة، وبمقارنة حياتك العادية بحياة كل أولئك المشاهير الذين نصبوا أنفسهم مشاهير، ستشعر بوجود فجوة بينك وبينهم، وسيجعلك غير راضٍ عما تفعله في حياتك.
الحل، هو العودة للحقيقة، التقليل من العالم الافتراضي بقدر الإمكان والعودة إلى نشاطات الحياة الواقعية، الخروج مع الأصدقاء بدون هواتف نقالة، الرياضة، اقتناء الحيوانات الأليفة، التقليل من تصديق كل ما تراه على الفيس بوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدامها كوسيلة سريعة ومتقدمة للتواصل وليس وسيلة للتزييف والغيرة والحقد.