منذ يناير 2011 ما انفكت نسبة المديونية في تونس في ارتفاع متواصل، حتى إنها أثقلت كاهل الدولة وعمقت من جراح الاقتصاد الوطني بدل المساهمة في إخراجه من أزمته، وبلغت هذه النسبة مستويات كبيرة قد تتحول على المدى القريب إلى إشكال كبير في ظل توقف عجلة الاقتصاد حسب العديد من الخبراء.
وافق البرلمان الأوروبي أمس على منح تونس قرض بقيمة 570 مليون دولار تصرف على ثلاث دفعات خلال عامين ونصف، لمساعدتها في خفض الدين الخارجي وتعزيز الآليات الديمقراطية بشروط حسب بيان للبرلمان.
ويهدف القرض، بحسب مارييل دي سارنيز مقررة الجلسة التي عقدت أمس بمقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، إلى مساعدة تونس على رفع التحديات الرئيسة ممثلة بالانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، والهجمات “الإرهابية” التي تهدد القطاع السياحي، إضافة إلى توافد أكثر من 1.8 مليون لاجئ من ليبيا، وهو ما يعادل 20% من سكان البلاد.
سارنيز أكّدت أن “تونس بحاجة إلى أن تقف أوروبا إلى جانبها الآن، وأنا أطلب من المفوضية الأوروبية أن تعجل بصرف هذه الأموال المتاحة في أسرع وقت ممكن”.
ويفترض على تونس قبل الحصول على المبلغ، التوقيع على مذكرة تفاهم مع المفوضية الأوروبية لإدخال الإصلاحات الهيكلية والإدارة السليمة للمالية العامة، مع ضمان اعتماد آليات ديمقراطية فعالة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، وذلك تحت إشراف الاتحاد الأوروبي.
البنك الدولي من جهته وافق مايو الماضي على استراتيجية لإقراض تونس خمسة مليارات مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة لدعم الإصلاحات الاقتصادية وإنعاش النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل للشبان والتشغيل وتكافؤ الفرص بين المناطق حسب بيان للبنك.
استراتيجية البنك الدولي تنطلق في البداية بـ 500 مليون دولار لدعم ميزانية الدولة لسنة 2016 ومساندة الإصلاحات، ثم قرض بـ 200 مليون دولار لتدعيم النقل و70 مليون دولار لدعم التعليم وبرامج التشغيل ويتواصل سنة 2017 عبر قرض بـ 500 مليون دولار لدعم الميزانية وقرض بـ250 مليون دولار لإعادة هيكلة البنوك الوطنية وتطوير القطاع المالي وتقوية النظام الإداري الهش في البنوك الوطنية، بالإضافة إلى قرض تمويل مشروع دمج الشباب بقيمة 60 مليون دولار ويشمل الطبقات والجهات المهمشة والمناطق الفقيرة المتاخمة للمدن وقرض بقيمة 100 مليون دولار لتمويل مشاريع الغابات والنظم الإيكولوجية.
أما سنة 2018 فسيقوم البنك بتمويل ميزانية الدولة بـ500 مليون دولار بالإضافة إلى 150 مليون دولار لتحسين توزيع خدمات المياه بالمناطق الداخلية وتأمين الري للقطاع الفلاحي بالجهات الداخلية، هذا بالإضافة إلى مشاريع إعداد التقارير التوجيهية والتحليلية التي ستشمل المصاريف العمومية للدولة والتي تتعلق بمناخ الاستثمار وتطوير الإدارة العمومية وتقارير نسبة الفقر في تونس.
وفي 20 مايو/ أيار الماضي أقر مجلس مديري صندوق النقد الدولي قرضًا لتونس بقيمة 2.88 مليار دولار يقدم على مدار أربع سنوات، للمساعدة في تنفيذ خطة الإصلاح السياسية والاقتصادية في البلاد، وحصلت تونس عام 2013 على قرض قدم على فترات وواجه مشاكل في الإفراج عن دفعاته، بقيمة 1.7 مليار دولار أمريكي.
وأعلن الصندوق في بيان الإفراج الفوري عن القسط الأول من القرض بحجم 319.5 مليون دولار، وسيكون دفع الأقساط الثمانية الأخرى مشروطًا بتنفيذ برنامج “لدعم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية” في البلاد، بحسب الصندوق.
ووقعت تونس، الأسبوع الماضي، مع الولايات المتحدة الأمريكية، على اتفاقية ضمان قرض، من شأنها أن تسمح لتونس بالوصول إلى تمويلات بأسعار معقولة من الأسواق الرأسمالية العالمية، تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار أمريكي، وفق تأكيد المكتب الإعلامي للسفارة الأمريكية بتونس.
ويعتبر هذا الضمان الثالث من نوعه، الذي تمنحه الولايات المتحدة إلى تونس، وحصلت تونس على ضمان القرض الأول لسنة 2012 بقيمة 485 مليون دولار وضمان القرض الثاني لسنة 2014 بقيمة 500 مليون دولار، ورصدت الولايات المتحدة منذ سنة 2011 مساعدات لتونس بقيمة تفوق 750 مليون دولار.
بيانات رسمية لدائرة المحاسبات (حكومية) أظهرت أن حجم الدين الخارجي لتونس ارتفع في سنة 2015 بنحو 52.9% من إجمالي الناتج المحلي بعد أن كان عند مستوى 39% سنة 2010ـ وإلى حدود شهر أبريل الماضي بلغت الموجودات الخارجية حسب ما نشره البنك المركزي 12.048 مليون دينار من بينهم 11.200 مليون دينار موجودات بالعملة الصعبة.
وأشار التقرير الذي أعدته دائرة المحاسبات إلى ارتفاع نسق التداين الخارجي في السنوات التي تلت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
مصير هذه القروض
وزير المالية التونسي سليم شاكر قال إن هذه القروض “موجهة نحو تسهيل انتقال الاقتصاد التونسي إلى منوال تنمية جديد يمكن من توفير فرص شغل لأكثر من 600 ألف عاطل عن العمل”، مؤكدًا نجاح تونس بفضل الخبرات المتوفرة في ضمان نسبة نمو إيجابية في حدود 1.5% خلال السنوات الخمس الماضية.
وفي الأسابيع الأخيرة أقر البرلمان التونسي قانونين جديدين ضمن حزمة إصلاحات تعتزم الحكومة التونسية إطلاقها وهما قانون جديد للبنوك وآخر يدعم استقلالية البنك المركزي، قبل أن يتم الطعن فيهما وإرجاعهما للبرلمان مجددًا لتعديلهما بما يتلاءم مع الدستور وذلك بعد أن تقدم نواب المعارضة بالطلب لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.
وحذّر خبراء الاقتصاد في تونسي من خطورة هذه القروض وشروطها في ظل عدم استفادة الاقتصاد التونسي منها، وأكّد بعضهم أن هذه القروض تنفق في سداد رواتب موظفي القطاع العام فيما كان يفترض أن توجه لمشاريع التنمية.
وأكد آخرون أن مثل هذه القروض الأجنبية ستثقل كاهل الأجيال القادمة ولن يكون لها فائدة على الاقتصاد الوطني في حالة استعمالها لغير وجهتها الحقيقية وهي تحسين البنية التحتية للبلاد والاستثمار في الطرقات والمستشفيات والسدود والمدارس ومراكز التكوين المهني وإنتاج الطاقة المتجددة وكل ما له تأثير على حياة المواطن ونمو المؤسسة الوطنية من مشاريع كبرى استراتيجية تخلق التوازن بين الجهات وتوزع الثروة بصفة عادلة.
وتصنف تونس حاليًا في المرتبة الـ 85 من أصل الـ 100 دولة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط الأكثر اقتراضًا.
واتهم متابعون الدولة التونسية بتلقي إملاءات وشروط مجحفة من قبل الجهات الخارجية للحصول على هذه القروض، الأمر الذي نفاه وزير المالية التونسي سليم شاكر، ومحافظ البنك المركزي الشاذلي العياري، أول أمس الثلاثاء.
شاكر قال خلال جلسة عامة عُقدت الثلاثاء في البرلمان للنظر في مشروع قانون يتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية: “لا أحد يملي على تونس شيئًا، لأن التونسيين يعرفون مشاكل اقتصادهم ومشاكل بلادهم وقادرون على تقديم الحلول”.
بدوره قال محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري “إن الجانب التونسي أصرّ على إعداد وثيقة كاملة في الإصلاحات الاقتصادية داخليًا، وأنّ الإصلاحات الموجودة لدى صندوق النقد أُخذت من الوثيقة التي أعدتها تونس”، وأضاف العياري في السياق نفسه أن “تونس دولة مستقلة ونعمل مع مؤسسة نحن أعضاء فيها ولا نترك موظفين في صندوق النقد حتى يملوا أي شيء على وزير مالية أو محافظ بنك مركزي”.
وشهدت تونس بداية السنة الحالية مراجعتين لتصنيفها الأول لوكالة التصنيف فيتش راتينغ عند “إلى بي سلبي” (AB سلبي) حيث راجعت آفاق الاقتصاد التونسي على المدى البعيد من مستقرة إلى سلبية، وفسّرت الوكالة الآفاق السلبية بالتراجع المسجل في القطاع السياحي في ظل المخاطر الأمنية مما ساهم في تراجع النمو إلى 0.8% في سنة 2015 مقابل 2.3% في سنة 2014، وثبتت وكالة موديز تصنيف تونس عند BA3 مع آفاق مستقبلية مستقرة إلا أنها أشارت مؤخرًا إلى أن تأثير الضربات الإرهابية عطل بصفة واضحة مسار الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية اللازمة لإنعاش مناخ المال والأعمال، مبينة أن الأوضاع تعكس صعوبات جمّة في مجال النهوض بالاستثمار الأجنبي المباشر.
وأعلن صندوق النقد الدولي في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي أن توقعاته للنمو في تونس العام الجاري ستكون في حدود 2% بعد أن كانت مقدرة بـ 3%.