ربما لم تسمع في حياتك من قبل عن لغة الإسبرانتو، ولم يخطر ببالك أن هناك لغة ثانية في العالم يمكنها ببساطة أن تحتل مكانة اللغة الإنجليزية، ربما لم تعرف أيضًا أن الإسبرانتو هي لغة اصطناعية، أي تم تصنيعها بواسطة الفيزيائيين والرياضيين وخبراء اللغة، نعم يا سيدي، فالإسبرانتو ببساطة هي لغة العصر الحديث.
دعنا نمر سريعًا على تاريخ الإسبرانتو، اخترعها العالم الفيزيائي والخبير اللغوي لوديج زامنهوف عام 1870، بدأ الأمر حينما وجد زامنهوف أن هناك تطاحن بين أربع مجموعات تتحدث لغات مختلفة عن بعضها في المنطقة التي كان يعيش فيها، حيث يُحسب من يتحدث بلغة مختلفة عن الآخر عدوًا، لذا قرر زامنهوف اختراع لغة تجمع بين المجموعات المتطاحنة، من أجل تواصل أفضل، ومن أجل تحقيق السلام بينهم.
لوديج زامنهوف
كان هدف الإسبرانتو هو تكوين لغة تجمع بين الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية ولغات الدول السلوفاكية بالإضافة إلى بعض من اليابانية واللغات الشرقية، بطريقة سهلة ومبدعة، كما كان الهدف الأسمى هو تحقيق السلام من وراء الإسبرانتو، أي هي لغة لا تتقيد بمصالح سياسية أو عرقية، وتمت طباعة أول كتاب بلغة الإسبرانتو عام 1887 يشرح ما هي لغة الإسبرانتو وكيف يتم نطقها وكتابتها.
اعتبرت المنطقة الجغرافية ما بين ألمانيا وبلجيكا هي من أكثر المناطق احتواءً على ناطقي إسبرانتو، حتى إنهم طلبوا في ذلك الوقت جعل الإسبرانتو لغة رسمية لهم، إلا أنه جاءت الحرب العالمية الأولى والثانية، ورفضت العديد من الأنظمة لغة الإسبرانتو، وباتت غير قانونية في وجهة نظر الكثيرين، فاعتبرها هتلر على سبيل المثال هي لغة يهودية متآمرة على الألمان وبدأ في إعدام كل من تم رصده متحدثًا بالإسبرانتو والذي كان من ضمنهم عائلة زامنهوف كذلك، ليتم منع الإسبرانتو كليًا في ألمانيا عام 1935.
في البداية راق الأمر لحكومة الاتحاد السوفيتي، حتى إن ستالين نفسه تعلم اللغة، إلا أنه في عام 1937، اعتبر ستالين أن إسبرانتو هي لغة الجواسيس، وقام كذلك بنفي وإعدام كل من تم ضبطه متحدثًا بالإسبرانتو.
ماذا عن الإسبرانتو الآن؟
تشير الخريطة أعلاه إلى الأماكن التي يمكنك أن تجد فيها متحدثًا بالإسبرانتو حول العالم، فهناك ما يقرب من اثني مليون متحدث للإسبرانتو بطلاقة حول العالم، كما أن هناك ألفي شخص يعتبرون الإسبرانتو لغتهم الأم، أي يتحدثونها مع والديهم منذ الصغر، الإسبرانتو الآن هي أشهر وأكثر لغة اصطناعية مستخدمة حول العالم، يمكنك أن تجد أغاني وأفلام كاملة بلغة الإسبرانتو، كما أن هناك موسوعة ويكيبيديا كاملة بها، كما أضافها جوجل في شريط اللغات المستخدمة في الترجمة، وإذا أردت أن تجرب بنفسك، يمكنك تحويل الفيس بوك الخاص بك الآن إلى إسبرانتو.
ما الذي يميز الإسبرانتو؟
رغم أن الإسبرانتو لغة اصطناعية، إلا أنها لغة عبقرية، عندما تسمع الإسبرانتو لأول مرة، سيكون وقعها مألوفًا على الأذن بشكل سيثير اهتمامك، وستتساءل ما إذا كانت اللغة المستخدمة الإسبانية أم الألمانية، وهذا بالضبط هو هدف الإسبرانتو، أن تبدو مألوفة، وليست معقدة، فهي بالفعل مزيج من معظم اللغات الأوروبية وقليل من اللغات الشرقية، كان هدف الإسبرانتو وقت اختراعها هو تحقيق السلام والتواصل الأفضل بين الناس، وهو أيضًا مازال من أهداف الإسبرانتو حتى الآن، ولكن العالم الآن متطورًا بشكل يسمح بتواصل أفضل بكثير بين مختلف الجنسيات، فما الذي يجعلنا نتعلم الإسبرانتو بالتحديد محل اللغة الإنجليزية المستخدمة كلغة عالمية حاليًا؟
“تعلم الإسبرانتو لا قيمة له”، هي جملة ستسمعها من أغلبية من تحدثهم عن إتقانك للغة الإسبرانتو، فبعد أن يسألوك ما هي الإسبرانتو بالتحديد، سيجدون أنه لا فائدة من تعلم الإنسان لغة اصطناعية بينما نمتلك اللغة الإنجليزية، على النقيض تمامًا هناك مميزات عديدة للإسبرانتو، الإسبرانتو لغة سهلة وسريعة التعلم، فهي تعمل بالميكانيكية التي يمتلكها عقلنا عندما نحاول التحدث بلغتين، فهي ستكسبك المهارة في ترويض اللغة، واستعمالها بطريقة إبداعية أكثر من طريقتك في استخدام لغتك الأم أو لغتك الثانية، حيث تحتوي الإسبرانتو على كلمات أقل من أي لغة، ففي الإنجليزية يمكنك تعلم ثلاث كلمات مختلفة لتصف بها شكل المنزل، “House” منزل، “ Mansion” قصر، “Cottage” بيت ريفي، إلا أنه في الإسبرانتو تتعلم كلمة واحدة للمنزل وهي Domo”” وتتعلم كلمة صغير وهي “Eto” وعند مزجهم معًا تحصل على “Dometo” وهو منزل صغير، هكذا هي ميكانيكة الإسبرانتو، كلمات أقل تمنحك فرصة أسهل وأسرع للتعلم، كما تسير بنفس المنهاجية للأرقام، فعندما تتعلم الأرقام من واحد لعشرة ليس عليك تعلم أي شيء جديد لتعرف الأرقام حتى مائة كما في باقي اللغات، ولا عليك بتطبيق قاعدة نحوية أو شيء من هذا القبيل، فقط كل ما عليك هو مزج الأرقام سويًا بحسبب خاناتهم الأحادية والعشرية.
كما هناك شيء مميز في الإسبرانتو، وهي أنها تجعلك منفتحًا على اللغات الأجنبية بشكل أكثر مرونة، وذلك لأنها في الأصل مزيجًا منهم، وما يثبت ذلك تلك التجربة التي قامت بها جامعة “مانشستر” بتقييم الطرق الجديدة في تعليم اللغات الأجنبية لتلاميذ في المدرسة الابتدائية، وقامت بتجربة عرض جملة باللغة الفرنسية على تلميذين قد درسا الفرنسية لمدة عام كامل، وعلى تلميذ يتحدث الإسبرانتو، وطُلب منهم ترجمة الجملة، ووُجد أن التلميذ الناطق بالإسبرانتو والذي لم يكن لديه أدنى معرفة بسيطة باللغة الفرنسية قد ترجم الجملة بشكل لا يقل جودة كثيرًا عن التلميذين الدارسين للفرنسية.
عندما تتعلم كلمة جديدة في أي لغة، فستكون لدية فرصة معرفة كتابتها وتهجئتها ومعناها، إلا أن في الإسبرانتو، كلمة جديدة تفتح لك عالم من الكلمات لا حصر له، وهو الذي يجعل من الإسبرانتو لغة مبدعة، فهي تقلل كثيرًا من حجم الجهد الذي يبذله كل منا في حفظ وتذكر الكلمات والمعاني والقواعد النحوية التي لا تنتهي، فهل لديك الرغبة في تعلم الإسبرانتو الآن؟