لم يخطر على بال مصممي الإعلانات فكرة من مجرد الوحي والإلهام، ليقرروا في الصباح التالي عرضها لك في صورة إعلان رائع التصميم أو مبدع الفكرة، الأمر كله يتم بعد بحث مطوّل، ودراسات من الممكن ألا تعرف عنها شيء، وأساليب متقدمة في رصد التغيّرات الحادثة في سلوك الأجيال المختلفة، وكيفية تصرفهم، وما يعجبهم وما لا يعجبهم، وما الذي سيثير انتباههم أم لا، كل ذلك فقط من أجل عرض قطعة من التصميم أو إعلان يحوذ على إنتباهك، ويرسخ في مخيلتك أكبر مدة ممكنة، فاستخدمت الإعلانات كل الأسلحة الممكنة لفعل ذلك، بداية من استخدام المشاهير، التصوير في أماكن مدهشة حول العالم، عرض أفراد طبيعين من المجتمع داخل كادر الإعلان، إلى أن بدأ الأمر يبدو متطرفًا بعض الشيء، حينما بدأو في استخدام الإباحية، وأخيرًا الأطفال وقودًا لهم من أجل المكسب و واستغلالهم من أجل الإبتزاز العاطفي، أو من أجل جذب الإنتباه، إلا أنه في أغلب الأحيان لا ينتبه مصممي الإعلانات أنه قتلًا بطيئًا لبراءة الأطفال، وربما سببًا لخسارة الإنسانية أحيانًا.
1-إستخدام الأطفال في إعلانات الموضة :
صرّحت منظمة ” Save the Children” ، وهي منظمة تهدف لتحسين أحوال الأطفال حول العالم، مؤخرًا بخطورة زيادة استخدام الأطفال في إعلانات الأزياء، فبمقارنة بسيطة بين عالم التسويق منذ عشرين عامًا والآن، ستجد زيادة في عدد صور الأطفال على مجلات الأزياء بشكل ملحوظ، بالإضافة أنه يختلف شكل الأطفال حاليًا في الإعلانات عن ذي قبل، فالآن هم أكثر نضجًا، أكثر أناقة، تحتار في معرفة عمرهم الحقيقي، الفتيات أكثر أنوثة عن عمرهن الأصلي وهم مرتدين الملابس المثيرة في بعض الإعلانات واضعين مساحيق التجميل على وجوههن، فلم يعد استخدام الأطفال في الإعلانات متاحًا فقط لعرض ملابس الأطفال كما كان في السابق، فيمكن استخدامهم الآن في عرض مغري لملابس البالغين كذلك، وهذا لما أثبتته الدراسات بأن الأطفال مؤثِرين بشكل فعال في القوة الشرائية لدى المجتمع، وهم جاذبين للإنتباه أكثر بكثير من عرض نفس المنتجات في إعلانات تحتوي على نساء ورجال عاديين.
2-إستخدام الأطفال من أجل التبرعات
يعتبر هذا النوع هو موسم شهر رمضان، حيث تكثر الإعلانات القائمة على استخدام الأطفال من أجل الابتزاز العاطفي، حيث يتأثر المشاهد عاطفيًا بطريقة كبيرة عندما يرى طفل يبكي على الشاشة، أو طفل محروم من متعة معينة، أو مقارنة بين أطفال فقراء وغيرهم سعداء أغنياء، كل هذا يؤثر في المشاهد بطريقة فعالة ويجعله راغبًا في التبرع بشكل كبير.
إعلان ” هل ستقتل “جيل”، هو إعلان خاص بالتبرع بالأعضاء، تظهر فيه فتاة صغيرة يصاحبها صوت يسأل المشاهد في هل يحب أن يتبرع بالأعضاء لإنقاذ حياة ” جيل” ويعطي المشاهد 20 ثانية فقط للرد، يظهر ويختفي فيه ووجه الفتاة، حتى إذا كان الإجابة بلا لن يقتل الفتاة وسيتبرع بأعضاءه فيظهر وجه الفتاة متوردًا بجواره رقم المنظمة المستقبلة للأعضاء، الأمر مثير للمشاعر بشكل كبير بالفعل، في الحقيقة، إذ لم تتبرع بأعضائك لن تكون السبب في قتل الفتاة، إلا أن الإعلان تمّ بناءه على فكرة الإبتزاز العاطفي باستخدام الفتاة الصغيرة والشعور بتأنيب الضمير إذا لم يتم التبرع بالأعضاء لها.
3-يمكن استغلال الأطفال في قضايا بيئية أيضًا
لا يقتصر الأمر على عرض منتجات أو إعلانات تسويقية أو من أجل جني الأموال فحسب، يمكن استغلال الأطفال كذلك للتنويه إلى قضايا بيئية كقضية الاحتباس الحراري على سبيل المثال، فهنا إعلان يظهر فتاة ملفوف حول رقبتها الحبل وهي تقف على جبل جليدي منصهر، حيث تم استخدام نفس الفكرة هنا، الشعور بالذنب والخوف على أولاد المشاهدين من الموت عند انصهار القطبين الجليدين، فكان شعار الحملة تلك هو ” لا تتحدث فقط عن الاحتباس الحراري، قم بفعل”، ولكن جاء الفعل هنا مستخدمًا الأطفال، من أجل تأثير أكبر كالعادة.
4-الأطفال يخترعون ألفاظ جديدة للتحرش
جاء ذلك الإعلان من بين مئات الإعلانات الموجودة في ماراثون إعلانات رمضان هذا الموسم مستغلًا للأطفال في الترويج لمنتجاته كذلك، قدمت شركة ” جهينة” للألبان في مصر إعلان لمنتجها بواسطة ثلاثة أطفال رضع، يتم تحريك شفاهم بنص كان من المفترض أن يكون تسويقي، إلا أنه تحول إلى لفظ جديد للتحرش الجنسي في مصر، استغل الإعلان براءة الأطفال في ذلك، واستخدم ألفاظ إيحائية تشير إلى التحرش الجنسي، منها لفظ ” الدندو” والذي يتم تداوله الآن في الشارع المصري مشيرًا إلى التحرش الجنسي.
فيديو الإعلان
يمكن استغلال التأثير الفعّال للأطفال في الإعلانات بشكل إيجابي، وهو الأسلوب الذي تستخدمه العديد من الشركات في العديد من الحملات الإعلانية القوية، منها حملات التوعية بالعنف المنزلي ضد الأطفال.
” يمكنك أن تخسر الكثير إن لم تصبر”، إعلان يقوم بتوعية الآباء والأمهات بما قد يفعله العنف أثناء الغضب ضد الأطفال، والذي يمكنه أن يفقدهم أبناءهم للأبد.
“يمكن للكلمات أن تقتل “، حملة إعلانية ضد الإعتداء اللفظي على الأطفال، والتوعية بأنه يمكن أن يقتل الأطفال نفسيًا دون إيذائهم جسديُا.
” لا يمكن محو بعضًا من اللمسات”، حملة إعلانية ألمانية للتوعية بالعنف المنزلي ضد الأطفال، وأنه لا يمكن محو أثره من ذاكرتهم أبدًا.
الأمثلة لا تُعد ولا تُحصى، إلا أنه من المهم أن يكون مُشاهِد الإعلانات واعٍ بما يرى ويسمع، وإلا فسيتحقق هدف مصممي الإعلانات المستغليين للإنسانية في كثير من إعلانتهم، ألا وهو التلاعب بعقلك، وبجيبك كذلك.