لا تهدأ وتيرة الأحداث في سوريا إذ تحمل في كل شهر وأسبوع ويوم تطورات جديدة…لاعبين جدد…لاجئين و ضحايا مدنيين جراء القصف المتواصل والحصار الممنهج في المدن السورية، والمجتمع الدولي يقرر قرارات ومن ثم يلغيها، والطائرات السورية والروسية والتحالف الدولي لا يزال يدك مواقع عديدة في أنحاء عديدة من سوريا خصوصًا في حلب وإدلب تتسبب في مزيد من تدمير البنية التحية وإرهاق المزيد من الأرواح وإرغام المزيد من العائلات في كلا المدينتين على النزوح بشكل مؤقت إلى البلدات المحيطة والمناطق الزراعية.
المشهد في سوريا مشوش لدرجة كبيرة لا يمكن بسببها إلا أن تتضاءل فرص الحل في سوريا. مع ما يؤكده الخبراء عن أن الاجتماع الأخير بين وزارء الدفع لكل من سوريا وإيران وروسيا يشير أن “فرص الحل تتضاءل”، حيث أصبحت روسيا هي المتحكم في المصير السوري وتفاوض باسمه في المحافل الدولية على حساب إيران الذي تقلص دورها بعد التدخل العسكري الروسي على الأرض.
الشمال السوري محور الصراع
تستعر الحرب في حلب وريفها بين أطراف الصراع حيث تشير الأخبار القادمة من هناك أن قوات سوريا الديمقراطية سيطرت على الطريق العام الواصل بين مدينتي منبج والباب شرقي حلب ووصلت للأطراف الشمالية والشرقية للمدينة، ومن جهة أخرى تمكنت فصائل المعارضة المسلحة من السيطرة على عدة قرى في ريف حلب الشمالي على الحدود السورية التركية تم على أثرها فك الحصار عن مدينة مارع بعد معارك مع تنظيم الدولة.
ازداد الأمل لدى فصائل المعارضة المسلحة بأنه قادر على قلب الطاولة بوجه كل المؤمرات الروسية والإيرانية والدولية التي تحاك ضد مستقبل سوريا، فالقتال على الأرض ومن يصمد أكثر هو من سيكسب المعركة في النهاية وقد بات الشمال السوري ساحة الصراع الأبرز في سوريا وورقة ضغط لدى كل الأطراف حيث يسعى النظام السوري ومن يعاونه للسيطرة على حلب لقلب الموازين على المعارضة السورية وإرغامها بالخضوع لإرادته إذ صعد رأس النظام السوري بشار الأسد في الحملة العسكرية وجدد رفضه الحل على أساس مبادئ جنيف.
وحول أهمية الشمال السوري وتحوله لمنطقة لحسم الصراع في سوريا وتغيير دفة المسارات السياسية يرى الباحث السياسي “سنان حتاحت” أن شمال سوريا له أهمية كبرى في تأمين خطوط إمداد الثوار من تركيا سواء بالسلاح أو بالغذاء وخروجها عن سيطرة الثوار سيؤدي بلا شك إلى حصار مدينة حلب، وما يهتم به النظام السوري في المعارك هناك، هو تحييد مجموع القوات المقاتلة من الجيش الحر أو من حزب الاتحاد الديمقراطي على حد سواء.
ويردف حتاحت قائلا لنون بوست أنه “يجب ألا تنصرف أنظار العالم عن نية النظام السوري بعد القصف المكثف والمطبق على المنطقة لاقتحام مخيم حندرات وجبهة الملاح وقطع طريق كاستيلو لحصار المدينة”.
وعن دخول فرنسا ومساندتها لقوات سوريا الديمقراطية في هجومها على معاقل تنظيم الدولة في بلدة منبج يرى حتاحت أن فرنسا ملتزمة بالإرادة الدولية المتمثلة في أولوية قتال داعش كما أن موقفها من النظام لم يتغير وتوجهها لدعم قوات سوريا الديمقراطية لا يتعارض مع هذه الرؤية فهي تقيّم تلك القوات بأنها عدوة لداعش وبديلا عن دعم النظام.
كما أن دول مجلس الأمن باستثناء روسيا لم تعد تؤمن بقدرة أي طرف من أطراف النزاع في القضاء على الآخر وهي بالتالي تولي أهمية كبيرة في الانتصارات التكتيكية عوضًا عن الاستثمار في حل يدرك الجميع أنه مكلف وطويل ويكون رحيل الأسد أول خطواته.
ويقول الصحفي السوري إبراهيم العلبي لنون بوست أن مدينة حلب وريفها تفوق أهمية جميع أنحاء سوريا بالنسبة للفاعلين الدوليين والإقليميين، وتعود تلك الأهمية بحسب العلبي أن سيطرة جهة ما على المدينة بالكامل قد يعني ضرورة الاعتراف بهذه الجهة بأنها أصبحت بديلا موازيًا للنظام، كما أن حدود المدينة تقع على تخوم الحدود التركية فضلا أنها تقع على تخوم أي دولة علوية مفترضة كما تعتبر القوة التي ستخضع حلب لسيطرتها قادرة على مد نفوذها حتى اللاذقية.
وعلى الرغم من الحصار والقصف المكثف على المدينة وريفها من قبل روسيا والنظام السوري فإن المدينة إلى الآن لم تسقط بيد أي منهما، وكما قال الإعلامي أحمد كامل في حديثه لبرنامج حديث الثورة على الجزيرة يوم أمس أن الحرب على حلب لم تحقق أي نتيجة تذكر وبينما تم “احتلال العراق العظيم” في عشرين يومًا فإن روسيا وإيران وميليشياته لم تفلح في احتلال حلب منذ ثمانية شهور.
لذا وحتى الآن لا يبدو أن الكفة راجحة لأحد في الشمال وإلى حين تميل الكفة لصالح طرف على حساب آخر يعود التساؤل من جديد هل يتحول شمال سوريا لمفتاح مستقبل سوريا؟