ترجمة وتحرير نون بوست
هرعت مؤخرًا وفي هذا الأسبوع لإنهاء كتاب هيلاري كلينتون “الخيارات الصعبة”، بعد أن توقعت لها بأن تنتزع ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، وهو الذي حصل حقًا، ولكنني ومع ذلك، ما زلت متحيرًا من فرصها في الفوز بالانتخابات النهائية.
لا شك بأن العديد من العوامل ستظهر باعتبارها حاسمة في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في نوفمبر القادم، ولكن الأمر المؤكد هو أن كلينتون لا تزال تحمل ذات أوجه القصور التي كلفتها خسارة الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في عام 2008.
يبدو هذا الأمر مهمًا بشكل خاص، لأن التناقض لا يمكن أن يكون أشد وضوحًا في عقلية الجمهور ما بين حزمة إصلاحات كلينتون المتكررة وانعدام تقليدية المرشح الجمهوري دونالد ترامب؛ فكلينتون ظفرت بترشيح الحزب الديمقراطي من خلال اتقانها لقواعد اللعبة، بينما فاز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري لرفضه اللعب وفقًا للقواعد التقليدية للعبة.
بحلول نوفمبر، قد تخسر كلينتون الانتخابات العامة، وذلك على الرغم من أنها تخوض حربها ضد مرشح شعبوي لا يتمتع برواسخ في علم السياسة أو إصلاحات قابلة للتطبيق، فضلًا عن استنفاره وإقصائه للكثير من اللاتينيين والمسلمين والأمريكيين من أصل أفريقي من جعبته.
معالجة الصورة
كتاب الخيارات الصعبة هو أحد الكتب التي يصعب قراءتها، وهذا الأمر ليس ناجمًا عن كونه نتاجًا للتوازن الطويل والشامل الذي صنعته كلينتون خلال توليها لمنصب وزيرة للخارجية، بل لأنه كتاب يحمل في طياته مدح الذات بذات القدر الذي يفسر فيه نفسه بنفسه.
تفتخر كلينتون ضمن كتابها بمقاربتها الدبلوماسية التي حالت دون وقوع “المواجهة المتفجرة”، وكيف استطاع فريق أوباما – كلينتون أن يكوّن “نسخة دبلوماسية من البرنامج التلفزيوني المشوّق ستارسكي وهاتش”، وكيف نجحت في جهود الضغط الساعية لتظفر شركة جنرال إلكتريك بعقود بمليارات الدولارات في الجزائر، ومن هذا المنطلق، بالكاد أتت كلينتون ضمن كتابها على ذكر أي خطأ أو فشل أو درس مستفاد، كما أنها لم تطرح ضمنه أي رؤية جريئة لأمريكا في العالم.
وعلى اعتبار بأن كتاب “الخيارات الصعبة” كُتب بغاية إعادة ترشح كلينتون للسباق الرئاسي مرة أخرى، وهو ليس “خيارًا صعبًا” على الأرجح، فيمكن اعتباره بأنه يكشف أقل مما يخفي، يروّج بدلًا من أن يشرح، كما ويؤكد العديد من الشكوك حول مصداقية كلينتون.
تمامًا ككتابها، تعكس حملة كلينتون صورة ترشيح معد مسبقًا ومجهّز يتناقض بشكل حاد مع منافسها الجمهوري؛ الذي وعلى الرغم من جهله السياسي، إلا أنه كان قادرًا على التواصل بحرية وفعالية وبشكل عفوي مع قاعدته الشعبية.
التباين في رؤى أمريكا المستقبلية لدى المرشحين الرئاسيين الرئيسيين اليوم لا يمكن أن يكون أشد وضوحًا، بحيث يعكس هذا التباين الانقسام المجتمعي والسياسي الجاري ضمن الطبقة الوسطى الأمريكية، ومن هذا المنطلق، فإن بيضة القبان التي سترجح كفة الميزان لأحد الجانبين هي التناقض بين الشخصيتين.
الانفتاح والثقة
كشفت الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي فشل كلينتون بإلهام أو بكسب ثقة قطاعات كبيرة من الناخبين، وخاصة من الشباب؛ فوفقًا لما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز: “عبّر كثيرون من جيل الناخبين الشباب الأميركيين عن عدم ثقتهم بكلينتون، موضحين بأنها تعد تمثيلًا لانفصال نخبة واشنطن عن معاناتهم”.
بغية التغلب على هذه الشكوك الدفينة ضمن شخصيتها، توصي صحيفة النيويورك تايمز، الودودة لكلينتون، بأن تنشر الأخيرة نسخة من خطاباتها لوول ستريت، وتعترف بمطالبات مفتشي وزارة الخارجية الأميركية حول أن استخدام ملقم البريد الإلكتروني الخاص كان أمرًا مسيئًا للعمل الرسمي، ولا يجب السماح به أو تشجيعه، لكنها قامت به لمحاولة حماية خصوصيتها.
قد تساعد هذه الإجراءات كلينتون لاستعادة بعض المصداقية بين منتقديها والديمقراطيين والمستقلين، ولكن ذلك لن يكون كافيًا لتغيير صورتها.
الشجاعة والاندماج
حتى تفوز في الانتخابات، يجب على كلينتون إظهار مدى جبن وابتعاد سياسة الخوف التي ينتهجها ترامب عن المثل الأمريكية؛ تلك السياسية التي تعوّل على الخوف من المكسيكيين، المسلمين، والمهاجرين غير الشرعيين، الخوف من تراجع أمريكا، والخوف من العالم الذي يهدد، يزدري، ويستغل أمريكا.
يجب على كلينتون أن تقول بأن أمريكا عظيمة، ولا تحتاج لترامب ليجعلها “عظيمة مرة أخرى”، وبغية إثبات ذلك، فإنها تحتاج إلى تبني أفضل ما يتضمنه تراث أوباما وأكثره تفاؤلًا، فضلًا عن سعيها لدمج ذلك مع الاقتراحات العديدة التي تقدم بها بيرني ساندرز، محليا ودوليًا على حد سواء.
فضلًا عما تقدم، يتوجب على كلينتون أن تُظهر كيف يمكن لسياسات الإنصاف والمشاركة والدبلوماسية أن تكون الورقة الرابحة بمواجهة سياسة الكراهية والإقصاء التي يبثها ترامب، وإظهار السبب الذي يجعل بناء الجسور مع العالم أفضل من إقامة الجدارن بين أمريكا وجيرانها.
يجب على كلينتون إظهار تعاطف حقيقي تجاه طبقة الشباب الكادحة التي تبحث عن المكانة التي تستحقها في مستقبل أميركا، والعمل على تنقيح منصة حملتها الانتخابية وفقًا لذلك.
الثبات على المواقف
إذا صحّت التوقعات، مهما بدت غريبة، فقد ينتخب الشعب الأمريكي المرشح الجمهوري، حيث سيحظى ترامب بالأفضلية على كلينتون من خلال استئثاره بكامل المشهد الأمريكي خلال أيام ما قبل الانتخابات والمناظرات الرئاسية.
ولكن التاريخ يقول بأنه وضمن أمريكا تخبو محاولات السيطرة على المشهد وتتقزّم عندما تتم مقارنتها بالثبات على المواقف وتحقيقها، ومن هذا المنطلق يكون السؤال: هل ستستطيع كلينتون الصمود في وجه خصمها العدواني والكاره للنساء؟
في حال لم تستطع كلينتون الصمود، فستتكرر عام 2016 الهزيمة التي مُني بها الديمقراطيون في عام 2000، عندما خسر آل غور، نائب الرئيس بيل كلينتون، لصالح المرشح مفتول العضلات من تكساس، جورج بوش؛ حيث خسر الحزب حينها أصوات أكثر من مليوني ناخب اتجهوا للتصويت لبوش بعد أن أُصيبوا بخيبة أمل من خروج مرشح حزب الخضر، رالف نادر، من المنافسة.
بعبارة أخرى، يجب على كلينتون أن تصغي لأصوات أولئك الذين قدموا دعمهم لساندرز في ولاية أوهايو وولايات أخرى إذا أرادت تجنب مصير آل غور.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية