صابر، مواطن فقير من أهالي حي النصر، صبر كثيرًا في زمن صدام مثل باقي العراقيين، منتظرين زوال صدام وزبانيته، كي تأتيهم السعادة ويكسبون حقوقهم، فكل ما يشغل تفكير صابر، هو أن يجد في بيته الماء والكهرباء وأن تبلط شوارع حي النصر، لا يغالي في أحلامه بل هي بسيطة مثله.
وحصل التغيير الذي انتظره العراقيون، وتم سحق صدام وزمرته الخبيثة، لكن تضاعف الظلم، فاثنتا عشرة سنة مرت، ولم يتحقق أي مكسب لأهالي حي النصر، وبقي صابر يصبر ويتصبر، من دون أن يصل لتحقيق حلمه، فلا ماء ولا كهرباء ولا تبليط للشوارع، بل عليه أن يسكت ويذهب هو وأمثاله للجحيم، لأن مكاسب البلد فقط للأغنياء، وعلى صابر قبول قسمته ونصيبه، في بلد يحكمه فقط من غاب ضميره وفقد إحساسه الإنساني.
حي النصر، حي ضائع، فقط سنوات ضاعت معها مليارات الدنانير، ما بين مجلس بلدي فاسد، وطبيب أسنان متنفذ ومتواطئ، وتجار ظلاميين، قد تبخرت المليارات تحت عنوان إصلاح وإعمار الحي، والسبب هو الدولة، بمؤسساتها الرقابية والأمنية نائمة، والتي تعيش حالة الخدر، تحت تأثير المال الحرام، والنتيجة بقاء الظلم على أهل الحي.
انقطاع الماء كل صيف
تصور معي أن يأتيك الصيف والحنفية لا تعطيك ماءً، ماذا تفعل؟ وكل الاحتياجات الحياتية بحاجة للماء، وتصور أنك محدود الدخل، لا تملك القدرة على دفع رشاوى لأمانة العاصمة، ولست ثريًا ليسرع المسؤولون لحل مشكلتك، يبقى أمامك خياران وهما: الأول شراء الماء، والثاني حفر بئر، وتكون سعيدًا إن تحقق لك ذلك، إنها بحق صورة مرعبة، وهي حاصلة الآن لأهالي حي النصر.
إنها ليست مشكلة كبيرة، أو لا يمكن حلها، لكن أمانة العاصمة يسيطر عليها الفساد، ومحافظة بغداد غارقة في أمور أخرى بعيدًا عن خدمة الناس، مما جعل أهالي الحي يقعون في مشكلة لا تحلها الدولة ومؤسساتها، وعليهم هم أن يجدوا الحلول لها، وهم في الأغلب فقراء وبسطاء.
نحن نشتري ماء الشرب يوميًا
يقول الحاج أبو رياض الدلفي: “كل صيف نعاني من انقطاع الماء، لم تنفع كل محاولاتنا بتشكيل وفود لأمانة بغداد ولمجلس المحافظة وللأحزاب والشخصيات، فلم يتحقق شيء، فقط ما نحصل عليه وعودًا كبيرة، لكننا سنويًا نعاني، عوائل كثيرة تعتمد على شراء الماء يوميًا في الصيف، مما يعني هم جديد على العوائل محدودة الدخل، لا أعلم إلى متى يستمر الظلم، فأحياء مثل زيونة والمنصور الماء يصل للطابق الثاني، أما حي النصر والكثير من الأحياء الفقيرة، فلا يصلها الماء أشهر كثيرة، وهذا يحصل سنويًا معنا، والسبب الطبقية التي تحكم الدولة، نتمنى أن تنصفنا الحكومة ولو لمرة واحدة وتحل مشكلة الماء، فقد طال زمان الظلم بحق حي النصر”.
كل الصيف يختفي الماء
ويضيف الحاج جمعة الكناني: “كل صيف يعتبر مأساة لنا ومن الآن نفكر بالصيف، حيث ينقطع الماء لأشهر، وعندها لا حل إلا عبر شراء الماء، حال سيء للحي بسبب مؤسسات الدولة الفاسدة، والتي يتضح عمق فسادها في المناطق الفقيرة، فهل يعقل أن بيت في البلد النفطي يفتقر للماء، ويلجأ للشراء من السوق، بل حتى الماء الواصل يكون محملاً بالأمراض المتنوعة، إنها محنة الفقراء في بلد الموازنات الانفجارية، التي لا تنفجر إلا في جيوب النخبة الحاكمة، والفقراء عليهم إن يموتوا عطشًا”.
لا نريد شيء من الحكومة فقط أن توصل الماء لبيوتنا
السيد أبو جاسم الموسوي يقول: “لا نريد من الحكومة أي شيء، لا بنايات ولا مولات ولا سينما ولا شوارع مبلطة، فقط نريد ماء، هل تصدق أننا في بلد النهرين ينقطع عن حي كل عام الماء، فيلجأون إلى حفر الآبار وإلى شراء الماء من المناطق القريبة، ليلهم لا ينتهي لأنهم في حركة لجمع الماء لعوائلهم، وأهالي مناطق بغداد الأخرى في راحة، لأن الحكومة تعطي لمناطق وتمنع عن مناطق، نطالب بالعدالة، فقد ظلمنا في زمن صدام وفي هذا الزمن اللعين”.
المجلس البلدي هو سبب الظلم لحي النصر
بعد عام 2003 صرفت المليارات على إعمار حي النصر، لكن بسبب تواجد مجلس بلدي فاسد وطبيب أسنان متنفذ وقافلة من اللصوص، ضاعت الأموال هدرًا، والحقيقة أن العلة في عدم وجود جهاز رقابي فعال للدولة، ولا توجد جهة تلاحق الفاسدين وتضعهم خلف القضبان، مما شجع السفلة على التلاعب بمقدرات الحي، فحي النصر هو عراق مصغر، يحصل له ما حصل للعراق”.
المجلس البلدي سبب انقطاع الماء
يقول أبو علاء البهادلي: “أسباب ضياع حقوق الناس هو المجلس البلدي، الذي استفاد أعضاؤه من غياب الرقابة، ليلتهموا الأموال المخصصة للحي، فالمقاولات نهبت وكل المساعدات التي تأتي من منظمات إنسانية تختفي، والدولة لا تتابع لأن أجهزة الرقابة فاسدة أيضًا، مما جعلنا أمام أمر واقع وهو استمرار سوء حال الحي، أتعجب ألا تكون هناك محاسبة للمجلس البلدي في حي النصر، وهو مسؤول عن خدمات الحي، فالاتهام يجب أن يكون فورًا له باعتباره المسؤول الأول، لكن لغة المصالح والارتباطات الحزبية ضيعت الحقوق”.
نهاية الرحلة في حي النصر
حي النصر المنكوب، قصته معروفة لأمانة العاصمة ولمحافظة بغداد، لكن عدم المبالاة والتفريط الدائم بحق الفقراء، هو السمة الأبرز لمن تصدى للمسؤولية، نكتب هذه السطور، ونتمنى أن تصل لمسؤول شريف، يتحرك لنصرة الفقراء والبسطاء، فإن زمن الظالم قد طال أمده.