تبحث إيطاليا حتى الآن عن سر مقتل مواطنها طالب الدكتوراة الإيطالي جوليو ريجيني الذي عُثر على جثته على جانب أحد الطرق السريعة بالقرب من العاصمة القاهرة في الثالث من فبراير الماضي، وعليها آثار تعذيب واضحة، بعدما أُعلن عن اختفائه في الخامس والعشرين من يناير.
طلبت إيطاليا من قبل التدخل في عمليات التحقيق لكشف غموض هذا الحادث لكنها وجدت صعوبة في التعاون مع فريق التحقيق المصري، وهو ما أدى إلى سلوك الجانب الإيطالي طرقًا استخباراتية للحصول على معلومات كافية عما حدث لريجيني خاصة وأن غالبية التسريبات التي خرجت من وسائل الإعلام تُشير إلى تورط أجهزة أمنية مصرية في مقتل الشاب الإيطالي.
حتى إن الجانب الإيطالي رفض تصديق أي من روايات الجانب المصري التي نُسجت حول الحادث، كمقتل 5 مواطنين مصريين بزعم أنهم عصابة متخصصة في خطف الأجانب، حيث اتهموا بخطف ريجيني وتعذيبه حتى الموت، ورواية أخرى بعد إلقاء القبض على مجموعة مختلفة ادعوا أنها تقف خلف مقتل ريجيني، حيث ظهرت متعلقاته فجأة بحوزتهم، وهو الأمر المثير للشكوك.
رواية جديدة
نشرت صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية تقريرًا يتضمن تفاصيلاً جديدة حول مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، وقد نشرت صحيفة التايمز أيضًا مقالًا لتوم كينغتون من روما بعنوان “الطالب المقتول كان ضحية الصراع بين الأجهزة الأمنية في مصر”.
هذه المعلومات الجديدة الواردة مصدرها مجهول، سُربت إلى الجانب الإيطالي عن طريق مصدر استخباراتي أرسلها إلى السفارة الإيطالية في سويسرا، هذا المصدر المجهول يصف نفسه بأنه وسيط لنقل المعلومات بشأن قضية ريجيني من إحدى المؤسسات الرئيسية بمصر، وهو ما تأخذه أجهزة التحقيقات الإيطالية على محمل الجدية، حيث بدأت التحقيق في كافة المعلومات المسربة.
التفاصيل الجديدة الواردة بحسب الصحيفتين الإيطالية والإنجليزية تقول إن اختطاف وتعذيب الطالب الإيطالي جرى على خلفية صراع بين جهازي الأمن الوطني “أمن الدولة” والمخابرات الحربية.
والقصة بدأت بعدما وضع جوليو ريجيني تحت المراقبة منذ أول لحظة لوصوله إلى العاصمة المصرية القاهرة، وذلك من قبل جهاز الأمن الوطني الذي ترأسه آنذاك اللواء صلاح حجازي، كان ذلك في شهر سبتمبر من العام 2015، وقد نشرت الصحيفة الإيطالية رقم ملف ادعت أنه رقم ملف ريجيني في وزارة الداخلية المصرية، وهو ملف برقم 333/01/2015.
كان الهدف من مراقبة ريجيني في ذلك الوقت صناعة قضية كبيرة يتهم فيها الباحث الإيطالي الشاب بالتجسس وتكوين شبكات غير شرعية في مصر بهدف قلب نظام الحكم، وهي قضية اعتبرتها الصحيفة الإيطالية كفيلة برفع أسهم ومكانة جهاز الأمن الوطني داخل النظام المصري، خاصة لدى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يعتمد بشكل كامل على جهاز المخابرات الحربية ويثق به كثيرًا.
المخابرات الحربية دخلت على خط القضية لمنافسة الأمن الوطني
بحسب الرواية الجديدة المسربة فإن جهاز المخابرات الحربية المصري علم بتفاصيل القضية التي ينتوي جهاز الأمن الوطني صناعتها، وقد تدخل الجهاز لانتزاع القضية من بين أيدي الأمن الوطني، بعدما اكتشفت المخابرات الحربية عن طريق أحد ضباط الأمن الوطني، أن ريجيني على علاقة بناشط من حركة “الاشتراكيين الثوريين” يُدعى وليد، وهو للمفاجأة تربطه علاقة عائلية من الدرجة الثانية باللواء صلاح حجازي، رئيس جهاز الأمن الوطني.
أعفى اللواء صلاح حجازي الضابط الذي كشف هذه المعلومة من منصبه، وهو ضابط برتبة رائد، وتباطأ في إدارة ملف القضية، وهو ما دفع هذا الضابط المعفي للذهاب إلى اللواء عباس كامل للشكوى، كامل الذي تصفه الصحيفة الإيطالية بأنه أحد أقوى رجال النظام واليد اليمنى القوية للسيسي.
وفي رد فعل من عباس كامل مدير مكتب الرئيس يبدو أنه جاء في 19 ديسمبر 2015، حيث أُعفي اللواء صلاح حجازي من منصبه فجأة كرئيس لجهاز الأمن الوطني، وحل محله اللواء محمد شعراوي.
وفي نفس التوقيت صدر قرارًا بإحالة ملف ريجيني إلى جهاز المخابرات الحربية الذي يترأسه اللواء محمد فرج الشحات، هذا القرار الذي لم يُرض اللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية المصري، حيث قرر تصعيد الأمر إلى الرئيس السيسي ليخبره أن جهاز الأمن الوطني في الوزارة هو صاحب القضية وله الفضل في كشف “شبكة تجسس”.
هناك خيط إيطالي بحوزة أجهزة التحقيقات يتكامل مع هذه الرواية التي ذكرت اسم ناشط الاشتراكيين الثوريين “وليد”، حيث تبين لهم أن هناك اتصال هاتفي جرى في أكتوبر 2015 بين جوليو وشخص مجهول يُدعى “وليد”، لا توجد عنه أية معلومات في التحقيقات المصرية ولا تكشف متعلقات ريجيني عن هويته.
المخابرات الحربية هي من قتلت ريجيني
بحسب رواية الصحيفة الإيطالية فإن جهاز المخابرات الحربية نجح في انتزاع القضية من جهاز الأمن الوطني، وفتح لريجيني ملف جديد في جهاز المخابرات الحربية حمل رقم M.1/25,2009/.
وفي معلومة جديدة توضحها الأوراق التي وصلت للإيطاليين أن ريجيني لم يُختطف من منطقة الدقي حيث يسكن كما أشاعت أجهزة الأمن المصرية، ولكن المخابرات الحربية اعتقلته من أمام محطة “محمد نجيب”، وخضع للتحقيق في أحد مقار الجهاز عن طريق ضابط يُدعى جلال الدباغ، وقد وصفت الأوراق الدباغ بأنه “سريع الغضب متكبر وعبقري في تطبيق كل ما هو جديد في عالم التعذيب”، ويبدو من الرواية أن ريجيني قضى تحت التعذيب في المخابرات الحربية لانتزاع اعترافات منه.
الأمن الوطني خرج عن النص
بعد مقتل ريجيني حاول جهاز المخابرات الحربية الاستعانة بالأمن الوطني لإخفاء جثة ريجيني ودفنه بمتعلقاته، وبالفعل سُلمت الجثة والمتعلقات إلى الأمن الوطني، لكن حدثت مفاجأة أدت إلى كشف الحادث على النحو الذي ظهر به.
حيث لم تنفذ الأوامر من قبل جهاز الأمن الوطني، الذي ألقى جثة ريجيني على أحد الطرق السريعة، واحتفظ بمتعلقاته الشخصية، وقد ترك ضباط الأمن الوطني إشارة تدل على أن جثة ريجيني كانت في أحد مقارات الجيش، ولا يُعلم إن كان هذا الأمر مقصودًا لتوريط المخابرات الحربية، أم أن ضباط الأمن الوطني لم ينتبهوا لهذا الأمر.
حيث ألقيت جثة ريجيني في الشارع وبجانبها غطاء معروف أنه لا يستخدم إلا في الجيش المصري “بطانية ميري”، وهو أمر مثبت في محضر الشرطة التي عثرت على الجثة بعد ذلك، ما يعزز فكرة توريط الأمن الوطني لجهاز المخابرات الحربية في القضية بهذا الدليل.
ردًا على ذلك أبلغ اللواء عباس كامل وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار بقرار إقالته ورئيس الأمن الوطني محمد شعراوي من منصبيهما على الفور، لكن الصحيفة الإيطالية تؤكد أن عبدالغفار لم يستسلم لقرار الإقالة وهدد بعدم الصمت والقبول بتقديمه كبش فداء في القضية، وعليه تراجع كامل عن الأمر، واجتمعا لمحاولة حل القضية.
كانت أحد الحلول التي توصل إليها وزير الداخلية ومدير مكتب الرئيس هي قتل 5 مواطنين وادعاء أنهم عصابة متخصصة في خطف الأجانب وسرقتهم، كما يقول المصدر الذي سرب كل هذه المعلومات أن اللواء محمد شعراوي رئيس جهاز الأمن الوطني بحوزته تسجيل للاجتماع الذي جرى بين عباس كامل ومجدي عبدالغفار.