لعل الاضطرابات الأخيرة التي تشهدها اليمن توشي بأن المرحلة الانتقالية سيكون لها تكلفتها الباهظة ولعل ما حدث مؤخرا من عملية استهدفت مستشفى العرضي بوزارة الدفاع – تعد من أبشع الجرائم التي شهدتها اليمن في الآونة الأخيرة – حيث كانت تستهدف الرئيس هادي بحسب خبراء ومحللين الأمر الذي يندر بأن هناك المزيد والمزيد من الدم سيدفع مقابل الحرية والتغيير.
الأحداث الساخنة تزداد سخونة فقتل هنا واختطافات هناك، وحكومة على كف عفريت، في سبات عميق، فلم تتخذ حيال ما يحصل أي موقف مسئول أو وطني.
فالمشهد اليمني تبرز اليوم على ساحته الاغتيالات والتصفيات العسكرية ويتسع انتشار القاعدة في بقاع عدة من البلد، وتشكل هجماتها على المرافق والمباني الحكومية تهديداً حقيقياً في ظل عدم تعامل جدي معها.
تمرد حوثي في الشمال ونشاط انفصالي في الجنوب ولغة قبلية واجتماعية ترتدي غطاء السياسة وتعبث بما تريد، وأزمات تقسم ظهر المواطن اليمني اقتصاديا وامنيا، تحالفات جلية يعقدها النظام السابق مع جماعة الحوثيين وبعض فصائل الحراك الجنوبي وتحالفات مخفية يعقدها مع تنظيم القاعدة وقوى إقليمية وخارجية، جعلته يستعيد أنفاسه ويتنفس الصعداء لخلق الاضطرابات، كل تلك الأحداث وغيرها ولدت ضعف في حكومة الوفاق ولم تستطع الاحتواء والسيطرة السياسية ولم تقدر على ردم فجوات وثغرات الجانبين الأمني والاقتصادي ، وما سبب ضعفها – غير ما سبق – هو المكايدة والصراعات الحزبية والنكاية في الأخر.
فالحكومة المكونة من أحزاب اللقاء المشترك والحزب الحاكم للنظام السابق “المؤتمر الشعبي العام” يعتبران اللاعبان الأساسيان في البلد وأدوارهما الأخرى تسببت بالانصياع الأعمى لقوى النفوذ القبيلة والاجتماعية والعسكرية، وكلاهما يحاول الحفاظ على سمعته عن طريق ترقيع الأوضاع والأحداث
وتنميق الواقع اليمني المشوه، وتحميل كل طرف للأخر المسئولية والمعضلات والمشاكل الحاصلة، فالنظام السابق شرايينه ممتدة بين أوساط المرافق الحكومية وما زالت هي المسيطرة على الوضع وتعمل على إبراز واقع اللحظة بأنه أقسى من واقع الأمس “حكم النظام السابق”، كما أن أحزاب اللقاء المشترك لا تختلف تماما في إدارتها لبعض الوزارات بنفس العقلية التي كان يدير بها النظام السابق شئون الحكم ويتغاضى عن أولويات المواطن البسيط.
الحكومة اليوم بمعنى أدق تعاني من مخاض عسير يولد كارثة إنسانية، ونكسة سياسية وجفاف امني وإداري ستشهده اليمن– قريبا – في حال عدم إعادة النظر في هيكلة الحكومة والتي جاءت بها المبادرة وفق مبدأ التناصف بين اللقاء المشترك “أحزاب المعارضة سابقا” والمؤتمر الشعبي العام “الحزب الحكم للنظام السابق”، والخروج من المرحلة الانتقالية بإعادة هيكلة الحكومة وفق كفاءات وقدرات ستعمل على خلق امن واستقرار إدارة شئون الدولة وفق إستراتيجية ممنهجة ومدروسة، كما أن التدخل الإقليمي والدولي الصارخ – الرسمي أو غير الرسمي – يبسط ذراعيه ويمتدد يوما بعد أخر، وبإمكاننا القول بأن الحاكم الفعلي لليمن في هذه المرحلة – وربما مستقبلا – هو مجلس الأمن والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية والتي البعض منها يريد مستقبل اليمن مستقرا والبعض الآخر يريد اليمن أن تبقى على حالها.
إن النظر إلى نجاح المرحلة السياسية القادمة يتوقف على نجاح مؤتمر الحوار الوطني وما سيخرج به من نتائج والذي بدوره سيعمل حدا للصعوبات التي تواجه الواقع اليمني؛ وما ارتفاع وتيرة الاضطرابات الأمنية مؤخرا إلا تزامنا مع اقتراب نقطة الصفر لانتهاء الحوار الوطني.. وبمعنى آخر فإن ما يجري في اليمن هو بالتأكيد بداية مرحلة جديدة لمستقبل ملئ بالمفاجآت لا يعلمها غير ربي وأرباب الدمار الذين يعدون العدة اليوم.
ربما الرئيس هادي هو الوحيد – وقبله المواطن اليمني – يواجه بقوة صلبة جبهات عدة تعمل على إعاقة وإفشال قيادته للبلد في هذه المرحلة وما سيخرج به الحوار الوطني، خاصة بعد الأحاديث التي تداولات بقضية التمديد له، يستطيع فعل ذلك كونه مدعوم بإرادة شعبية ونفوذ دولي يستطيع من خلاله التغلب على كل تلك الصعوبات.
ما ذكر أنفا يحدث في ارض اليمن السعيد، السعيد بصبر أبنائه على هذا القتل الجماعي، والخطف والصراع والدمار وتطبيع الحياة رغم الأسى، وغير السعيد بأولئك الذين يخططون ويدبرون لوضع اليمن تحت آباطهم ومصالحهم الشخصية.