ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها خروج دولة من الاتحاد الأوروبي، فقد سبق أن تم الحديث عن إخراج اليونان في العام الماضي بعد تعرضها لأزمة مالية كادت تودي بها للإفلاس، إلا أن الاتحاد آثر إنقاذها على أن ينفرط عقد الاتحاد.
وفي هذا الشهر يعود خطر انفراط العقد مجددًا إلى الواجهة وهذه المرة من بريطانيا، ففي الـ 23 من الشهر الجاري سيجرى استفتاء يصوت فيه الشعب البريطاني حول بقاء أو مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، علمًا أن بريطانيا نأت بنفسها عن اتفاقية العملة الموحدة (اليورو) وأبقت على الجنيه الإسترليني ولم تنخرط جغرافيًا باتفاقية شينغن لفتح الحدود.
والجدير ذكره أن بريطاينا تعد ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا ولديها أسلحة نووية وهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، فضلاً عن قيامها بدور مهم ممثلاً بالجسر التقليدي بين أوروبا والولايات المتحدة عبر المحيط الأطلسي.
منذ بداية العام وحتى ذلك التاريخ تضاربت الآراء حول من سيكون رابحًا أو خاسرًا من خروج بريطانيا من الاتحاد، وأظهرت نتائج استطلاع قبل ثلاثة أسابيع من الاستفتاء أن مؤيدي الخروج يشكلون 52% مقابل 48% من مؤيدي البقاء، وهذا أدى إلى زيادة التوتر في الأسواق التي تخشى أن يؤدي الخروج إلى بلبلة في الأسواق أو إلى تباطؤ الاقتصاد البريطاني وتراجع قيمة الجنيه الإسترليني.
الخاسر والرابح
في السابع من الشهر الجاري عبر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي سيكون “كوضع قنبلة تحت اقتصادها”، حيث سيسبب الخروج من الاتحاد مرحلة من الغموض تستمر لسنوات برأي كاميرون، وسيجبر بريطانيا على توقيع اتفاقيات تجارية أخرى مع الاتحاد مما سيؤثر سلبًا على اقتصادها.
ويطالب كاميرون الاتحاد الأوروبي بتنفيذ إصلاحات في أربع نقاط منها: تقليص الهجرة بين الدول الأوروبية خاصة من دول الشرق، وفرض مهلة أربع سنوات قبل دفع أي مساعدات اجتماعية للمهاجرين المنحدرين من داخل الاتحاد الأوروبي بهدف العمل في بريطانيا، وإعطاء المزيد من الدور للبرلمانات الوطنية، والتخلي عن الخطوات التي من شأنها أن تزيد من سلطات ومسؤوليات الاتحاد الأوروبي.
يعبر معارضو الانفصال أن الخروج من الاتحاد سيؤدي إلى فقدان ما يقرب من 3-4 ملايين وظيفة، في حين أن الطرف المقابل من معارضي الاتحاد يقولون إن الانفصال سيحرر الشركات الصغيرة والمتوسطة من الرقابة والبيروقراطية الأمر الذي سيسمح لها بزيادة التوظيف، كما سيمنحها قدرًا أكبر من المرونة والتأقلم وتجنب الإجراءات الروتينية المكلفة.
وسيكون قطاع السيارات الأكثر خسارة في حال الخروج بحسب تقارير، نظرًا لأهمية السوق الأوروبية للسيارات المصنعة في بريطانيا، بينما قد تستفيد بعض صناعات الدفاع والمشروبات والأغذية التي تصدر إلى مناطق غير أوروبية في حال تراجع الجنيه الإسترليني أمام الدولار.
وفيما يخص القطاع المصرفي والمالي فيشير خبراء أنه سيستفيد من إزالة رقابة بروكسل على البنوك البريطانية ولكنهم في الوقت نفسه يحذرون من فقدان الوظائف المصرفية ونقل بنوك عالمية لمقارها خارج لندن.
أما عملة بريطانيا (الإسترليني) ستتأثر بشكل كبير في حال الخروج، حيث توقع العديد من المحللين أن يصل سعره أمام الدولار إلى دون 1.20 دولار للإسترليني، فضلاً عن تأثر اليورو (عملة الاتحاد).
ماذا يقول منتجو السيارات؟
أعلنت جمعية منتجي وتجار السيارات أن نحو 75% من أعضائها يعتقدون أن البقاء في أوروبا أفضل للشركات الإنجليزية، وأظهر استطلاع للرأي مؤخرًا أن الغالبية العظمى من شركات إنتاج السيارات قالت إن الخروج من الاتحاد سيكون له انعكاسات سلبية عليها، وأظهر الاستطلاع أن 88% من شركات صناعة السيارات الكبيرة تعارض الخروج من الاتحاد، كما ناشد 36 من رؤساء الشركات المدرجة على مؤشر فوتسي لأكبر مئة شركة في بريطانيا أن تبقى بريطانيا في الاتحاد للحفاظ على الوظائف وتشجيع الاستثمار.
وبعث رئيس شركة رولز رويس التي تملكها شركة بي إم دبليو برسالة إلى جميع العمال البريطانيين يحذرهم فيها أن خروج بريطانيا من الاتحاد “سيرفع التكاليف ويؤثر على الوظائف” كما أن “عوائق التعريفات الجمركية ستعني زيادة التكاليف وزيادة الأسعار ولا نستطيع أن نفترض أن بريطانيا ستمنح حق التجارة الحرة مع أوروبا وقد تتأثر القدرة التوظيفية للشركة”.
ألمانيا: سنبكي إذا غادرتم!
أصدرت مجلة دير شبيغل الألمانية مناشدة للبريطانيين في شهر شباط الماضي باختيار البقاء في الاتحاد في الاستفتاء وحمل غلاف المجلة عنوانًا “من فضلكم لا تغادروا… لماذا تحتاج ألمانيا للبريطانيين”.
وأشارت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية أن العديد من المطالب البريطانية لإصلاح الاتحاد الأوروبي “مبررة ويمكن تفهمها” وأبدت تأييدها لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مطالبه بتحسين قدرات الاتحاد وشفافيته وتقليل البيروقراطية، وأكدت أن برلين تشترك مع لندن في هذه النقاط.
ويعتقد بعض السياسيين الألمان أن خروج بريطانيا من الاتحاد سيكون له وقع كارثي على برلين وعلى أوروبا على حد سواء، حيث قال وزير المالية الألماني “سنبكي” في أثناء زيارة له للندن ردًا على سؤال عما ستفعله ألمانيا في حال مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، وقال أيضًا إن هذا القرار سيكون “كالسم لاقتصاد المملكة المتحدة والقارة الأوروبية وللاقتصاد العالمي”.
وفي إطار الكلام الدائر أن ألمانيا ستتفرد بزعامة الاتحاد حال خروج بريطانيا، أكدت مديرة مكتب صندوق مارشال الألماني في برلين، “تريد برلين أن تكون قائدًا في أوروبا لكنها لا تريد أن تفعل ذلك بمفردها” فألمانيا وبريطاينا وفرنسا كانوا فيما مضى أهم اللاعبين الذين بذلوا جهودًا مضنية في أوروبا من أجل تحقيق الوحدة في القارة، وتعرض فرنسا لأزمة اقتصادية وسياسية أدى لتربع بريطانيا وألمانيا على عرش أكبر قوتين في الاتحاد.
هولندا أكبر الخاسرين
حذرت دراسة أجراها مكتب التخطيط المركزي الهولندي الحكومي من تضرر هولندا بشدة في حال خروج بريطانيا من الاتحاد، متوقعة انخفاض إجمالي الناتج المحلي للبلاد بنسبة 1.2% بحلول عام 2030 وخسائر تجارية تناهز 10 مليارات يورو من جراء انخفاض حجم التجارة بين البلدين والتي تجري معظمها عبر بحر الشمال، وخلصت الدراسة أن هولندا ستكون أكبر المتضررين مقارنة مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى بسبب علاقتها الثنائية القوية مع بريطانيا.
اليابان وفرنسا: خروج بريطانيا صدمة
اليابان بدورها عبرت عن قلقها على شركاتها وقال وزير الاقتصاد الياباني: “إن اليابان تراقب عن كثب التأثير المحتمل للاستفتاء وفي حال جاءت نتيجة الاستفتاء بالانسحاب من الاتحاد فإن هذا سيؤثر على الشركات اليابانية التي لها عمليات في بريطانيا”، وقد رأت فرنسا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيشكل “صدمة لأوروبا وسيؤثر على الرؤية الأوربية”.
الولايات المتحدة: بريطانيا شريك سياسي وتجاري مهم
تعد أوروبا مصدرًا للاستقرار وشريكًا تجاريًا كبيرًا للولايات المتحدة، وتعد اتفاقية الشراكة للاستثمار والتجارة عبر الأطلسي هي ما يسعى إليه صناع السياسية الأمريكيين والأوروبيين، وتعتبر بالنسبة لهم جائزة كبيرة في حال تحققت ولا يريد أي من الطرفين ظهور أسباب لعدم الاستقرار في القارة الأوروبية يعطل المضي في تلك الاتفاقية، وقالت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة: “إن من مصلحة أمريكا والعالم أن تظل بريطانيا في الاتحاد”، كما قدم الرئيس باراك أوباما دعمه الكامل لديفيد كاميرون أثناء زيارته الأخيرة إلى بريطانيا وحث البريطانيين على التصويت بالبقاء في الاتحاد لما فيه مصلحة لهم وللاتحاد وللعالم.