ما تزال الضبابية تسود المشهد السياسي والعسكري في اليمن، ما يعزز فرضية فشل تام لجهود التسوية وإيقاف الحرب، حتى اللحظة، وانعدام أي بارقة أمل في الخروج من النفق بالغ العتمة في هذا البلد الفقير الذي يتآكل بسبب الصراع الداخلي الدامي والتجاذبات الخارجية.
واللافت في المسار السياسي للأزمة اليمنية تشتت أطراف الصراع في اتجاهات متباينة بحثًا عن حل غدت معه فرص الالتقاء بعيدة المنال، على الأقل في الأجل القريب، في حين يبدو دور الأمم المتحدة متراخيًا إن لم يكن عبثيًا وليس بحجم الحدث والمأساة المستمرة في اليمن، والتي يتحمل مجلس الأمن فيها المسؤولية الأخلاقية لعدم تنفيذ قراره رقم 2216 الخاص بالأزمة اليمنية.
وكان من اللافت في معظم مجريات الصراع السياسي الذي تنامى بين حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وتكتل أحزاب المعارضة “اللقاء المشترك” دورانه في مجمله حول توريث الرئيس السابق صالح الحكم لنجله قائد الحرس الجمهوري أحمد علي، الذي حالت دونه ثورات الربيع العربي وانتفاضة الشعب اليمني السلمية في شباط/ فبراير 2011م، التي لم يكتب لها النجاح نتيجة اصطدامها برغبات قوى النفوذ والصراع الإقليمي والدولي في اليمن.
الثورة… محطات ومسارات
مرت الثورة الشبابية الشعبية السلمية بمنعطفات وتعرجات عدة، إذ إن آثار توجه الشعب اليمني نحو التغيير والقيام بثورة على من يحكمونه والسعي لإسقاطهم قد ألقى بظلاله على واقع حياة الناس وأحوالهم المعيشية والسياسية والاقتصادية والإنسانية، ودفع لحدوث موجة من التفاعلات وردود الأفعال بين النظام الحاكم والشعب اليمني بمختلف توجهاته ومكوناته السياسية والمجتمعية.
وعند العودة والنظر إلى ما حملته الأشهر الأولى لانتخابه، كان الهم الأول للرئيس الجديد “عبدربه منصور هادي” هو إثبات قوته وقدرته على اتخاذ القرار، فكان قرار إعادة بسط نفوذ الدولة في المناطق التي تمكن تنظيم القاعدة في الجنوب من التحكم والسيطرة عليها، إبان نشر النظام والرئيس السابق صالح للفوضى في البلاد خلال الأشهر الأولى للثورة، ولكن هذا القرار لم يكن قررًا داخليًا صرفًا، إذ كشف وحمل هذا القرار والتوجه من قبل الرئيس الجديد وحكومة الوفاق في طياته نذر انصراف الدولة نحو تحقيق مصالح وأجندة خارجية.
ومن يقرأ في مسار الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن ويقلب صفحاتها سيلحظ مفارقة عجيبة وصادمة في نفس الوقت، ونقطة تحول فارقة وجوهرية في وجهة مسار الثورة، كون الثوار خرجوا للساحات وانطلقوا في الميادين في الأصل بهدف القضاء على حكم صالح ونظامه المتمثل بحزب المؤتمر الشعبي العام، ولكن قوى الثورة والتغيير بكل سذاجة أوقعتهم في الفخ وحالت بينهم وتحقيق طموحاتهم بتزكيتها نائب الرئيس السابق هادي خلفًا له، وبهذا ثبتوا له الحكم ولم يسقطوه، وإنما نقلوه من شخص الرجل إلى حزبه المؤتمر بقيادة نائبه الأول هادي وأمين عام حزبه، وبذلك أحيطت ثورة الشباب في اليمن بقيود ناعمة من خلال المبادرة الخليجية التي تسللت منها قوى مناهضة الثورة والتغيير في الداخل والخارج.
وتعد الثورة الشعبية في اليمن الثورة الوحيدة من بين أخواتها في المنطقة التي لاقت اهتمامًا إقليميًا ودوليًا منقطع النظير، نظرًا لموقع اليمن الجغرافي وكونها بوابة الخليج الجنوبية، وبسبب تصدر الإسلاميين للمشهد السياسي في السنوات الأخيرة وتأثيرهم في الوسط الشعبي منذ زمن قصي، فضلًا عن كون التيار الإسلامي في اليمن يمتاز بقيادة سياسية ناضجة وحكيمة أهلته في أن يلعب دورًا أساسيًا في التأثير على مراكز القوى القبلية والعسكرية في الانضمام إلى صف الثورة وإسقاط النظام الحاكم ، فاستجابت له أغلب القوى الرئيسية في البلاد، وهذا لم يكن ليروق للقوى المتربصة بهم داخليًا وخارجيًا، خاصة عندما شعرت بكونها البديل والوريث للحكم في اليمن.
وقد امتازت الثورة اليمنية من بين ثورات الربيع العربي بسلميتها وعدم القبول بجرها إلى صراع مسلح، كما كان يسعى له رئيس النظام السابق علي صالح، إذ تغلبت القوى السياسية المؤيدة للثورة وفي مقدمتها التيار الإسلامي على كل المحاولات والضغوط، وتحملوا أعباء الصمود والبقاء في الميادين وساحات الثورة أكثر من عام وهو وقت طويل جدًا قياسًا بزمن الثورة في كل من مصر، وتونس، ولبيبا وسوريا التي انجر بعضها إلى العمل العسكري والمواجهة المسلحة.
المبادرة وهادي… والفترة الانتقالية
على مضض تعاطت قوى الثورة مع المبادرة الخليجية التي رفضها الشباب والثوار في الساحات والميادين، ووضعها قادة الخليج كحل لما سمي خليجيًا بالأزمة السياسية ويمنيًا بـ ثورة التغيير، ورحبت معها القوى السياسية المؤيدة للثورة، المتمثلة بالأحزاب المنضوية في تكتل اللقاء المشترك المعارض، وكانت خطوة سياسية ذكية لسحب البساط من تحت أقدام علي صالح الذي كان يحاول استفزازهم عسكريًا وجرهم إلى مربع العنف.
ويبدو أن الرئيس السابق صالح كان يدور في مخيلته أن هذه القوى سترفض المبادرة لإيجاد مبرر لضرب الساحات الثورية عسكريًا لكون المبادرة الخليجية تم دعمها دوليًا من خلال إشراك الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التي تنظر لليمن كبؤرة تنتج الإرهاب وتستهدف المصالح الحيوية للقوى الكبرى وعلى رأسها دائمة العضوية، ومصالح دول الخليج التي يهمها انطفاء وهج الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن، لتلتقي عندها مصالح الدول الكبرى مع دول الجوار في تأمين الملاحة البحرية واليمن، وضمان عدم انتقال الثورة إلى منابع النفط الخليجي .
وعلى الرغم من قبول قوى الثورة والتغيير بالمبادرة الخليجية والتعاطي معها على مضض، فقد ظل الرئيس السابق صالح يراوغ ويرفض التوقيع على المبادرة التي تنص أولى بنودها على رحيله من الحكم والسلطة، عدا إجراء تعديلاته عليها وتحقيق كامل رغباته في تفسيرها وشرحها، وإثر ذلك فقد تم تكليف الدبلوماسي المغربي جمال بن عمر مبعوثًا أمميًا من الأمم المتحدة ومشرفًا على تنفيذ المبادرة الخليجية.
وكان من الملاحظ عقب التوقيع على المبادرة وتعاطي قوى الثورة معها باعتبار ما حدث أزمة سياسية نتيجة القبول بصيغة توافقية أزاحت رأس النظام السابق وحكمه، ولكنها أبقت على الحزب الذي يرأسه في المشهد السياسي، ولم تخل هذه الصيغة التوافقية من عراقيل قوية ومؤثرة على الأرض، وبرغم أن الثورة اليمنية أطاحت بالرئيس السابق من موقع رأس السلطة، لكنها دخلت في منعطفات خطرة ومرحلة جديدة تتطلب خلق الاستقرار والتوافق على أسس الدولة الجديدة.
وأدى بطء عملية التحول السياسي في الفترة الانتقالية التي تم التمديد لها وفشل تطبيع الأوضاع الداخلية للبلاد إلى إغراء الرئيس السابق والقوى الحليفة له المناهضة لخصومه كجماعة الحوثي التي تنتهج العنف في شمال الشمال والقاعدة في الجنوب، إلى الوقوف دون إنجاح نقل السلطة في المرحلة الانتقالية، وثبوت وقوفه وراء استهداف المنشآت والمصالح العامة، وإمداد جماعات العنف والتخريب بالمال والسلاح، ونشر الفوضى وسلسلة الاغتيالات التي طالت العديد من القادة والضباط والعسكريين.
وقد غدت المبادرة وإجراءاتها وما تلاها في الجملة عبارة عن عامل مساعد لهضم وتفتيت القوى الثورية وتغييبها عن المشهد واستبدالها بقوى جديدة كما هو عليه الحال مع حزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي والفاعل في الساحة والثورة، الذي يستند إلى مراكز قوية في اليمن، والتي من أهمها علاقته بالجنرال علي محسن الأحمر الرجل الذي يتمتع بسلطة وتأثير ونفوذ كبير على مستوى القبيلة والمؤسسة العسكرية والأمنية، إضافة إلى علاقة الحزب بكبار مشايخ اليمن وعلى رأسهم “مشايخ آل الأحمر” في قبيلة حاشد، الذين جرى استهدافهم مؤخرًا عن طريق دعم الرئيس السابق صالح لخصومهم، وتحالفه مع جماعة الحوثي التي أمدها بالمال والسلاح والعتاد، ما أتاح لها سرعة الانتشار والتمدد في الجغرافيا اليمنية من الشمال إلى الجنوب.
وشكل المسار السياسي الذي آلت إليه الثورة الشعبية السلمية في اليمن، التي أطاحت بالرئيس السابق علي عبد الله صالح، الخيار الأمثل لنفوذ القوى الدولية والإقليمية، والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي دعمت ورعت منذ ثلاث سنوات ونيف “المبادرة الخليجية” لاحتواء الانتفاضة الشعبية، التي شكلت النموذج الوحيد بين بلدان الربيع العربي، وحظي بإجماع ودعم الدول الكبرى، إلى حد وضع الحالة اليمنية تحت الفصل السابع، في خطوة فسرها مراقبون على أنها تحالف لحماية المصالح.
ولم يتوقف الأمر بالنسبة لقوى النفوذ الإقليمية والدولية في اليمن عند احتواء الثورة الشعبية السلمية، بل تعداه إلى اختطاف القرار السياسي والسيطرة على المشهد في اليمن برمته، والتحرك والعمل تحت غطاء رعاية الدول العشر للمرحلة الانتقالية، ورداء تنفيذ المبادرة الخليجية والإشراف على مجريات الحوار الوطني، بهدف تمرير حزمة من الأجندة والأهداف وتنفيذها، ليتكشف الأمر في نهاية المطاف عن حالة تغول للنفوذ الإقليمي والدولي في اليمن.
وتحت كنف الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية في غضون الفترة الانتقالية، التي لم يعد يدور الحديث بشأنها وحولها تم القضاء بصورة دراماتيكية على ما تبقى من هامش للدولة في اليمن، وإشعال الحرب الأهلية وتغذيتها، وتصفية الثورة الشعبية السلمية واستهداف رموزها ومكوناتها، وتهجير السلفيين من مركز دار الحديث بدماج، وتصعيد جماعة الحوثي التي استدعت بدورها إيران للمشهد.
إيران وصعود الحوثيين
بدا لافتًا منذ أن تولى الرئيس اليمني الجديد عبد ربه منصور هادي مقاليد الحكم والسلطة في البلاد كرئيس توافقي في شباط/ فبراير 2012م، مهاجمته للتدخل الإيراني في الشأن اليمني، متهمًا إيران بدعم جماعة الحوثي والحركات الانفصالية في الجنوب، لكن لم يكن ليحدث كل ذلك إلا في ظل الرعاية الأممية والدولية، الذي كشفت عنه مسرحية سقوط العاصمة صنعاء في يد الحوثيين وأحداثها.
فقد انهالت وتركزت التصريحات يومها من لدن الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والدول الراعية للمبادرة الخليجية عقب دخول الحوثيين صنعاء واستلام مخازن الأسلحة حول دعوة الأحزاب السياسية في اليمن للتوقيع على ما سمي اتفاق السلم والشراكة؛ وكأن صنعاء لم تسقط وما حصل مجرد خلاف بين أطراف سياسية متكافئة.
وسرعان ما دخلت اليمن في أتون صراعٍ إقليمي بشدة منذ سقوط العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر الماضي 2014م في يد الحوثيين، ووصل فيها الوضع السياسي إلى أفق مسدود، باستقالة رئيس الدولة ورئيس الوزراء في كانون الثاني/ يناير2015م، تحولت اليمن إثر ذلك إلى ساحة عمليات عسكرية لدول التحالف العربي، الذي تشكل من عشر دول هي كل دول الخليج، ما عدا سلطنة عمان، إضافة إلى الأردن ومصر والسودان والمغرب ومعها باكستان، مما كشف عن حجم القلق من التمدد الإيراني في المنطقة.
ولعل ما فاقم من حالة القلق من التمدد الإيراني وبروزه للسطح لدى دول الخليج وبعض الدول العربية هو خفة الحوثيين المستهترة في التعامل مع المملكة العربية السعودية ومصالحها في اليمن، حيث لم يعمل الحوثيون على طمأنة مخاوفها، متجاوزين ذلك بتمكين إيران من أمور حيوية في اليمن، مثل تسليم ميناء الحديدة في 13 آذار – ثاني مارس 2015م – أكبر ميناء في اليمن – إلى شركة إيرانية.
وانتقل الحوثيون في اليمن بعدها إلى مرحلة الاستفزاز من خلال مناوراتهم العسكرية على حدود المملكة العربية السعودية، وتصريحات قيادات الصف الأول المعادية للسعودية إلى درجة هزلية، مثل الحديث عن اجتياح الرياض واسترداد الأراضي اليمنية المغتصبة حد قولهم، فضلًا عن إغلاق نافذة الحوار ورفض دعوات إقامته في الرياض ثم الدوحة.
وعزز من حالة تنامي القلق وتموضع الصراع الإيراني السعودي في اليمن خطأ الحسابات الإيرانية، التي اعتمدت على حليف جامح وصعوده المفاجئ، ولكونه مفاجئًا فهو ليس دليلًا على قوته الحقيقية، بل على ظروف سياسية وقتية ومرتبطة في شكل كبير بالتحالف المؤقت مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وحزبه المؤتمر الشعبي العام.
عدا أن مسارعة طهران في كسب موقع قدم لها في اليمن، وعدم تهدئة جموح الحوثيين وتنامي صعودهم العسكري، تصورت واهمة أن هناك إمكانية لفرض سلطتهم على اليمنيين بقوة السلاح، بدا ذلك جليًا من خلال تعليقات المحللين والسياسيين الإيرانيين، وأن هناك جهلًا واضحًا لحجم تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي في اليمن.
وتعرض الإيرانيون إلى عملية تضليل واسعة من قبل حلفائهم الذين قالوا لهم إن الإمامة الزيدية حكمت اليمن لمدة ألف عام، ولها إرث سياسي طويل يمكن إحياؤه، وهذه معلومة تاريخية شائعة لكنها ليست صحيحة، كما أن هناك حقائق حيوية مثل سقوط النظام الإمامي في الستينات، الذي خلف وراءه ثارات تاريخية تتذكرها المجتمعات المحلية، التي تخشى من أي امتدادات لهذا النظام.
كما أن الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي انطلقت في شباط/ فبراير 2011م، قامت لإسقاط نظام استبدادي جهوي لليمنيين نتيجة خلفيته المناطقية المرتبطة بشمال صنعاء، وهي المناطق الزيدية نفسها، ويفسر ذلك الحراك الشعبي الواسع الذي شهدته المحافظات اليمنية ضد الحوثيين منذ سقوط العاصمة في 21 أيلول/ سبتمبر 2014، وشمل محافظات زيدية أصيلة مثل ذمار.
تدويل الصراع ومآلات الحرب
أضحت اليمن في الحقبة الأخيرة ساحة تنافس محموم لقوى النفوذ والهيمنة والصراع الإقليمي والدولي، ورشح إلى السطح في موازاة ذلك أنماط مختلفة ومتعددة من الصراعات في الداخل، التي تنوعت بين السياسي الحزبي والسياسي العقائدي، والاجتماعي الطبقي، والجغرافي المناطقي، والطائفي المذهبي، وصراع المصالح والنفوذ.
وبرغم حالة الفرز المعلن والصراع القائم اليوم في اليمن حاليًا بين من يعتبره بين إيران والسعودية من جهة ومن يقدره بين “الانقلاب” و”الشرعية” من جهة أخرى، فإن عوامل الصراع ومؤثراته لا تقف عند حالة معينة، نظرًا لكثرة المدخلات التي برزت إلى السطح وتعددها، بفعل حالة الاحتكاك وعوامل الارتداد التاريخية والمؤثرات الثقافية والفكرية والسياسية، وموجة الصراع والأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن في غضون الفترة الانتقالية.
وفي الجملة، فإن حاصل ما يجري في اليمن، يصعب تفسيره وحصره في سياق ومعطى معين، نتيجة كثرة المدخلات والمؤثرات، ويصح أن يقال عنه عدة حروب في حرب؛ فثمة حروب وصراعات غير مرئية وحرب ظاهرة معلنة وهي حرب التحالف العربي والسلطة الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية ضد معسكر الانقلابيين (صالح والحوثيين) وحليفهم الإقليمي الإيراني.
غير أن هذه الحرب تستبطن في مجموعها صراعات متعددة في الداخل مختلفة سياسيًا ومتداخلة اجتماعيًا وعقائديًا وجهويًا، بين الشعب اليمني وفئة تعمل لصالح أسرة طبقية بعينها، وبين حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحزب التجمع اليمني للإصلاح، والصراع بين الرئيس السابق صالح والحوثيين، والصراع بين الحوثيين وأهل السنة من مختلف المكونات إخوان مسلمين وسلفيين وغيرهم، والصراع السياسي بين الحراك الجنوبي الانفصالي ضد مؤيدي الوحدة من كافة الأطراف السياسية والمجتمعية.
يتوازى مجموع هذا الصراع ويتقاطع في الداخل اليمني، مع التدخل العسكري وصراع النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي للقوى الغربية بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية فيما بينهم وصراع بعض الأنظمة والدول العربية الشقيقة ضد ما يسمى الإسلام السياسي، والحرب العالمية على ما يسمى الإرهاب والقاعدة وداعش.
على أن العنوان الأبرز في المحصلة، هو ما يحيط بهذه الصراعات وهذه الحرب كلها: الحرب العالمية على الإرهاب المزعوم، والذي تنسق له غرف العمليات الأمريكية في عواصم المنطقة، ويحاول الجميع إثبات جدارته بالمشاركة فيها بأشكال وصور شتى، حتى ولو كانت فاتورتها باهظة من عقيدة الأمة ودماء الشعوب.
وإزاء هذه المعطيات الآنفة الذكر يبدو من الصعوبة بمكان التكهن والتنبؤ بمآلات الصراع القائم ومجرياته، كون هذه الحروب الجارية مذ سنوات في اليمن وسوريا وليبيا يبدو أنها صممت خصيصًا ضد ثورات الربيع العربي والشعوب العربية، التي تطلعت للحرية والمشاركة السياسية والتغيير، تختلف فقط في التفاصيل والخلاصة واحدة، مؤداها التخيير بين الأنظمة العربية المستبدة أو الحروب الطائفية.
ولا غرابة أن يكون موقف القوى الدولية والعالم الخارجي ومعهم دول الإقليم أقرب في التعامل مع الصراع والحرب الدائرة في اليمن اليوم من منطلق “إدارة أزمة” لا من منطلق “حل أزمة”، وهنا تكمن الخطورة، فإدارة الأزمات قد تستمر لعقود كما هو عليه الحال في التعامل مع القضية الفلسطينية أو الصومالية، والفرق بين المنطلقين هو أن العالم لن يبذل جهدًا كبيرًا لحل الأزمة – طالما الأطراف المعنية نفسها لا تسعى للحل بجدية – بل سيتعامل معها كواقع وبما يجنبه أضرارها فقط حتى ينضج حل سياسي بين الأطراف المتصارعة نفسها.