بينما يتابع العالم بشغف فعاليات النسخة الخاصة من بطولة (كوبا أمريكا) لكرة القدم، التي تستضيفها الولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الاتحاد اللاتيني للعبة، ينشغل أبناء الدولة المضيفة بمتابعة رياضات أخرى لطالما مثلت الجزء الأهم من الثقافة الرياضية التاريخية في البلاد، فألعاب ككرة القدم الأمريكية، البيسبول، الهوكي على الجليد، والغولف، إضافةً إلى كرة السلة، لطالما شغلت الحيز الأكبر من اهتمام المواطن الأمريكي على حساب كرة القدم التقليدية، التي لا تُعد اللعبة الشعبية الأولى في بلاد العم سام، بعكس أغلب دول وقارات العالم.
وفي تقريرنا التالي، سنسلط الضوء على ماهية الألعاب الرياضية الـ 4، التي نشأت وتطورت وعرفت رواجًا وشعبيةً هائلةً في دول أمريكا الشمالية، ولا سيما الولايات المتحدة، وذلك بعد أن تعرفنا على المكون الخامس من مكونات الثقافة الرياضية الأمريكية، ألا وهي لعبة كرة السلة، من خلال تقرير سابق نُشر في نون بوست، تحت عنوان: كرة السلة بين قُفة الخوخ وملاعب NBA
1- كرة القدم الأمريكية (American Football)
جانب من منافسات دوري كرة القدم الأمريكية NFL
نشأة اللعبة:هي لعبة أمريكية الأصل، كانت تُمارس منذ القرن الـ 19 تحت اسم (الركبي)، ولكنها انفصلت عنها منذ بدايات القرن الـ 20 واتخذت اسمها الحالي.
ماهيتها:تتشابه مع كرة القدم التقليدية في ناحيتين فقط، هما أبعاد الملعب (110×48( وعدد اللاعبين (11 لكل فريق)، وتختلف عنها تمامًا في طريقة اللعب، حيث يرتدي لاعبو الفريقين لباسًا خاصًا يخفف من آثار الصدمات، ويضعون على رؤوسهم خوذًا واقية، وتبدأ اللعبة بوقوف لاعبي الفريقين في وسط الملعب بشكل متقابل، حيث يحمل لاعبو الفريق المهاجم الكرة ذات الشكل المفلطح بأيديهم، ويتناقلونها بينهم في محاولة لتسجيل النقاط عبر إيصال الكرة حتى خط نهاية الفريق المنافس، وسط ممانعة عنيفة من قبل لاعبي الفريق المدافع، ويمكن إحراز النقاط بطريقة أخرى عبر ركل الكرة عاليًا بالقدم لإدخالها بين عمودي مرمى الخصم.
أبرز بطولاتها: يعتبر الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية NFL هو الأشهر من نوعه في العالم، وهو يقام سنويًا بشكل منتظم منذ عام 1920، ويتضمن 32 فريقًا مقسمين على مجموعتين في كل منهما 16 فريقًا، وفي نهاية الموسم يتواجه بطلا القسمين في المباراة النهائية التي تُدعى بمباراة (Supper Ball)، والتي تُقام مطلع شهر فبراير من كل عام، وتُعد الحدث الرياضي الأبرز في الولايات المتحدة من حيث المتابعة الجماهيرية.
انتشارها: تفوقت كرة القدم الأمريكية على البيسبول خلال السنوات الـ 20 الأخيرة، لتصبح اللعبة الشعبية الأولى في الولايات المتحدة دون منازع، فيما لا تحظى بشعبية كبيرة خارج الولايات المتحدة، رغم وجود دوريات لممارستها في عدة دول كالبرازيل، المكسيك، نيوزلندا، اليابان، ألمانيا، إيطاليا، وإسبانيا.
2- البيسبول (Baseball)
البيسبول في أمريكا أكثر من مجرد لعبة
نشأة اللعبة: يُختلف في أصل هذه اللعبة، حيث ينسبها البريطانيون لأنفسهم نظرًا لشبهها بلعبة الكريكيت، ولكن الأمريكيين لا يعترفون بذلك ويعتبرونها لعبةً أمريكيةً أصيلة، حيث تُعد أول رياضة جماعية مسجلة ومعتمدة رسميًا من قبل الحكومة الأمريكية، وذلك منذ عام 1846.
ماهيتها: تُقام اللعبة ضمن ملعب عشبي أو ترابي مسور يتضمن 4 قواعد (مقرات)، حيث تبدأ المواجهة بالقرعة التي تُحدد مهمة لاعبي كل فريق (وعددهم 9 على الأقل)، فيتولى أحد أعضاء فريق الرماة قذف الكرة البيضاء الثقيلة بيده نحو أحد أعضاء الفريق المنافس، الذي يمسك بمضرب خشبي يحاول من خلاله ضرب الكرة بعيدًا نحو الأعلى، حيث يخرج بقية أعضاء الفريقين من قواعدهم، في محاولة لتلقف الكرة الساقطة عبر قفاز كبير يرتدونه في أكفهم.
أبرز بطولاتها: يعتبر دوري البيسبول الأمريكي MLB أقدم دوري رياضي في تاريخ الولايات المتحدة، فهو يُقام بشكل منتظم منذ عام 1903، ويتألف من 30 فريقًا ثابتًا يمثل 29 ولايةً أمريكيةً إضافةً إلى فريق تورنتو الكندي، ويبلغ الفريقان الأوليان المرحلة النهائية التي تتألف من 7 مباريات، يحقق البطولة من يفوز بـ 4 منها.
انتشارها: تُسمى البيسبول في الولايات المتحدة بالرياضة الوطنية، وقد كانت حتى أواسط التسعينات تحتل صدارة الرياضات الأكثر شعبيةً في البلاد، إلى أن تخطتها كرة القدم الأمريكية، وتحظى البيسبول بانتشار كبير في معظم الدول المجاورة لأمريكا، ككندا، المكسيك، كوبا، بورتوريكو، الدومنيكان، بنما، وفنزويلا، كما تحظى بشعبية لا بأس بها في بعض دول شرق آسيا، كاليابان، كوريا، وتايوان.
3- هوكي الجليد (Ice Hockey)
جانب من إحدى مباريات هوكي الجليد في دوري أمريكا الشمالية
نشأة اللعبة:يعود أصل هذه اللعبة إلى كندا، حيث كانت تُمارس على البحيرات الجليدية منذ أواسط القرن الـ 19، قبل أن تُلاقي رواجًا في بعض الولايات الأمريكية الشمالية المتاخمة لكندا مطلع القرن المنصرم.
ماهيتها: تُقام اللعبة على ملعب جليدي مسقوف، ويتألف كل فريق من حارس مرمى و5 لاعبين، يحمل كل منهم عصا لدفع وتمرير قرص يُدعى (Puck)، في محاولة لإدخاله في مرمى حارس الفريق المنافس، ويرتدي جميع اللاعبين لباسًا خاصًا، مع وضع خوذ واقية على رؤوسهم، وانتعال زلاجات في أقدامهم.
أبرز بطولاتها: يُعتبر دوري أمريكا الشمالية للهوكي NHL الأشهر والأقدم من نوعه على مستوى العالم، حيث انطلق عام 1917، وهو يتألف حاليًا من 23 فريقًا أمريكيًا و7 فرق من كندا، ويحصل الفائز باللقب على كأس تاريخية تُدعى (كأس ستانلي).
انتشارها:تنامت شعبية هوكي الجليد في أمريكا خلال تسعينات القرن الماضي، لتحتل المركز الرابع في ترتيب أكثر الرياضات شعبيةً في البلاد، بعد كل من كرة القدم الأمريكية والبيسبول وكرة السلة، كما تحظى الهوكي بشعبية كبيرة لدى بعض الدول الأوروبية ذات المناخ البارد، كروسيا وفنلندا والنرويج، كما تُمارس في بعض الدول العربية ولا سيما الخليجية، كالإمارات والكويت وعُمان، حيث تُقام ضمن صالات مبردة معدة خصيصًا لهوكي الجليد.
4- الغولف (Golf)
الأمريكي تايغر وودز أشهر لاعبي الغولف في التاريخ
نشأة اللعبة:تُعتبر إسكتلندا هي الموطن الأصلي للعبة الغولف بشكلها الحالي، حيث عُرفت فيها أواسط القرن الـ 18 قبل أن تنتشر في بقية دول أوروبا والعالم، ولو أن لعبة كرة الصولجان الشبيهة التي كان يُمارسها الفرسان على صهوات جيادهم، عُرفت قبل ذلك بمئات السنين في بلاد الفرس والعرب.
ماهيتها: هي لعبة فردية، تُمارس في الهواء الطلق على مساحات كبيرة من العشب قد تبلغ حوالي 7 كيلومترات، حيث يمسك اللاعب بعصا ذات رأس مدبب، ويضرب كرة الغولف المطاطية الصغيرة، محاولًا إيلاجها ضمن أقرب حفرة في الأرض بأقل عدد من المحاولات.
أبرز بطولاتها:على مبدأ لعبة التنس وأغلب ألعاب الكرات الفردية، تُقام مجموعة بطولات سنوية للغولف في عدد من دول العالم، يربح من خلالها اللاعبون المشاركون عددًا من النقاط، تساهم في تحسين مركزهم ضمن التصنيف الشهري الذي يصدره الاتحاد العالمي للعبة، والذي يُعد أسطورة الغولف الأمريكي تايغر وودز أشهر من تصدره عبر التاريخ.
انتشارها: تتفوق الغولف على كل من التنس، المصارعة الحرة، الملاكمة، وسباقات السيارات، باعتبارها الرياضة الفردية الأكثر شعبيةً في الولايات المتحدة، وتحظى اللعبة بانتشار مقبول في بعض دول غرب أوروبا وأستراليا، إضافةً إلى ممارستها في دول الخليج العربي، كما تُعد العراق من أوائل دول العالم التي مورست فيها لعبة الغولف، وذلك خلال أربعينات القرن الماضي.
أسباب ضعف انتشار الرياضات الأمريكية عالميًّا
ملعب جوي لويس للهوكي في مدينة ديترويت الأمريكية
على الرغم من الرواج الذي تلاقيه بعض الرياضات الأمريكية ال4 السالفة الذكر في عدد من دول العالم المتفرقة، إلا أن ذلك الانتشار يبدو ضعيفًا ومحدودًا إذا ما قورن برياضات أخرى، ككرتي القدم والسلة، والكرة الطائرة وكرة اليد، وغيرها من الألعاب الرياضية التي تتفوق من حيث الانتشار والشعبية العالمية على كرة القدم الأمريكية والبيسبول وهوكي الجليد والغولف، وذلك لأسباب نلخصها فيما يلي:
التكاليف:يقف ارتفاع تكاليف ممارسة الرياضات الأمريكية الـ 4، من ملاعب ومعدات وتجهيزات، حائلًا دون انتشارها في البلدان ذات المستوى الاقتصادي المتوسط والضعيف.
القوانين المعقدة: تتسم أغلب الرياضات الأمريكية بقوانينها المعقدة العصية على الفهم، فلعبة كالبيسبول يصعُب فهم ماهيتها وطريقة لعبها على غير المواطن الأمريكي، الذي ما كان ليهضمها بدوره لولا أنه تلقى تعاليمها على مدى سنوات دراسته.
العوامل الطبيعية: كثير من الألعاب الأمريكية تحتاج إلى طبيعة خاصة قد لا تكون متاحةً في معظم دول العالم، فرياضة الغولف تحتاج إلى مساحات خضراء شاسعة، وهوكي الجليد تحتاج إلى مناخ قطبي بارد.
الجذور التاريخية: تعتبر ألعاب البيسبول وكرة القدم الأمريكية وهوكي الجليد جزءًا من الثقافة التاريخية للشعب الأمريكي، شأنها شأن مصارعة الثيران في إسبانيا، والكريكيت في بريطانيا، ولهذا حافظت تلك الرياضات على شعبيتها العارمة هناك، بعكس الأمر لدى بلدان أخرى لا ترتبط فيها تلك الرياضات بأية جذور تاريخية.
الإعلام والأموال: تحظى الرياضات الأمريكية الـ4 إضافةً إلى كرة السلة، بتغطية إعلامية لا مثيل لها بين الرياضات الأخرى من قبل وسائل الإعلام الأمريكية الثرية، بعكس الحال لدى أغلب دول أوروبا والعالم، التي لا تشكل تلك الرياضات فيها وزنًا إعلاميًا يُذكر بالمقارنة مع كرة القدم، ومن المعلوم أنه حيث يوجد الإعلام توجد الأموال والثروات والإيرادات الضخمة، التي تساهم في دعم وترويج تلك الألعاب لتحافظ على شعبيتها وانتشارها.