*شاركت بكتابة التقرير آشلي روبنسون
ترجمة وتحرير نون بوست
نجحت ثورات الربيع العربي التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط بالإطاحة بثلاثة ديكتاتوريات، في تونس ومصر وليبيا في عام 2011، حيث اُعتبرت تلك الثورات نقطة محورية في تاريخ تلك الأمم، وعلى الرغم من “الشتاء العربي” الذي أعقب الربيع، إلا أن احتجاجات الشباب السلمية صاغت مشاهد بطولية، وأظهرت مدى قوة الشعب في التحرك ضد الوضع الراهن ولمواجهة قبضة الأنظمة القمعية.
بعد النجاح الأولي والقصير لثورات الربيع العربي، تساءل الكثير من المراقبين: “لماذا لم يقم ربيع سوداني؟”، رغم أن أزمة السودان لا تقل ضراوة أو استدامة عن تلك التي عانت منها بلدان الربيع العربي، فضلًا عن أن دولتين من دول الربيع العربي، مصر وليبيا، تتمتعان بحدود مع السودان.
كان الرئيس السوداني عمر البشير سريعًا بالإجابة على هذا السؤال، مدعيًا بأن انقلابه قبل 27 عامًا كان الإصدار السوداني من الربيع العربي، “هؤلاء الذين ينتظرون قدوم الربيع العربي سينتظرون لوقت طويل”، قال البشير.
يرى البشير بأن السودان شهدت ربيعها العربي من خلال الثورة البيضاء التي قادها، والتي أسفرت عن انتخاب حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي الديمقراطية في 30 يونيو 1989، وبهذا المنطق، أثار البشير دهشة الكثيرين سواء داخل السودان أو في مختلف أنحاء العالم.
رواد الانتفاضات
في الوقت الذي يعرب فيه الشعب السوداني عن إعجابه بالربيع العربي، إلا أنه يتبرّم من سؤاله عن سبب تقاعسه في اتباع حذو بلدان الربيع العربي؛ فالسودانيون يعتقدون بفخر بأنهم رواد فن الانتفاضات الشعبية في المنطقة، حيث سبق لهم وأن نجحوا في إسقاط ديكتاتوريين عسكريين من خلال الانتفاضات الشعبية، أولهما نظام الجنرال إبراهيم عبود في أكتوبر 1964، والثاني نظام الجنرال جعفر النميري في أبريل 1985.
وكما كان عليه الحال في انتفاضة أبريل 1985، يقود الطلاب السودانيون الطريق اليوم لتأسيس زخم الربيع العربي؛ فكما يقول مستور محمد، الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني حيث ينبغي أن يُنظر للاحتجاجات الطلابية التي نشبت في نيسان الماضي باعتبارها حلقة في سلسة الثورة الناجحة المستمرة، وليس مجرد جيب عشوائي من الاضطرابات.
على أرض الواقع، مارس الشعب السوداني جهودًا حثيثة لاختراق سقف النظام القمعي؛ ففي يناير 2011، طالب المتظاهرون المناهضون للحكومة، الذين استوحوا إلهامهم من حركات “الربيع العربي” في تونس ومصر، برحيل النظام، وحينها قوبل المتظاهرون السلميون باستخدام النظام المفرط المعتاد للقوة، ولربما طغت حادثة انفصال جنوب السودان حينها على مطالب المحتجين.
نشبت المظاهرات مرة أخرى في ديسمبر من عام 2011، عندما نظّم طلاب جامعة الخرطوم اعتصامًا ناجحًا، وفي تلك الفترة أسفر اطراد الهشاشة الاقتصادية والسياسية إلى فرض الحكومة لتدابير التقشف، وحينها استحضر الإعلان عن تلك التدابير المتظاهرين مرة أخرى إلى الشوارع في صيف عام 2012.
في عام 2013، أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى زيادة الغضب والاحتقان الشعبي؛ مما أسفر عن انتفاضة شعبية في سبتمبر من عام 2013، تلك الانتفاضة التي شكّلت معلمًا أساسيًا في سعي السودان للحرية والكرامة، وحينها اشتعل فتيل الانتفاضة في مدينة نايلة بدارفور، لتجتاج البلاد بأكملها فيما بعد.
ومرة أخرى، قوبل المتظاهرون بحملة ثقيلة ودموية، حيث تسبب جهاز المخابرات الوطني سيء السمعة بمقتل أكثر من 200 متظاهر سلمي.
اختراق جدار الخوف
لا يمكن لجراح السودان الناتجة عن مآسيها السابقة أن تلتئم لطالما سُمح لأولئك الذين يُلحقون بها الظلم بالإمعان بظلمهم بدون عقاب، وطالما استمر المجتمتع الدولي بإطلاق وعود السلام الفارغة والمحنوثة.
مع تآكل تكتيكات النظام القديم على نفسها من الداخل، يشعر أولئك الذين يقبعون خارج دائرة النظام بتدهور أوضاعهم؛ فأولئك الأشخاص الذين سبق واستفادوا من السياسات غير المنصفة لنظام البشير يشعرون بتقلص آفاقهم؛ لذا فإنهم يُكسون منافساتهم العرقية السابقة بالمزيد من الوجاهة والتعاطف.
يقول طالب من جامعة الخرطوم، وهو أحد الناشطين البارزين ضد ما يسمى بسدود الفساد:”أضحى الطلاب الناشطون الآن على علم تام بتكتيكات النظام، ولا يمكن أن يتم تفرقتهم بناء على أساليب التمييز العنصري أو لأي أسباب أخرى”.
من جهته، يقول محمد من حزب المؤتمر السوداني بأن الطلاب حجّموا هول “جدار الخوف”، “إنهم يخاطرون بحياتهم، لقد التقط الطلاب قنابل الغاز المسيل للدموع قبل أن تنفجر وألقوا بها في وجه القوات المسلحة، لذلك فإنهم يقاومون، ولا ينسحبون”، قال محمد.
وإجابة على سؤال عن سبب خرق الطلاب لـ”جدار الخوف”، قال آدم موسى، أحدة قادة ائتلاف تجمع طلال دارفور: “ليس لدينا خيار آخر، الناس يشعرون بالمرارة، العنف المفرط والمستمر الذي يمارسه النظام، وصدماتنا المستدامة المتراكمة، حفّزتنا على الرد “.
لا يمكن للسودان أن تصبح دولة فاشلة
يحوز السودان أهمية جغرافية مميزة في المنطقة، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، وفي جهود التدخل الإنساني لمنع هجرة الأشخاص عبر حدود السودان التي يسهل اختراقها.
وجود سودان موحد هو أمر حيوي ومحوري لتحقيق استقرار وأمن المنطقة، ولكن مع ذلك، تستمر السياسات والقيادة الحالية للبلاد في إثارة استياء شعب السودان، وفي خضم ذلك، أحجمت وسائل الإعلام العربية عن تغطية تطلعات وجهود الشعب السوداني بذات القدر الذي غطت تطلعات شعوب بلدان الربيع العربي المجاورة.
أضحت السودان اليوم في أمسّ الحاجة لتحول ديمقراطي جديد ولسلام شامل يجنبها السيناريوهات السلبية التي عانت منها ليبيا وسوريا، ولعل اهتمام وسائل الإعلام بالتطلعات السودانية سيكون قادرًا على توفير رؤى قوية حول كيفية تجنب بزوغ ديكتاتورية أخرى مشابهة لديكتاتورية البشير في السودان، وذلك بالاستفادة من تجارب الفوضى التي عاثت فسادًا في بلدان “الشتاء العربي”.
فشلت جامعة الدول العربية حتى الآن بالإصغاء لقوى المعارضة والمجتمع المدني السوداني، على عكس الاهتمام الذي وجهته للشعب السوري، ومن هنا يجب التأكيد على ضرورة إصغاء دول الجامعة لقوى التغيير السوداني، لأن الشعب السوداني سينجح في النهاية في إحداث التغيير، تمامًا كما فعل في عامي 1964 و 1985.
ولكن يبقى السؤال المطروح: ما هو الدور الذي سوف تلعبه الدول العربية في فلك نهضة دولة السودان المحورية؟
المصدر: الجزيرة الإنجليزية