تعد صناعة الأدوية من أهم الصناعات في العالم فهي من ناحية ترتبط بحياة الإنسان وصحته ومن ناحية أخرى لها تأثير في اقتصاديات الدول، إذ يبلغ حجم مبيعات سوق الدواء في العالم قرابة الترليون دولار تستحوذ الشركات الأمريكية على 30% منها والشركات الأوروبية على 30% واليابانية على 21% والباقي موزع على بقية دول العالم.
لا تزال صناعة الدواء العربية لا ترقى لمستوى الصناعة الأجنبية، إذ تعاني من العديد من المشاكل من أهمها افتقار الوطن العربي لمراكز الأبحاث والتطوير التي من خلالها يتم تصنيع المادة الدوائية الخام واكتشاف أمصال جديدة للأمراض، والأمر الآخر الاعتماد على الأدوية الأجنبية وعدم تشجيع مصانع الأدوية الوطنية بالشكل المناسب الذي يجعلها تنافس الدواء الأجنبي وتتكامل مع مصانع عربية أخرى، فضلاً عن موجة الاحتكار والاستحواذ من مصانع الأدوية الأجنبية للمصانع العربية بهدف توسيع أسواق تصريفها في المنطقة العربية.
فإذا ارتفع سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار ارتفعت معه أسعار الدواء بشكل متفاوت ما يضر الطبقة الفقيرة التي بالكاد تستطيع الحصول على الدواء؛ فتلجأ فئة كبيرة لتناول الأدوية المزيفة والعلاج الطبيعي الذي يرتكز على الأعشاب والتي تلقى رواجًا كبيرًا في الأسواق العربية لأنها أرخص ثمنًا.
الوضع لا يقتصر فقط على مصر بل يتعدى معظم الدول العربية، فالتقارير تؤكد أن 65% إلى 80% من الأدوية هي مستوردة من الخارج بينما الباقي تصنع في المصانع العربية وحتى التي تصنع في المصانع الوطنية تكون المادة الخام مستوردة، لذا فإن أسعار الدواء دائمًا ما تكون تحت رحمة الشركات العالمية وتقلبات أسعار الصرف، فما إن يرتفع سعر صرف اليورو أو الدولار أمام العملات العربية حتى ترتفع معه تكاليف تصنيع الدواء وينعكس بشكل مباشر على ثمنه في الأسواق.
والأدهى من هذا وذاك هو ما تقوم به بعض شركات الأدوية في المنطقة العربية من تجفيف الأسواق من دواء معين بهدف رفع سعره كما حدث في أحد الأعوام في مصر (قبل الثورة) عند اختفاء أدوية علاج القلب والأوعية الدموية والسكري والضغط من الأسواق المحلية والسبب بحسب تقرير لقطاع بحوث التسويق في وزارة التجارة المصرية كان رغبة الشركات المصنعة في رفع أسعارها.
صناعة الدواء في العالم وفي المنطقة العربية
تعد صناعة الدواء في العالم مربحة جدًا وتأتي بعد تجارة السلاح مباشرة حيث يبلغ حجمها ما بين 750 إلى ترليون دولار حسب تقديرات مختلفة، حيث بلغت حصة أكبر عشر شركات عقاقير طبية في العالم من هذه المبيعات ما يقرب من 429 مليار دولار ومن بينها خمس شركات أمريكية، والمنطقة العربية تعد من أكبر أسواق المنطقة استهلاكًا في العالم وتطمح كبرى شركات الأدوية دومًا إلى الاستثمار في هذا القطاع في العالم العربي سواء من خلال تأسيس فروع لشركاتها الأم في المنطقة أو بالاستحواذ على شركات وطنية، وخصوصًا مصر التي تغري جميع الشركات بسبب عدد سكانها الذي يناهز قرابة 90 مليون نسمة وبواقع معدل نمو سكاني 2.6% سنويًا.
وتعد الإمارات أكثر دول الخليج استهلاكًا للدواء وتعرف أسعار الأدوية في الخليج بأنها “ملتهبة” ويعود ذلك لقلة عدد مصانع تصنيع الأدوية في المنطقة مقارنة بحجم الاستهلاك، كما أن عملات الخليج مرتبطة بالدولار لذا فالأسعار مرهونة بسعر الصرف، وتستورد دول الخليج ما نسبته 80% من الأدوية من أوروبا، ويشتكي سكان الخليج من ارتفاع أسعار الأدوية.
تشير الأرقام أن الدول العربية تنتج ما قيمته 11 مليار دولار من الأدوية أي ما قيمته 3% من سوق الدواء في العالم، وينفق المواطن العربي نحو 40 دولارًا سنويًا على الدواء مقابل 600 دولار للفرد الأوروبي.
وخلال السنوات الماضية ارتفع الطلب على الأدوية الأردنية ارتفاعًا ملحوظا حيث تصدر شركات الأدوية الأردنية 80% من منتجاتها إلى الدول العربية وتشير التوقعات بارتفاع صادرات الأدوية الأردنية إلى مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة.
ومن حيث التأمين الصحي الذي يعد في الدول الغربية مثالاً على الرفاهية فإنه يعتبر في بعض البلاد العربية حلمًا يراود المواطن العربي فنسبة 70% من سكان اليمن لا يحصلون على التأمين الصحي وتعتبر اليمن الدولة الأقل إنفاقًا على الصحة عربيًا بمعدل 20 دولارًا للفرد سنويًا، وفي الجزائر هناك ما يقارب 7 ملايين مواطن لا يتمتعون بالتأمين الصحي وفي السعودية يوجد 10 ملايين شخص يشملهم التأمين من أصل عدد سكان السعودية وفي الأردن يعتبر 85% من السكان مشمولين بالتأمين الصحي وتعد قطر الأولى عربيًا في الإنفاق على الصحة بمعدل 1700 دولار لكل مواطن سنويًا، ويحظى كل مواطني قطر بالتأمين الصحي.
وبحسب تقارير فإن نفقات التأمين الصحي في الدول العربية تجاوزت أكثر من 30 مليار دولار سنويًا وهو مبلغ كبير جدًا وعلى الرغم من ارتفاع فاتورة الصحة في البلاد العربية إلا أن المواطنين يشكون من سوء تطبيق البرامج الصحية وغلاء الأدوية وسوء الخدمة الطبية، وعادة يشمل التأمين الصحي تكاليف الفحص والتشخيص والعلاج النفسي والبدني بينما يشمل برنامج التأمين الصحي في فرنسا أكثر رعاية صحية للمريض حيث يشمل إعانة العائلات والتكفل بالنساء الحوامل.
أسعار الدواء الباهضة
طبقت الدول الخليجية في العام الماضي 2015 سياسة توحيد أسعار الأدوية مما أدى إلى هبوط ملحوظ في فاتورة الدواء، ففي قطر تم توريد أسعار الأدوية في جميع الصيدليات لذلك لا يوجد أي تفاوت في أسعار الأدوية، ويحفز مجلس التعاون الخليجي الصناعة المحلية للأدوية للنهوض أكثر بهذه الصناعة.
بينما لا تزال أسعار الدواء في المناطق التي تشهد صراعات وعدم استقرار كما في مصر وسوريا والعراق واليمن تشهد ارتفاعًا لأسباب عديدة منها ارتهان الأدوية بسعر الصرف لأنها مستوردة وقلة المعروض من الدواء من ناحية أخرى، فضلاً عن احتكار التجار والشركات الأجنبية لقطاع الأدوية في بعض الدول العربية مستغلة استشراء الفساد وعدم الاستقرار السياسي.
ما الحل؟
من الضروري وضع تشاريع خاصة بالدواء العربي يوحد آلياته ويحميه من الغزو الخارجي الذي يتمتع بكل المقومات التي تمكنه من السيطرة على مجريات السوق، كما أنه لا بد من وضع قوانين محددة لتداول الدواء الأجنبي داخل البلاد العربية فلا معنى لإغراق الأسواق العربية بالدواء الأجنبي ما يهدد صناعة الدواء العربية.
إقامة مراكز أبحاث الدواء لمجاراة التقدم العلمي في العالم وربطها بالجامعات ومصانع الأدوية ودعمها برأس المال الكافي الذي يؤهلها للقيام بدورها على أكمل وجه فهذا سيمكن مصانع الأدوية الوطنية من الاعتماد على نفسها أكثر وإنتاج دواء وطني مئة بالمئة، والجدير بالذكر أن نسبة إنفاق العالم العربي على البحوث لا تتجاوز 2% وهو ما أدى إلى تدهور أنشطة البحوث العلمية على اختلاف تخصصاتها ومجالاتها.