أشارت تقارير متعددة أن النظام السوري يستخدم غاز السارين في هجماته على المدنيين والمعارضة في سوريا.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتز في بداية الشهر الجاري، فإن القوات التابعة لنظام الأسد قامت بشن هجمات كيماوية على قوات تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) شرقي دمشق، على الرغم من الاتفاق الذي وقعه الأسد والذي يقضي بتفكيك كل الترسانة الكيماوية للنظام.
الأسد الذي قام بتوقيع اتفاقية التخلص من الأسلحة الكيماوية عام 2013، والتي تتعهد الدول الموقعة عليها بالتخلص من ترسانتها الكيماوية بشكل كامل، كان قد قام بالهجوم على غوطة دمشق متسببا في مقتل أكثر من 1400 شخص جراء اختناقهم بغاز السارين.
وإذا ما ثبتت صحة التقارير التي صدرت مؤخرا، فإن ذلك سيمثل فشلا جديدا للسياسة الغربية المتبعة في التعامل مع الأسد، ودليلا آخر على استمرار تجاهل انتهاكات النظام السوري ضد السوريين.
بينما نستمر في تلقي تقارير تؤكد استخدام الديكتاتور غاز الكلورين ضد شعبه، إلا أن الكلورين ليس أسوأ ما يستخدمه الأسد، على الرغم من آثاره المدمرة، خاصة إذا ما أُلقي في قنبلة برميلية، وهي الطريقة المفضلة من قبل الجيش النظامي.
فعلى سبيل المثال، استُخدم غاز الكلورين في مارس 2015 على قرية سرمين. قتل الهجوم عائلة بأكملها، بينهم ثلاثة أطفال صغار، وعندما قدم الدكتور محمد تناري، الذي قام بمعالجة الضحايا، شهادته أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أجهش الكثيرون من الحضور في البكاء! لكن ذلك لم يغير من موقف الأسد قيد أنملة، فقد استمرت الهجمات، حتى بعد إعلان “وقف الأعمال العدائية” في وقت مبكر من العام الجاري.
وعلى سوء غاز الكلورين وأثره الشديد، إلا أن ذلك يتضاءل بالمقارنة مع ما يفعله الأسد الآن من استخدام غاز السارين، والذي يُعد أكثر خطورة وأشد فتكا. المصادر الإسرائيلية التي أوردتها صحيفة هآرتز قالت إن الأسد يستخدم السارين لمنع المعارضة من الاستيلاء على القواعد الجوية قرب دمشق، كما ذكرت المصادر أن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الأسد السارين منذ الغوطة.
لكن الأسد قد يكون استخدم السارين قبل ذلك، ففي يوم 22 ديسمبر 2015، استخدم النظام غاز أعصاب من نوع ما في واحدة من ضواحي الغوطة أيضا: المعضمية. وقد انتشر لاحقا فيديو يصور الضحايا الذين يرتدون أقنعة غاز أو تتصل صدورهم بأنابيب شفط الدم من الرئتين.
لكن موعد الهجوم الأول لا يهم، لأن الحقيقة أن لدينا ادعاءات ذات مصداقية كبيرة (حتى لو لم تكن مؤكدة بنسبة 100٪)، على استخدام غاز السارين وغازات أعصاب أخرى في سوريا، وأن هذه الهجمات تزداد عنفا مع الوقت، وهذا تحديدا هو ما يفعله الأسد دوما، فقبل هجوم الغوطة كان الأسد يختبر المياه، وينفذ هجمات أكبر فأكبر حتى تعرضت الغوطة لهجومها، ولم ينتقم المجتمع الدولي أيضا. ويبدو أن الأسد قرر استخدام هذا التكتيك مرة أخرى، أن يراكم هجماته الواحدة تلو الأخرى لينظر إلى المجتمع الدولي وما إذا كان سينبس ببنت شفه.
إن الخطر من صمت المجتمع الدولي على احتفاظ الأسد بترسانته الكيماوية، واستخدامه غاز السارين في الهجمات ضد السوريين، لا يهدد فقط الشعب السوري والمنطقة، لكنه يهدد بإنهاء اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وهي أفضل ما توصل إليه المجتمع الدولي في مسعاه لتدمير هذه الأسلحة البشعة.
وإفلات الأسد من العقاب يعزز من فكرة أن الاتفاقية نفسها بلا معنى. لأن تعامل المجتمع الدولي مع الأسد يكشف أنه لا مبادئ تحكم تصرفاته.
الدولة الأكثر تضررا من ذلك لن تكون سوريا، بل الولايات المتحدة التي تتشدق دوما بالدفاع عن حقوق الإنسان وتقدم نفسها كحارس للقانون الدولي. فواشنطن الآن فقدت شرعية أن تقول للآخرين ما يجب فعله، هذه الشرعية التي تتآكل بشكل مضطرد على مدى السنوات الأخيرة، منذ أن استخدم الجيش الأمريكي الفسفور الأبيض في الفلوجة عام 2004، ومنذ بداية الحرب السورية وحتى الآن.
إذا ثبتت صحة تقارير استخدام الأسد أسلحته الكيماوية هذه المرة، فلن يكون من المبالغ فيه أن نقول أن العالم الآن يشهد انهيار اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة الكيماوية، وليس هذا بالأمر الهين.
المصدر: هآرتز + ميدل إيست آي