ترجمة وتحرير نون بوست
في مركز عمل مشترك وسط القاهرة، على بعد لا يتجاوز الـ15 دقيقة بالسيارة من نهر النيل، يعمل محمد أبو الحجاج على حاضنة خلايا جذعية، حيث يبدو الجزء السفلي من الآلة، والذي يضم المحركات، جاهزًا ومصنوعًا من الخشب المسوّد بالليزر، أما الجزء العلوي، المكان الذي ستتم ضمنه زراعة الخلايا الجذعية، فلم ينته بعد حتى الآن، لأن أجهزة الاستشعار المستعملة لتحديد درجة الرطوبة والحرارة وجودة الهواء ما زالت تخضع للتدقيق الجمركي، “هنا في مصر، إذا كنت تريد أن تصنع شيئًا، فالأمر يشبه تنقيبك عن كنز”، يقول أبو الحجاج، 29 عامًا.
يعمل أبو الحجاج بشكل منتظم في ورشة فاب لاب مصر، منزل المطورين الطموحين الذي أصبح حجر أساس لباكورة المشهد التكنولوجي الصغير والمتطور في مصر؛ فخلال السنوات الخمس التي أعقبت ما يسمى “ثورة التويتر” التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك من السلطة، انتشرت الشركات الناشئة، الحاضنات، والمستثمرين الرعاة، كالبراعم في العشب بعد الجفاف، “أظهرت ليّ الثورة ما يمكن للناس أن يحققوه عندما يعملون سويًا”، يقول هشام خضير، مهندس البرمجيات الذي ساهم في تأسيس فاب لاب في عام 2012.
أعضاء فاب لاب مصر يستخدمون آلة قطع الليزرفي 18 مايو في القاهرة.
عندما زرت الورشة في مارس، كان يوجد شابان يستريحان على الكراسي القماشية، يشاهدان مقاطع الفيديو على الهواتف المحمولة، وفي زاوية أخرى كان يوجد رجل يعبث بالأسلاك على طاولة عمل، وحينها قام عسير نبيل، 21 عامًا، أحد الأعضاء الأوائل ضمن الورشة، بعرض طائرة خشبية بدون طيار يعمل عليها، ثم رافقني ضمن باقي الورشة، ليعرض عليّ طابعة ثلاثية الأبعاد، قاطعة ليزر، آلة طباعة لوحات دوائر إلكترونية، وأنهى نبيل الجولة أمام رف تركيب، آلات ثقب، وآلات طحن، “أي آلة يمكنها أن تجرحك، تؤذيك، تحرقك، يمكن أن تجدها هنا”، قال نبيل.
أبقى اندلاع الثورة وأحداث العنف والقمع السياسي التي أعقبتها السياح والمستثمرين بعيدًا عن مصر، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن إلقاء اللوم على البيروقراطية في البلاد للوضع الاستثماري السيء الذي تشهده، ناهيك عن التعامل مع سلطات الجمارك.
يصنف البنك الدولي مصر في المرتبة 131 من أصل 189 دولة في قائمة سهولة ممارسة الأعمال التجارية، “الإطار التنظيمي لدينا في مصر يشبه علم الآثار”، يقول أحمد الألفي، المستثمر من كاليفورنيا الذي افتتح في عام 2013 مركزًا للتكنولوجيا في القاهرة يدعى الحرم اليوناني (Greek Campus).
فضلًا عما تقدم، يمكن أن يشكل التعليم تحديًا أيضًا ضمن البنية الاستثمارية في مصر؛ فعلى سبيل المثال، عندما افتتح رجل الأعمال أحمد شعبان شركة سيمبلكس (Simplex)، وهي شركة تصنّع آلات للنجارة ونحت الحجر، اضطر حرفيًا لتعليم السوق طريقة استعمال الكومبيوتر، “حوالي نصف عملائنا لا يعرفون كيفية استخدام الكمبيوتر”، يقول شعبان.
العائق الآخر هو الشرطة؛ حيث يتردد الهواة والمحترفون على حد سواء بحمل مشاريعهم التكنولوجية معهم في شوارع القاهرة، لخوفهم بأن يظن رجال الشرطة بأنها قنابل؛ فعلى سبيل المثال، في فبراير الماضي، أُلقي القبض على متدربين في شركة تكنولوجية تدعى (Integreight)، لأنهما كانا يحملان رقائق إلكترونية، حيث تم اعتقالهما لمدة شهرين، “ذات مرة أُلقي القبض على شخص كونه كان يحمل مقياس فولت ميتر”، قال عمرو صالح، الرئيس التنفيذي لشركة (Integreight)، ومن الجدير بالذكر بأن صالح، الذي صنع مؤخرًا لعبة تتضمن ساعة عد تنازلية حمراء كبيرة، اضطر إلى لفها بإحكام ضمن كيس عندما قام بإحضارها إلى مكتبه.
في فاب لاب مصر، زار رجال، دعاهم أعضاء الورشة برجال الشرطة، لمرتين، حيث قاموا بتفقد المعدات، سألوا بعض الأسئلة، ومن ثم غادروا، “في مصر، لا يمكنك أن تعرف الجهة التي تزورك بالضبط”، يقول عمر الصفتي، المدير العام لفاب مصر.
عمر الصفتي
ولكن مع ذلك، تلك التحديات التي تواجهها البلاد تحمل في طياتها إمكانيات تقدمها أيضًا، “عندما يكون لديك الكثير من الاحتياجات، الكثير من الثغرات، والكثير من المشاكل لحلها، لا تحتاج لأن تكون مبتكرًا للغاية”، يقول سيف الدين البندري، مدير في شركة رايز أب (RiseUp)، التي تنظم مؤتمرات تكنولوجيا سنوية.
في العام الماضي بدأت فاب لاب مصر بتحصيل ما يكفي من الأموال، من خلال اشتراكات العضوية، تنظيم ورش العمل، وتأجير المعدات، لدفع بعض الرواتب، كما باشرت بافتتاح فروع لها في مدن أخرى، كما باشر بعض زبائن فاب لاب بافتتاح شركاتهم الخاصة، “قبل بضع سنوات، لم يكن الناس يعرفون ما هي الطابعة ثلاثية الأبعاد” يقول الصفتي، ويتابع: “اليوم، باشر الأشخاص بصنع طابعاتهم الخاصة”.
يخطط أبو الحجاج، وهو طالب سابق في كلية الطب عالج المتظاهرين الجرحى في ميدان التحرير في عام 2011، لاستخدام مهاراته الهندسية الجديدة لخلق نماذج تشريحية لطلاب الطب في المستقبل، كما يأمل بأن يحوّل حاضنة الخلايا الجذعية التي يصنعها إلى آلة رخيصة ومفتوحة المصدر يتم استخدامها للأبحاث.
“التكتولوجيا، هي مجال يمكنك أن تترك ضمنه تأثيرك على أرض الواقع” قال أبو الحجاج، وتابع: “ربما سيتغيّر العالم بهذه الطريقة في نهاية المطاف”.
المصدر: بلومبيرغ