أقر مجلس الوزارء السعودي الإثنين الماضي خطة التحول الوطني أحالها له مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودية والتي أشرف عليها الأمير محمد بن سلمان بنفسه، وبحسب المؤتمر الوزاري الذي عقد لإعلان التفاصيل عقب إقرار المجلس لها، فإن الخطة تستهدف توفير نحو 450 ألف وظيفة في القطاع الخاص، وتؤسس لبنية تحتية قوية، ويمول القطاع الخاص 40% من إنفاق الحكومة على البرنامج، وتضمنت الخطة مستهدفات محددة لكافة الوزارات والمؤسسات الحكومية والهيئات حتى العام 2020 فبحسب البرنامج فإن وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية تستهدف زيادة قدرة الصادرات من السلع غير النفطية إلى 330 مليار ريال مقارنة ب 185 مليار ريال حاليًا وتخفيض متوسط الوقت المطلوب للتصدير إلى 7 أيام مقارنة ب 15 يوما حاليًا. وزيادة عدد فرص العمل في قطاع التعدين إلى 90 ألفا، وزيادة مساهمة قطاع التعدين في إجمالي الناتج المحلي إلى 97 مليار ريال مقابل 64 مليار ريال حاليا وزيادة نسبة توطين الوظائف في القطاع الخاص إلى 24% ونسبة إنتاج توليد الطاقة من خلال شركاء استراتيجيين إلى 100% مقابل 27% في العام الجاري، وتستهدف وزارة الحج والعمرة زيادة عدد الحجاج إلى 2.5 حاج بدلا من 1.5 حاليا ورفع عدد الشركات الفاعلة مع القطاع الخاص إلى 17 بدلا من واحد حاليا، بالإضافة لما سبق فإن الخطة تستهدف أيضا زيادة مبيعات التمور من 8 إلى 9.2 مليار ريال بحلول 2020 ومشاريع أخرى تخص وزارة البيئة والمياه والزراعة فضلا عن رفع نسبة مشاركة المرأة في العمل الحكومي إلى نحو 42%.
وقد تضمنت الخطة تنمية الإيرادات الغير نفطية من 163.5 مليار ريال خلال العام الجاري إلى 530 مليار ريال في 2020 ورفع كفاءة الإنفاق من خلال خفض قيمة الرواتب والأجور ورفع نسبة الشركات الخاصة والمتوسطة كموردين للحكومة إلى 25% مقارنة ب 10% حاليا.
ومع كل ما سبق ذكره فإنه وبحسب ما جاء في بلومبيرغ فإن خطة التحول الوطني “خجولة” ومن غير المتوقع أن تحقق الكثير من الإنجازات والاستهدافات التي حددتها ضمن الخطة؛ حيث لم تكن جرئية بما فيه الكفاية لتناسب المكان الأكثر أهمية في المنطقة من حيث تطوير رأس المال البشري.
الحكومة السعودية اعترفت بكل المشاكل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني في الرؤية 2030 من خلال الخطوط العريضة للإصلاحات المخطط لها، بينما لم يأتي الإصلاح على قدر الاعتراف فجائت معظم الإصلاحات خجولة لدرجة كبيرة كما جاء في تقرير بلومبيرغ.
ماليزيا والمكسيك نجحتا فهل تنجح السعودية؟
التصريح بتنويع مصادر الدخل بقدر ما هو سهل بقدر ما يكتنفه الكثير من الصعوبات والعقبات التي تحول دون نجاح هذه الخطوة، فبحسب تحليل أجري من قبل البنك الدولي فإن كل الدول المنتجة للنفط في العام 1970 التي كانت تعتمد في تمويل الميزانية بما لا يقل عن 50% من إيرادات صادرات النفط، كانت إندونيسيا هي الدولة الوحيدة التي نجحت في تنويع مصادر دخلها، وبقدر أقل الإمارات العربية المتحدة، حيث استطاعت كلا الدولتين أن تخطوان خطوات متقدمة في مجال تنويع مصادر الدخل والتخلص من الاعتماد المطلق على مصادر النفط.
ماليزيا والمكسيك نجحتا أيضًا في تنويع مصارد دخلهما بحكم أنهما دولتان تنتجان النفط فكلا الدولتين اعتمدتا استراتيجية إنمائية غير نفطية تركزت على الصناعات الكثيفة العمالة بفضل العمالة الرخيصة التي تتمتع بها كلاهما، وزاد على هذا في المكسيك منطقة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.
تعد خطة نيجيريا ” صفر نفط” أجرأ بكثير من خطة التحول الوطني في السعودية حيث تأمل نيجيريا زيادة الصادرات غير النفطية إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2025 من 5 مليار دولار حاليا، من خلال تكثيف العمالة في القطاع الزراعي.
وبحسب التقرير الوارد في بلومبيرغ فإن هذا العمل وفق هذا النموذج الطموح بالتخلي على النفط في الدول الخليجية الغنية التي من ضمنها أكبر منتج للنفط في العالم السعودية وبالإضافة لروسيا، فإن هذه الخطة لن ترى النجاح، فسكان الدول الخليجية غير مهتمة بالصناعات التحويلية والوظائف الزراعية التي تأخذ عمالة كثيفة، فالعمالة الخليجية إما أنها “مدللة” جدًا للعمل في تلك الوظائف أو أنها مثقفة ولا يناسبها العمل في تلك القطاعات. ما تحتاج إليه البلدان الخليجية هو العمل أكثر وبشكل جدي على الصادرات ذات القيمة المضافة.
تقدر نسبة 22% من السكان في السعودية هم جامعيين مقارنة ب 19% في المكسيك و8% في إندونيسيا، ويعمل معظم السكان المحليين في القطاع الحكومي وكثير من الوظائف الحكومية هي عديمة الفائدة، ويقدر عدد العمالة الأجنبية ب 10 مليون عامل أجنبي في البلاد يعملون في أعمال ذات قيمة حقيقية، ووفقًا لخطة التحول الوطني فإن توظيف العمالة الوطنية يعد أعلى تكلفة بأربع مرات من توظيف العمالة الأجنبية، كما يتم إستخدام المرأة بشكل مصطنع في الأعمال وغير مسموح لهن في القيادة فضلا عن ذلك الثقافة السعودية تستهجن على النساء الأدوار المهمة والكبيرة في المجتمع.
ماذا تخطط الحكومة السعودية؟
تخطط الحكومة لخفض رواتب القطاع العام بنسبة 20% لدفع المواطنين السعوديين للعمل في القطاع الخاص، والعمالة الزائدة من المفترض أن يستوعبها قطاع السياحة الذي من المخطط له أن يتوسع بحسب الخطة، والعمالة الأخرى من المقرر أن تذهب إلى قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، والذي كان من المفترض أن يتحمل العبء الأكبر في تنويع مصارد الدخل في السعودية بحسب تقرير بلومبيرغ.
ومن المخطط للعام 2020 إعادة تأهيل الكوادر السعودية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بزيادة 20 ألف شخص، ما نسبته 1.7% من إجمالي العمالة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والإتصالات وهذا الرقم يعد أقل بكثير من المتوسط العام في أوروبا في نفس القطاع الذي يقدر ب 3.6% حيث العمالة في القطاع تنمو بمعدل 4% سنويًا.
كما لن يكون هناك الكثير من التحسن بخصوص وضع المرأة السعودية حيث تهدف الخطة إلى رفع حصتها من القوى العاملة في القطاع العام إلى 42% من 39.8% حاليًا، وفي المناصب العليا إلى 5% من 1.27% حاليًا، وحتى خطط زيادة حصة المرأة في إجمالي القوى العاملة إلى 28% لا يرقى لخطوة متقدمة في المساواة بين الجنسين، وبحسب بلومبيرغ فإن إطلاق طاقات المرأة لجعل الاقتصاد أكثر ذكاء وأكثر تنوعًا ليست من ضمن الخطط في السنوات القادمة.
الحكومة السعودية تدرك جيدًا مدى أهمية تحسين جودة التعليم لتحقيق تنويع ذكي لمصادر دخل الاقتصاد ولأجل هذا من المزمع تحسين التحصيل العلمي لطلاب الرياضيات والمواد العلمية، ولكن هذه العملية تحتاج لسنوات طويلة وحتى النتائج النهائية من المفترض أن تضع السعودية أقل بكثير من متوسط البلدان المتقدمة من حيث التحصيل العلمي ونوعية التعليم.
وبحسب تحليل للمؤسسة اقتصادية عالمية قامت بتحليل رؤية المملكة 2030 الشهر الماضي، فإن الخطة لن يكتب لها النجاح بدون إعطاء المواطنين السعوديين حق الاختيار المباشر للحكومة التي تمثلهم وكسر احتكار المؤسسة الوهابية للسلطة، وطالما يريد الإصلاحيون التعامل بحذر بخصوص إصلاح الاقتصاد الوطني وبلوغ التحول الكبير فعليهم ألا يتوقعوا جني الثمار كما يتوقعون.