مع حلول شهر رمضان، تتذمر بعض الأمهات لعدم قدرتهن على ممارسة طقوسهن الرمضانية كعامة الناس، بأداء صلاة التراويح، وقراءة القرآن، وقيام الليل، ليحبسهن العذر عن تذوق فضل هذا الشهر، فيصبن بالاستياء حيال انشغالهن بأطفالهن بالرعاية والاهتمام، عدا عن قضاء معظم أوقاتهن بطهو الطعام وإدارة أمور المنزل، فتغدو أيام رمضان عبئًا ثقيلًا، وهاجسًا يقلق الأمهات اللواتي ينتظرنه بشغف بحثًا عن فرصة التجديد الروحي وتوثيق العهد والعلاقة مع الله.
للأم العزيزة…
لا أدري لم تصر الأمهات على حصر العبادة في رمضان بأداء الشعائر الدينية، في الوقت الذي قدم فيه الإسلام صور واسعة وجميلة لمفهوم العبادة، ألم يقل الله عز وجل {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}، فالعبادة في حياة المسلم لا تقتصر على الصلاة وقراءة القرآن، أليست رعاية الأبناء عبادة! أليس الحفاظ على الود في علاقة الأم بأبنائها عبادة! أليس طهو الطعام الجيد يندرج في مفهوم العبادة أيضًا!
إن كان المسلم يثاب بأداء الشعائر الدينية فكل ما ذكر سابقًا بخصوص الأبناء يندرج كذلك تحت مظلة العبادة التي يكتب الله للأم الأجر على فعلها، وحتى تضمن أن تُثاب على دور الأمومة الذي تقوم به في الـ 24 ساعة، لا بد لها من الحفاظ على دوام “تجديد النية” وأن تسر في ذاتها بأن كل عمل ستقوم به تدخره لله ولأجل لله.
من الضروري أن تبدأ الأم بتهيئة بيتها وأطفالها لأجواء رمضان، كأن تنهي واجباتها الاجتماعية، والتزاماتها المتعلقة بالأمومة قبل دخول الشهر، فتخطط باستغلال وقتها قدر المستطاع لاغتنام الأجر والثواب، فتهيئة المنزل يبعث السكينة في نفوس أفراده ويشحنهم بالهمة والعزم لاغتنام الشهر قدر المستطاع، عدا عن محاولات أفراد الاسرة لإعانة الأم في التزاماتها لتشاركهم بأداء الشعائر.
مهما ادعت الأمهات بعدم مقدرتهن على امتلاك الوقت الكافي في شهر رمضان، إلا أنه مع التنظيم الجيد ستحظى الأم بأوقات جميلة تمارس فيها العبادة التي ترغب بها، وهنا أود الإشارة إلى فكرة “الأوقات الميتة” التي تمر على الأمهات دون استغلالها على الوجه الصحيح، كأن تذكر الله بالتسبيح والتحميد وهي تنظف المنزل، أو تستمع وهي تطهو أو تكوي الملابس للمذياع أو اليوتيوب حول تفسير آية أو موعظة ما، في محاولة للاستفادة من الوقت في رمضان بأقصى درجة ممكنة، وفي سعي دؤوب للأخذ بكافة الأسباب.
رمضان فرصة ذهبية لتعزيز علاقة الأم بأطفالها من خلال التشارك بأداء العبادات وتعريف الأطفال بالقيمة الدينية لهذا الشهر، ليصبح للعبادة معنى مختلف وليست مجرد طقوس بل معنى تربوي ترسخه الأم في نفوس أطفالها، وهنا يمكن للأم دعوة أبناءها للصلاة الجماعية أو قراءة القرآن أو إفطار أحد الصائمين أو صدقة، فيخفف هذا السلوك الجماعي عبء العبادة بشكلها “الفردي” وتصبح ذات محمول قيمي يبعث الود والسكينة في علاقة الأم بأطفالها.