لا يُصوّت الليبراليون والمحافظون بطريقة مختلفة فقط في الانتخابات، بل يفكرون بطريقة مختلفة عن بعضهم البعض، فتركيبة دماغ الليبراليين تختلف تمامًا عن تركيبة دماغ المحافظين، وقد أثبت ذلك العلم، ليمنحنا نقاط الاختلاف غير السياسية ولكن الدماغية بين الفريقين، فتجد أنه يتعرض كل من الليبراليين والمحافظين لنفس الأخبار يوميًا، ولنفس الأخبار السياسية، ويكونوا مسؤولين عن الانتخاب أو إبداء رأي في استفتاء معين لنفس القضايا المجتمعية، إلا أنهم يختلفون تمامًا في عملية التفكير في كل ما سبق، إليك كيف أثبت العلم نقاط الاختلاف بين الفريقين.
يمكنك أن تتنبأ بكونك ليبرالي أو محافظ بسهولة، حيث يستطيع العلماء ذلك وكانت نسبة نجاحهم 71.6% في توقع الليبراليين والمحافظين، وهي نسبة كبيرة تسمح للعلماء بتحديد نسب الليبراليين والمحافظين في المجتمع، يمكن التنبؤ بذلك منذ البداية من والديك، وهم الجزء الأكبر في تشكيل الخلايا التي شكلت دماغك، ليس بالضرورة أن يكون هناك ابن محافظ لوالدين محافظين أو ابن ليبرالي لوالدين ليبراليين، إلا أن النسبة تنخفض عند فرض احتمالية ابن ليبرالي لوالدين محافظين، إلا أنها ليست بقليلة وليست بالطبع مستحيلة.
عند ذكر ليبرالي أو محافظ هذا لا يعني أسود أو أبيض، ولا يعني أننا نهمل من دور كل ما هو في المنتصف، أو نهمش من أي أحزاب أو طرق للتفكير أخرى، وهذا لا يعني أيضًا إعطاء أهمية كبرى لليبرالية أو المحافظة فقط، إلا أنه هناك خصائص لكل منهم تفرض على العلماء دراسة كلا الفريقين، وليس دراسات بحثية فقط، بل يمتد لدراسات طبية لتركيبة الدماغ والمؤثرات العصبية كذلك.
وجدت الدراسات أن دماغ الليبرالي قادرة أكثر على التكيّف مع التغيّرات وعلى إدارة عدم الاستقرار، فهي مستعدة على استقبال المعلومات الجديدة يوميًا، كما يمكنها أن تعيد حساباتها مرة أخرى، فيمكن بعد أن يستمع الليبرالي لنظرية جديدة أو لمعلومات جديدة، تجده من السهل جدًا أن يقوم بتغيير رأيه، وأن يتكيف مع الرأي الجديد، ليكون مرنًا أكثر على التغيير والبحث عن الأفضل في وجهة نظره، فالليبراليون محبون للتغيير، ولكن يجب أن يكون أساس ذلك التغيير هو المعلومات الجيدة، بل يجب أن تكون معلومات ذات أسس علمية، هذا ما يدفع الليبرالي إلى اتخاذ قرار أفضل خلال عملية تفكير عقلانية أكثر منها عاطفية، تعتمد على معطيات ثم تنتهي بنتائج مناسبة بالنسبة له، لا يكون ضمن تلك المعطيات معلومات دينية أو أية خلفيات دينية بشكل كبير.
لا يميل الليبرالي إلى المعتقدات الدينية أثناء اتخاذه القرار، لذا فإذا قمت بسؤال الليبرالي عن رأيه في امتلاك الأسلحة وتقنين ذلك، ستجد أنه يفكر أولًا في معدلات الجريمة المتزايدة، وعن عدد الناس الذين تم قتلهم بسبب تقنين بيع الأسلحة، فستجده يتجه دومًا للإحصائيات، ويكون هدفه دومًا المعلومات ذات الأسس العلمية، وبعد دراستها، يمكنه اتخاذ قراره بناءً على ذلك.
أما عن دماغ المحافظ، فتختلف تمامًا عن الليبرالي في طريقة التفكير، تجد أن المحافظ يميل إلى الاستقرار والإخلاص والولاء، لا يحب التغيير، بل وأحيانًا يهابه، لا يحب بذل مجهود في عملية التفكير واتخاذ القرار، كما يميل إلى القرارات المبنية على خلفية دينية، حيث يركن إلى معتقده الديني قبل اتخاذ قراره، وهو أقل استجابة للمواقف غير المتزنة، أو المواقف الحرجة والتي تتطلب ردًا حاسمًا، كما أنه لا تعمل دماغهم بشكل جيد إذا شعروا بالخوف أو بالقلق، ويعودون إلى طريقة تفكيرهم الأصلية، ولا يبذلون جهدًا للتكيف مع المتغيّرات، فإذا سألت المحافظ نفس السؤال، ألا وهو عن رأيه في شراء أسلحة قانونية، سيذهب تفكيره فورًا أنه يحتاج سلاح قانوني لاستخدامه في الصيد مع العائلة، ولن يفكر مطلقًا في معدلات الجريمة، وهل يجب تقنين بيع الأسلحة أم لا.
إذا تم سؤال كلا الفريقين عن رأيهم في زواج المثليين، ستجد أن الليبرالي لن يستخدم أي خلفية دينية أثناء حكمه عن الأمر، وسيذهب لدراسة الإحصائيات عن عدد المثليين بالنسبة لسكان بلده، وهل هم شريحة كبيرة تكفي لإعطائهم ذلك الحق من الدستور أم لا، في الحالات العادية، تكون تركيبة دماغ الليبرالي مرنة بحيث لا تجعله يستعجب الأمر غير الطبيعي أو غير الاعتيادي، فمثلًا، إذا رأى رجلًا يأكل الحشرات بنهم، لن يتقزز منه إطلاقًا، لذا فإن الأمور غير الاعتيادية لا تثير غضب أو تقزز الليبرالي إطلاقًا، أما عن المحافظ، فكما تم الذكر سابقًا، أنه لا يستطيع التكيف مع المتغيرّات، بالنسبة له، كل أمر غير طبيعي هو بمثابة تهديد له، ولن يستطيع الجزم في اتخاذ قرار فيه، وسيعود إلى تفكيره الأصلي في الأمر دون بذل أي جهد، فإذا تم سؤاله عن رأيه في زواج المثليين، ستجد أنه سيعود فورًا للخلفية الدينية ليعطي رأيه بناءً عليها.
لا يوجد فرق كبير بين استجابة الليبرالي والمحافظ للمؤثرات الإيجابية على دماغه، إلا أن هناك ميل إلى الحساسية المفرطة من قِبل المحافظ إذا كان المؤثر سلبيًا، وهذا ما يحدث في السياسة، فتجد أن المحافظ يتأثر بالأحداث السلبية بطريقة تؤثر على حكمه السياسي وتصنيفه للأمور أكثر من نظيره الليبرالي.
يميل الليبرالي إلى الانفتاح للتجربة، تجربة السفر، التعلم، قراءة كتاب جديد أو حتى الاستماع إلى نوع جديد من الموسيقى، فيتبع في حياته أفكارًا ليبرالية أساسها التجديد المستمر والانفتاح لكل ما هو جديد عليه، أما على النقيض تجد المحافظ أقل انفتاحًا للتجربة، فهو عاشق للأوامر، ويحب اتباع التعليمات، وهذا ما يؤثر على حكمهما في المعركة السياسية، الليبرالي محب لكل مرشح يتبنى التغيير، والمحافظ يميل إلى اتباع النظام حتى ولو كان كالسابق.
كونك ليبراليًا أو محافظًا لا يعيبك مطلقًا، فهي ليست نعمة أو نقمة، أو أبيض أو أسود، هي مجرد طرق مختلفة للتفكير، من الممكن أن تتبعها مجتمعات كاملة، ومن الممكن أن تنفر منها نظم وحكومات، إلا أنها بالتأكيد لا يمكن تجاهلها في الدراسات المجتمعية والسياسية كذلك.