لابد أنك تسمع كل سنة عن قصة الضحايا المتكررة في السعودية بسبب السيول، أو ترى مقاطع الفيديو لعمليات الإنقاذ البطولية أو الغرق المأساوي، بالإضافة إلى السيارات العائمة، المديرية العامة للدفاع المدني في السعودية أعلنت في أبريل الماضي عن تمكنها من إنقاذ 915 شخصاً ومقتل 18، ماليزيا كذلك عانت في 2014 من سيول بسبب كثافة الأمطار التي غمرت البيوت وجعلت أغراض المنازل تسبح في الشوارع موقعة عدداً لا بأس به من الضحايا، أما في مصر، فقد اشتهرت صور قوارب المواطنين التي تنقلهم من شارع إلى شارع في سيول الإسكندرية، والمواطن الذي قرر حمل الآخرين على كتفيه في مقابل مبلغ صغير، وبرغم الحس الساخر الذي تعامل به المصريون مع الحادث، إلا إنها قتلت ما لا يقل عن 6 ضحايا في الإسكندرية لوحدها، السيول أزمة خطيرة وكابوس كل عام، يجعل الناس تضع أيديها على قلوبها مع كل هطول غزير للمطر، لهذا يمكننا أن نفهم الاهتمام الذي ناله فيديو “الخرسانة العطشانة”، التي أعلنت عنها شركة Tarmac، وحصد أكثر من 100 مليون مشاهدة حتى الآن، وهو يشرب 4000 لتر من الماء في 60 ثانية فقط، أي ما يوازي الماء الذي يشربه قطيع من عشرين فيلاً مجتمعين في يوم كامل!
كيف بدأت فكرة “الخرسانة العطشى”؟
يستطيع سطح الأرض في الغابات أن يمتص ما يصل إلى 80 إلى 90 بالمئة من مياه الأمطار، أما في أراضي المدن المغطاة بالأسفلت والخرسانة غير المنفذة للماء، فإن هذه النسبة تنخفض بشكل هائل لتصل إلى 10 بالمئة فقط، وهي المشكلة التي تظهر بشكل أوضح كلما زاد عدد الناس المهاجرين من الريف إلى الحضر وازداد الرصف بالمقابل، طريقة إصلاح البشر لهذا الخلل كان في بناء نظام بنية تحتية متماسك وقادر على صرف مياه الأمطار العاصفة، لكن الأمر تفاقم بعد أن أصبحت معظم شبكات الصرف قديمة وغير قادرة على مواكبة الزيادة في زيادة هطول الأمطار المرتبطة بالتغير المناخي، فعندما يتجاوز هطول الأمطار قدرة نظام الصرف والبنية التحتية، تتكون السيول الخطيرة على الفور، لتهاجم كل ما في طريقها، دولنا لا تعاني هذه المشكلة لوحدها، ففي 2007 تسببت فيضانات شديدة في بريطانيا بدمار قدر بـ4.8 مليار دولار، 12 بالمئة منها فقط بسبب فيضان الأنهار، النسبة الباقية عائدة إلى تجاوز قدرة الصرف.
فكرة الرصف بمواد منفذة للمياه ليست جديدة، فقد بدأ المهندسون المعماريون والمصممون في المناطق الحضرية باستخدام هذه المواد في رصف مناطق المشاة منذ ما يصل إلى عقد من الزمان، كما إن المهندسين استخدموا الخرسانات المسامية ووضعوها تحت طبقة الرصف الأساسية كمادة مساعدة للتصريف، لكن الجديد في هذه المادة التي ابتكرتها شركة بريطانية وسمتها Topmix Permeable، هو في كونها أول مادة منفذة توضع في أماكن عليها ضغط عالي وأجسام سائرة ثقيلة بعكس المعتاد من استخدامها في أماكن المشاة فقط، كما إنها المرة الأولى التي تكون لوحدها.
ما السحر الذي حول الخرسانة من أشد أعداء الماء إلى العكس؟
الخرسانة التقليدية ليست منفذة للمياه، كما إن الرمل مكون أساسي فيها، وهي لا تمتص أكثر من 300 ميللي لتر من الماء كل ساعة، أي ما يكفي للتعامل مع عاصفة كبيرة كل 100 سنة، لكن هذه الخرسانة العطشى تعتمد على نوع يسمى “خرسانة بلا نواعم”، أي إنها تستبدل بالرمل الصغير الموجود، قطعاً صغيرة من الجرانيت المجروش الكبير نسبياً.
عندما يسقط المطر على خرسانة Topmix، فإنها تقوم بإنفاذها عن طريق الخرسانة المسامية، التي يوجد لها قاعدة من طبقة حصى ذات مسافات بينية كبيرة، كما إنها تقوم بعمل ترشيح للملوثات في هذه العملية أيضاً مثل زيت المحركات المختلط بالمياه، لتنهمر الأمطار للأسفل وتنضم إلى مخزون المياه الجوفية، أو يتم توجيهها إلى أغراض أخرى مثل ري المحاصيل أو مياه تنظيف المراحيض، الأمر يعتمد على قدرة التربة بالأسفل على الاستيعاب، لن تحتاج لبناء خزانات تساوي 3 مليارات دولارات، فيما لديك هذه الآلية السلسة للتصريف.
الشركة تقول إن الخرسانة الجديدة لن تكون نافعة في تصريف السيول والفيضانات فحسب، بل إنها ستكون مهمة في الجو الحار أيضاً، فأثناء فترات سقوط المطر الشديد مع الحرارة العالية، فإن الماء المخزن بالأسفل يتبخر مولداً تأثيراً تبريدياً مقللاً حرارة السطح.
ما هي الأماكن التي لن ترحب بالخرسانة في طرقها؟
المناطق التي تعاني من برودة قارسة لن تكون مناسبة لهذه الخرسانة، من المحتمل أن الخرسانة سوف تتعرض للتدمير، بسبب المسافات البينية بين الجزيئات التي تسمح بتجمد المياه، ما يجعل السطح فوقها يتكسر، كما إن الشركة تحذر من رصف الأماكن ذات كثافة المركبات العالية، قائلة إنها أنسب أكثر لأماكن ركن السيارات والممرات القصيرة أو المداخل أكثر من الطرق السريعة.
هل يمكن أن يرصف شارعي بها قريباً؟
لا تتوقع أن تصبح الخرسانة المسامية المادة الجديدة لرصف شارع بيتك بدل الأسفلت بهذه السرعة، فخرسانة Topmix ليست متاحة حتى الآن إلا في المملكة المتحدة، كما إنها محدودة الخيارات حتى الآن كما أسلفنا، بالإضافة إلى أنها لا تستطيع تقديم الحماية من الفيضانات للمدن الساحلية ضد ارتفاع مستوى سطح البحر، لأن التربة السفلية في هذه الأماكن تكون مشبعة بالماء بالفعل، لهذا لن يجد المطر مكاناً يذهب فيه، الخبراء قالوا إنه لن يكون مفيداً إلا في الحماية من فيضانات سقوط الأمطار والأنهار، السؤال الآن: هل سيستفيد الوطن العربي –بالذات البلاد المنكوبة والمهددة- من هذه الخرسانة في المستقبل أم لا؟