شهدت قيمة الدينار التونسي في السنوات الأخيرة تراجعًا كبيرًا مقابل اليورو (العملة الأوروبية الموحدة) والدولار الأمريكي، لم تعرفه في السابق، وانخفض سعر صرف العملة المحلية في تونس إلى مستويات قياسية هذا الأسبوع، مسجلاً 2.15 للدولار الأمريكي و2.43 لليورو، مع توقعات بمزيد من التراجع بفعل الصعوبات التي يمر بها الاقتصاد التونسي.
وتحدد قيمة العملة بجملة من العوامل على رأسها المستوى العام للأسعار والاحتياطي النقدي للبلاد وسعر الصرف ووضع البلد الاقتصادي والمالي، وأثار التراجع المتواصل لقيمة الدينار التونسي مخاوف كبيرة، من إمكانية ارتفاع أسعار السلع والخدمات وحدوث موجة جديدة من الغلاء، في وقت تتراجع فيه القدرة الشرائية للمواطنين لأدنى مستوياتها بعد الثورة.
تم اعتماد الدينار التونسي منذ نوفمبر 1958 كعملة الرسمية للجمهورية التونسي، وعند إصداره، تم تقدير قيمته بـ 2.115880 غرامًا من الذهب الخالص من طرف البنك المركزي التونسي.
أسباب التراجع
يرجع خبراء سبب انهيار قيمة الدينار التونسي إلى جملة من الأسباب أهمها عدم استقرار المناخ السياسي في البلاد وتراجع قيمة احتياطي النقد بالبلاد وانهيار مداخيل السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، مقابل ارتفاع قيمة الأموال المحوّلة من طرف الشركات الأجنبية العاملة بتونس نحو الخارج.
فيما أشار آخرون إلى وجود إملاءات من صندوق النقد الدولي، وعرفت تونس منذ 14 يناير 2011، 7 حكومات تداولت على السلطة في انتظار حكومة ثامنة في قادم الأيام؛ الأمر الذي أدى إلى عدم استقرار المناخ السياسي في البلاد وتأثير ذلك على الاقتصاد وثقة المستثمر الأجنبي في الوجهة التونسية.
انعدام الاستقرار السياسي انعكس بدوره على الجانب الاقتصادي، فقد شهد التبادل التجاري مع الخارج، خلال الأربعة أشهر الأولى من السنة الحالية 2016، انخفاضًا في مجموع الصادرات بـ 3.3% وارتفاعًا في الواردات بـ 7.5%، حسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء، وقد بلغت قيمة الواردات في نفس الفترة من السنة الحالية 4.2368 مليون دولار.
من جانبه سجل الميزان التجاري عجزًا قدره 5587.7233 مليون دولار سنة 2015، حسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء، كما تراجع المخزون الوطني من العملة الصعبة من 120 يوم توريد بداية 2016 إلى ما يربو من 109 أيام توريد حاليًا، وفق محافظ البنك المركزي، هذا التراجع التجاري، إلى جانب إغلاق بعض الشركات المصدرة أدى إلى تراجع مخزون الدولة من العملات الأجنبية، من جهتها سجلت المداخيل السنوية للسياحة تراجعًا بنسبة 41% من 1857 مليون يورو عام 2010 إلى 1082 مليون يورو عام 2015، وتمثل السياحة أحد أهم مصادر العملة الأجنبية لتونس، كذلك فإن خروج العديد من المستثمرين من تونس وانخفاض نسب الاستثمار الأجنبي بالبلاد بسبب أوضاع البلاد الأمنية والسياسية، أدى إلى تراجع قيمة الأموال المحولة من الخارج نحو تونس.
وأشار أخرون إلى وجود علاقة وثيقة بين صندوق النقد الدولي وتراجع قيمة الدينار، على اعتبار أنّ صندوق النقد الدولي يفرض شروطًا على البلدان التي يقرضها، ورجّح خبراء طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة تعديل قيمة الدينار، الأمر الذي نتج عنه تراجع قيمتها.
وكان البنك المركزي التونسي يتدخل عند كل تراجع للعملة المحلية مقابل اليورو والدولار، حيث يتدخل في سوق الصّرف بين البنوك بضخ أو سحب العملة الأجنبية في السوق لتوفير الاستقرار في الأسعار في حالة تغير الطلب وتمثيله خطرًا على استقرار الدينار.
محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري، حذّر الكتل البرلمانية من أن تراجع قيمة الدينار التونسي لا يمكن أن يمنعه قرار من البنك في ظل تنامي العوامل السياسية السلبية وهشاشة الوضع الاقتصادي، وطرح البنك المركزي خطة قال إنها استراتيجية جديدة تهدف إلى توفير سيولة مالية تصل إلى 5 مليارات دولار خلال الفترة ما بين 2016 و2020 في إطار شراكة مع البنك الدولي سيتم توجيهها إلى إنعاش النمو الاقتصادي وخلق مواطن الشغل وتوفير التنمية للجهات المحرومة من خلال إصلاحات استثمارية هيكلية جريئة.
وأفاد العياري في جلسة استماع بالبرلمان أن تونس “في حاجة إلى قرض رقاعي، ستصدره بضمان أمريكي، لدعم مخزوناتها من العملة الصعبة وسداد ديونها”، في ظل نمو سلبي لصادراتها وغياب المعونات الخارجية (في الأشهر الستة الأخيرة) مع توقف قطاعات إنتاج حيوية على غرار الفسفاط والمحروقات، وتسجيل ميزان الخدمات نتائج سلبية تبعًا لتقهقر النشاط السياحي حسب قوله، ويملك المصرف المركزي التونسي، وفق القانون المنظم لنشاطه، سلطة التدخل للسيطرة على أسعار صرف الدينار بهدف حماية الاقتصاد من التقلبات المفاجئة، التي يمكن أن تضر بالشركات المحلية.
هذا التراجع في قيمة الدينار التونسي وانخفاض الإنتاج سيؤدي إلى ارتفاع سعر المنتوجات الموردة، خاصة منها المواد الأولية والمواد الطاقية، والتي يؤثر ارتفاع أسعارها على أسعار بعض السلع المحلية، إلى جانب ارتفاع مصاريف خلاص ديون تونس الخارجية مقارنة بما هو متوقع (الدولة تشتري العملة الأجنبية التي ستسددها للمقرض الأجنبي من البنك المركزي بالدينار التونسي) وارتفاع المديونية.
ويؤكد متابعون على ضرورة الاستقرار السياسي والتوجه نحو إنقاذ اقتصاد البلاد بالعودة إلى العمل والإنتاج والتوقف عن الاضرابات وتعطيل العمل، إلى جانب تشجيع المنتجات التونسية ومحاربة الفساد المالي والإداري والتهريب وتجارة العملة.