يختلف رمضان المصري، بعاداته وتقاليده وطقوسه عن أي رمضان في أي مكان في العالم، غير المصريين، ممن قضوا رمضان في القاهرة بين شوارعها القديمة، وعربات طعامها غير الصحية بالمرة، وبين زحام الكورنيش ومحطة الرمل بالاسكندرية، كل شيء مختلف، دونما نقاش.
وأينما كُنت تعيش، فلن تحصل على نفس هواء رمضاني واحد كهواء رمضان المصري، وبكل هذا، فهناك من أجبر على أن يُمنع منه هذه الطقوس وهذا الإحساس، بسبب موقفه السياسي أو تحركه المناهض للنظام.
هنا في تركيا، يعيش مئات المصريين، في المنفى الاختياري الآمن، ينقصهم، هذه الأيام، أجواء ونفحات الشهر المبارك التي يفتقدوها بشدة.
توالي الآلام في الغربة
تعيش أم حبيبة مع ما تبقى من أسرتها، في مدينة إسطنبول التركية التي اختاروها كمنفى اختياري لهم، بعد استشهاد نجلتها الكبرى في مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية، المصورة حبيبة أحمد عبدالعزيز، وتقول أم حبيبة إن سبب تواجدهم خارج مصر وقضائهم لرمضان بعيدًا عن وطنهم “هو الانقلاب الدموي الذي قتل الشباب والشابات والرجال والنساء، وكانت حبيبة ابنتي الصحفية الشابة أحد ضحاياه”.
وتقضي أم حبيبة، رمضان هذا العام، بعد اعتقال ابنها بالإمارات على خلفية علاقة والده بالرئيس محمد مرسي كمستشار إعلامي له لشؤون الإعلام الوطني، رغم عدم اشتغال مصعب بالسياسة أو حتى علاقته بالصراع السياسي الدائر في مصر، لأنه ببساطة لم يزر مصر منذ أن كان صغيرًا، كما تروي والدته.
وكان مصعب قد تم اعتقاله في أكتوبر عام 2014 بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وأكد في رسالة صوتية، سجلت عبر الهاتف، وحصل نون بوست على نسخةٍ منها، أن السلطات الإماراتية مارست بحقه تعذيبًا بدنيًا ونفسيًا وحشيًا، ليعترف بانتمائه للجماعة.
وعن مدى التعذيب الذي تعرض له، قال مصعب، إنهم لو طلبوا منه في حينها الاعتراف بأنه قادم من المريخ لتدمير الأرض لفعل، فقط لإنهاء الأمر.
وعما يقومون به في رمضان من تقاليد مصرية، تقول أم حبيبة “نعم ما زلنا محافظين علي عاداتنا وطقوسنا في رمضان، ولكن طبعا اختلفت قليلاً بحكم العيش خارج مصر”.
وتتمنى، أم حبيبة، أن تعود إلى مصر، وأن يُحكم بالبراءة لابنها في جلسة محاكمته القادمة، وألا يتم تسليمه إلى السلطات الأمنية في القاهرة، وأن يعود لأسرته ليقضي معها ما سيتبقى من الشهر الكريم، بعد أن حرموا منه لعامين متتاليين، كما تتمنى القصاص لابنتها.
غربةُ مبكرة
لم يكُن علاء صاحب الأربعة عشر عامًا، يدري أن أول انتخاباتٍ رئاسية بعد الانقلاب العسكري ستكون سببًا في اعتقاله وتوجيه تهم له بحيازة قنبلة وتكدير السلم العام والاعتداء على الجيش والشرطة وزعزعة الاقتصاد المصري، حيث تم اعتقاله ثاني أيام الاقتراع، بالقرب من إحدى اللجان الانتخابية.
قضى علاء داخل السجن، شهر واحد، اضطر بعدها للسفر إلى تركيا، خوفًا من الحكم عليه بالسجن، أو توقيع عقوبة كبيرة عليه بدون ذنب، كما يقول.
ويقضي علاء رمضان هذا العام بين العمل والبيت، مُنتظرًا أيام عطلته الأسبوعية، لقضائها بين أصدقائه، ويقول “من المفروض أن أكون بين أهلي في مصر، وبين عائلتي”، ويتابع “هذا رمضاني الثاني في تركيا، لا يوجد هنا رمضان، أشتاق لرمضان في مصر”.
وفي هذه الأيام، يتمنى علاء أن يعود إلى بلده وقريته، ويعيش حياة طبيعية لشابٍ في عمره، يدرس بانتظام، يعيش دون انتظار عسكري يضربه على رأسه ووجهه لمجرد أنه نظر إليه، وهو مكتوف الأيدي مُلقى على الأرض – موقف حقيقي حصل معه أثناء اعتقاله -.
ويتابع علاء، “لم أستطع حضور جنازة عمي وجدي اللذين توفيا وأنا موجود في تركيا، كما أنني لم أستطع حضور أعراس أبناء أعمامي، وأتمنى رؤية أقاربي، أنا لا أعلم لماذا أنا معاقب ومُدان ومحكوم عليّ؟ أريد أن أعرف السبب، أريد أن يقنعوني أن مكاني السجن”.
“هو فين رمضان؟”
في أول حديثه عن رمضان، ردًا على سؤالنا عن كيف يقضي رمضان في تركيا، سألنا بلهجة مصرية “هو فين رمضان؟”.
محمد خرج من مصر يوم جلسة الحكم عليه قبل عامين، والتي أجلت أسبوعين، وحكم عليه بالسجن خمسة أعوام، بتهم التظاهر بدون ترخيص وإثارة الشغب وترويع المواطنين وإتلاف ممتلكات عامة.
وأتى محمد إلى تركيا، ليمنع عن أهله معاناة اعتقاله وإرهاق الزيارات وتحمل مشاق المحاكم والسجون، ويفتقد في رمضان، لمّة العائلة لتناول وجبة الإفطار، والأصحاب والتجمع للسحور ولعب الكرة الذي تعود عليه بعد صلاة الفجر، ويتذكر ما كان يقوم به في العشر الأواخر من رمضان والاعتكاف، والإعداد لعمل شنطة رمضان التي كانت عادةً في منطقته.
ومع صلوات التروايح التي يؤديها الأتراك في مساجدهم، يفتقد محمد الصلاة خلف إمام المسجد الذي تعوّد على الصلاة في رمضان معه.