ليس جديدًا على مشاهدي التلفزيون العربي انتظار ماراثون إعلانات رمضان كل عام في هذا الموسم، لتتنافس فيه الشركات العالمية والمحلية للحصول على أعلى نسبة مشاهدة من بين الإعلانات المعروضة في التلفزيون العربي، والذي سينعكس بالضرورة على مبيعات الشركة بشكل إيجابي وخاصة في رمضان، والذي من أجله تقوم كل شركة بتصوير إعلان مميز عن إعلانها في العام السابق، والذي تؤثر الظروف السياسية فيه أحيانًا، فبعد الربيع العربي على سبيل المثال، تجد أن مستوى الإعلانات يتجه بكثرة نحو التوافق السياسي، والوحدة بين طبقات المجتمع، والعمل من أجل الوطن، كما تؤثر الظروف الاقتصادية والتكنولوجية على مستوى الإعلانات، فكيف تغيّرت الإعلانات منذ بداية صناعة الدعاية والإعلان وحتى الآن؟
بدأت الإعلانات في بدايات القرن الماضي بشكل ورقي يتم طباعته مع الصحف الإخبارية الورقية، وباللون الأسود والورق الداكن اللون، حيث كانت اللغة العربية الفصحى هي المستخدمة بكثرة عن اللهجات العامية، كما كان يتم رسم الرسومات الكرتونية تعريفًا بالمُنتج حينها.
بداية إعلانات سيارة مرسيدس بالقاهرة
بدأت الألوان تضيف أثرها على الإعلانات، لتتحول الإعلانات إلى إعلانات ورقية ملوّنة يتم توزيعها باليد أو يتم لصقها على الجدران، قبل أن تتحول إلى إعلانات عريضة تعتلي أعمدة الإنارة على الطرق السريعة، كما بدأت الثورة التلفزيونية بعد ثورة الألوان، فبدأت الإعلانات تغزو القنوات الفضائية وتحتل مكانًا مقدسًا بين المسلسلات أو الأخبار أو البرامج، ليكون الفاصل الإعلاني من أساسيات القناة الفضائية، التي تحارب كل منها لجذب المزيد والمزيد منها في كل عام، بدأ الأمر بعرض صورة للإعلان المُلوّن والمرسوم عن منتج معين لمدة بضعة ثوان في كل فاصل إعلاني وغيره، بدون موسيقى وبدون حركة.
وعندما نجحت الحملات السابقة بدأ استخدام المشاهير في الإعلانات المعروضة، ليتم مزج صورة الممثل أو الممثلة بجوار المُنتج المُعلن عنه، أو ليتم تصوير الممثل أو الممثلة وهم يستخدمون المنتج بأنفسهم، وذلك لإقناع المشاهدين بشراء المنتج الذي يستخدمه ممثلهم المفضل، كما أنه فكرة تسويقية معروفة في عالم التسويق، أن يقترن المنتج بوجه الممثل، وهذا ليخلق صورة للمنتج “Brand image” في عقل المشاهد من الصعب نسيانها، حتى ولو مرّ على الإعلان سنوات، فيمكنك الآن أن تتذكر إعلانات مر عليها بضعة أعوام إلا أنها محفورة في ذاكرتك مع صورة الممثل الذي ظهر معها وتحدث عن المنتج المعروض فيها بشغف.
إسماعيل يس في إعلان لكوكا كولا
تطورت تكنولوجيا التصوير التلفزيوني مع التصوير السينمائي، وأصبح يمكن لشركات التسويق أن تعرض إعلانًا كاملاً مدته بضعة دقائق، يتم عرض المنتج فيه بطريقة مضحكة، أو بطريقة استعراضية، أو بإعلان روائي بصوت في الخلفية يروي تفاصيل المنتج، وحتى تطور الأمر إلى حملات إعلانية مكثفة لمختلف المنتجات مع ظهور أشهر الممثلين، ليس فقط المحليين بل العالميين منهم، ليصبح في العقد الأخير رمضان موسمًا للإعلانات في التلفزيون العربي، حيث من المعروف ثقافة التجمعات التي يتميز بها العرب أمام التلفاز وقت الإفطار وبعده وحتى وقت السحور، وهو الوقت الذهبي بالنسبة للحملات الإعلانية، التي تعرض فيه مهارتها التسويقية، والتي تبهر المشاهد في كل عام.
الموسيقى والأغاني
ظهرت تقنية تأليف الأغاني خصيصًا للإعلانات مؤخرًا، بالاستعانة بالمغنيين المشهورين وبالفرق الموسيقية المعروفة، بالطبع كان الإعلان موسيقي من قبل يعتمد على تأليف بضعة جمل عن المنتج المعروض، إلا أن الآن، يتم تأليف أغاني مخصصة للإعلانات تلمس قلب المشاهد اعتمادًا على الوضع الراهن في المجتمع، فمثلًا بعد الربيع العربي، اشتهرت الإعلانات التي تتغنى بالوحدة والتوافق، وهو الأمر الذي يلمس المشاهد بشدة وقت مشاهدته للإعلان أثناء تجمعاته العائلية، لذا ينجح الإعلان في الاستغلال العاطفي لربط المشاهد بالإعلان، ومنه ربط المنتج المعروض بتلك الأحاسيس التي يشعر بها المشاهد، وهو ما يشجعه أكثر على شراء المنتج فور رؤيته له أثناء تسوّقه.
وهنا مثال على ذلك في إعلان كوكاكولا لعام 2013، الذي ألفت فرقة كايروكي المصرية أغنية “مكملين… متجمعين” خصيصًا له، وتم اعتبار الإعلان من ضمن الإعلانات الأكثر مشاهدة في رمضان لذلك العام.
النوستالجيا
وهي من أكثر الأفكار الإبداعية التي أتت بها الإعلانات الحديثة مؤخرًا، وهي أيضًا جزء من الاستغلال العاطفي للمشاهد لربطه عاطفيًا بالإعلان، كانت شركة بيبسي هي أول من استخدمها، حيث نافست الإعلان السابق لكوكاكولا في نفس العام، ليحرز إعلان بيبسي الأكثر مشاهدة في رمضان، بسبب اعتماد بيبسي على فكرة النوستالجيا، وهي عرض ذكريات قديمة للثقافة المصرية داخل الإعلان، بل واستعانات بالتكنولوجيا لعرض ممثلين محبوبين من قبل الشعب المصري داخل الإعلان رغم وفاتهم، ليشعر المشاهد وكأنهم لم يموتوا، وأن الممثلين المفضلين له يمكنهم أن يرسموا البسمة على وجهه من جديد.
هذا عندما عرضت بيبسي إعلانها لذلك العالم بظهور الفنان فؤاد المهندس المحبوب لدى فئة كبيرة جدًا من الشعب المصري بصورة شخص يشبهه مع بعض التعديلات بالفوتوشوب ومساحيق التجميل، ليشعر كل من شاهد الإعلان بأن فؤاد المهندس بنفسه في الإعلان، كما عرضت بيبسي العديد من نوستالجيا البرامج المصرية القديمة كـ “بوجي وطمطم” المحبوب من قِبل الأطفال، كل ذلك في إعلان واحد ربط المشاهد تلقائيًا بالإعلان بطريقة عاطفية للغاية، نجحت فيها بيبسي ببراعة وفازت بالمنافسة الإعلانية في ذلك الوقت، لتتبع استخدام تلك الفكرة في عرض النوستالجيا في كل إعلان من إعلانتها الرمضانية.
اتبعت نفس السياسة شركات الاتصالات، فلم تعد تعرض كل شركة عن عروضها الخاصة بالدقائق والإنترنت كما كان من قبل، بل تستغل هي الأخرى رمضان في جذب المشاهد للإعلان، كما فعلت ومازلت تفعل شركة فودافون للاتصالات، حيث عرضت إعلان جمع بين الممثلين الذين تجمعهم صلة قرابة أو أخوة، وهو الأمر الذي يعود بنا للنقطة الأساسية، وهي التأثير على المشاهد عاطفيًا لربطه بالإعلان أكثر من المنتج أو الخدمة المعروضة، وهو الذي ينعكس بالإيجاب كليًا على مبيعات الشركة.
تم اتهام الإعلانات مؤخرًا بانحطاط الذوق الأخلاقي، والتدني في اختيار الألفاظ المستخدمة داخل الإعلانات، وميل بعض الإعلانات إلى الإيحاءات الجنسية والعنصرية ضد المرأة، وهو الأمر الذي جعل جهاز حماية المستهلك في مصر يمنع بث أكثر من خمسة إعلانات في رمضان الحالي أثارت ضجة كبيرة بعد أن تمّ اتهامها بالإسفاف وانخفاض الذوق العام.
إعلان شركة جهينة الذي أثار ضجة في المجتمع المصري بسبب ترويجه لأفكار مغلوطة تناولها المجتمع بشكل مختلف، فشريحة معينة اتهمت الإعلان بالإيحاءات الجنسية حيث تم استخدام لفظ “الدندو” في إشارة لصدر المرأة، وهو اللفظ الجديد الذي تم سماعه في حوادث التحرش الجنسي في الشارع المصري.
من جانب آخر اتهمته جهات طبية بأن الإعلان مروّج لأفكار صحية مغلوطة مستغلًا شريحة كبيرة من المجتمع المصري تعتمد على الإعلانات كمصدر للمعلومات، حيث يروّج الإعلان بأنه من الطبيعي جدًا الاستغناء عن لبن الأم واستبداله باللبن البقري، وهي معلومة مغلوطة إذ لا يمكن استخدام أي لبن غير لبن الأم أو اللبن الصناعي المغذى بالحديد للطفل حتى 6 أشهر، كما لا يُنصح باستخدام اللبن البقري للأطفال في عامهم الأول، ولا يمكن أبدًا اتهام الأم التي تستخدم اللبن الطبيعي في إرضاع طفلها بأنها لا تحثه على النمو كما يشرح الإعلان بطريقة فكاهية ساخرة.
الإعلانات الخيرية
وهي الإعلانات التي لم تكن موجودة منذ عقد مضى، والتي تعتمد عليها المؤسسات الخيرية التي تعتمد على تبرعات المشاهد، إذ تقوم بالتأثير على المشاهد عاطفيًا بعرض المحتاجين والفقراء، أو بعرض المرضى ومن هم بحاجة للمساعدة المالية، وفي النهاية تعرض رقم الحساب البنكي الخاص بالمؤسسة الخيرية، أو يتم التبرع عن طريق إرسال رسالة نصية بقيمة نقدية معينة على الرقم الذي تعرضه المؤسسة على الشاشة.
إعلان مؤسسة مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب للأطفال
لم تعد الإعلانات تعرض مزايا المنتج أو الخدمة في إعلان يدوم لثوانٍ معدودة على الشاشة، بل تحرص الشركات الآن على الاستثمار في إعلاناتها بمبالغ ضخمة، لأنها الوسيلة الفعّالة في ربط المشاهد بالمنتج، ويجعل للمنتج صورة في العقل اللاواعي للمشاهد من الصعب نسيانها أبدًا.