قد يبدو للكثير من الناس حول العالم أن الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن بما يعاني منه من ارتكاسات مختلفة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية لا يملك أي فرصة للنمو وأن هذا الوقت غير مناسب لتحقيق الأرباح وتنمية الثروة الشخصية، والكثير يدرك أن هناك أوقات في السنة أو في العقد تمر فيها الأسواق بفترات ركود تؤدي إلى انخفاض الأسعار في مختلف الأسواق المالية.
إلا أن هناك فئة قليلة جدا من الناس من يبحث له عن موطأ قدم في زحمة الأزمات والانخفاضات في العديد من المجالات فهناك أشخاصا يصطادون في المياه العكرة ويتقنون العمل في فترات الركود والأزمات دون غيرها يستطيعون من خلال صفقات مالية تحقيق ما يحققه خلال سنوات وقت الازدهار.
تلك الفئة تخيف الأسواق المالية ويدبون الرعب في قلوب الساسة والعامة ويؤذون الطبقة الاجتماعية العاملة. وأعنفهم هو جورج سوروس الذي كسر بنك إنكلترا واستطاع تحقيق ربح يزيد عن 1.1 مليار دولار في يوم واحد فقط على حساب بريطانيا التي عرفت ذلك اليوم ب”الأربعاء الأسود” الموافق ل 16 سبتمبر /أيلول عام 1992. في ذلك اليوم عنونت إحدى الصحف على صفحتها الأولى “الاغتصاب الاقتصادي على حساب مدخرات الطبقة العاملة البريطانية”.
قام سوروس ببيع أكثر من 10 مليارات دولار من الجنيه الاسترليني على المكشوف (البيع ومن ثم الشراء لاحقًا) مستفيدًا من تردد بنك إنجلترا المركزي لرفع معدلات الفائدة إلى مستويات مماثلة لآلية الصرف الأوروبية (ربط العملات الأوروبية بالمارك الألماني) أو تعويم عملتها وهو الأمر الذي أجبر البنك المركزي على سحب عملته من آلية الصرف الأوروبية وتخفيض قيمة الاسترليني فاشترى سوروس مجددًا ليجني أرباحًا كبيرة.
وبعدها بخمس سنوات في العام 1997 تسبب سوروس بانهيار العملة التايلندية “البات” حيث توقع المضاربون أن البات سيتراجع أمام الدولار فقاموا ببيعه مقابل شراء الدولار فاستخدم البنك المركزي التايلندي احتياطياته من النقد الأجنبي لدعم البات ولكن تم تعويم العملة وسرت الأزمة في الأسواق المالية في دول النمور الخمسة وأدت لانهيارات كبيرة وانخفاضات في عملات الدول الآسيوية.
ويقال أن سوروس جمع ثروة تقدر ب 7 مليار دولار أتت معظمها من شركته الخاصة الممثلة بالصندوق التحوطي والمضاربات التي أقدم عليها منذ العام 1970 وحتى العام 1999 حيث عمل الصندوق الرئيس هي المضاربة (المقامرة ) على ارتفاع وانخفاض الأسهم والسندات والعملات العالمية لجني الربح ومن ثم الانسحاب مخلفا وراءه خسائر اجتماعية واقتصادية وسياسية تصيب البلد والعملة والسوق الذي ضارب فيه.
سوروس يعود!
في الأسبوع الماضي حمل تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال أن المضارب جورج سوروس يعود للتداول مجددًا إذ يرى فرصًا لجني الربح من وراءها من مختلف الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تحيق بالعالم.
بدأ سوروس يتموقع لما يتوقع أنه سيكون هناك هبوط حاد في الأسواق المالية التي يعتبر أنها باتت متضخمة كثيرًا وتنتظر حركة تصحيحية، وقد يكون هذا مربح جدًا لمضارباته ويبحث عن التوقيت والفرصة المناسبة ليقتنصها ويقع فيها البنوك المركزية والأسواق المالية بالهلع.
الأسبوع الماضي شهد مواصلة هبوط أسعار الفائدة حول العالم؛ فسندات العشر سنوات الألمانية أغلقت بالقرب من معدلات فائدة سلبية والمعدل الوسطي على أسهم الدين الحكومي انخفضت تحت الصفر للمرة الأولى، وفي اليابان الوضع ليس أفضل من سابقه فالانكماش الاقتصادي في اليابان لا تزال الحكومة تحاربه بشتى الطرق بدون فائدة والمعدل الإسمي على سندات الحكومة ل 15 عاما أصبحت في المنطقة السالبة، فضلا عن أسواق النفط التي عرفت أسبوعًا جامدًا.
ما الذي ينتظر الأسواق العالمية في الأيام القادمة؟
1- من المقرر في 23 الشهر الجاري الاستفتاء على بقاء أو مغادرة بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والذي سيكون له وقع مؤلم على الأسواق المالية خصوصا إذا جاءت نتيجة الاستفتاء بمغادرة بريطانيا من الاتحاد حيث سيتبعها إجراءات بين الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي بخصوص اتفاقيات التجارة الحرة، وتشير تقارير استطلاع الرأي في بريطانيا أن من يرغبون بالخروج من الاتحاد ارتفعت نسبتهم أربع نقاط عن الذين يودون البقاء ضمن الاتحاد.
2- الصين تحاول تنفيذ سياسات مالية بهدف تحقيق التوازن بين السيولة لدعم الاقتصاد وإدارة تضخم الدين حيث تشير التقارير المنشورة أن مستويات الدين الحكومي وصلت إلى 250% بالنسبة للناتج المحلي وهذا يرفع درجة الخطورة باحتمال أزمة مالية في الصين سببها الدين كما حدث في الأزمة المالية العالمية في الولايات المتحدة 2008 وهذا قد يؤدي لهزة على مستوى العالم في البورصات العالمية.
3- الانتخابات التمهيدية الأمريكية والمؤشرات التي تدل على لهجة الإنعزالية باتت تشير أنها أكثر من مجرد كلام يقودها المرشح عن الجمهوريين دونالد ترامب، وهو ما قد يؤدي لتغييرات حاسمة على مستوى قيادة الولايات المتحدة للعولمة الاقتصادية والمالية في العالم.
4- التقلبات الكبيرة في أسعار الصرف والتي تعكس اختلافات واسعة النطاق بين اقتصاديات العالم من حيث السياسة النقدية المتبعة في كل دولة من دول العالم ذات الاقتصاديات الكبيرة، علما أنه سبق أن جرى اجتماع ضم كبرى اقتصاديات العالم في طوكيو وقرروا إرساء قواعد أكثر جدية لاستقرار أسعار الصرف العالمية.