تصالحت الأمم المتحدة مع جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني بشكل تام، بل وأوكلت إليها مؤخرًا رئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة، لتتولى للمرة الأولى رئاسة واحدة من اللجان الدائمة الست للمنظمة الدولية منذ انضمامها لها في العام 1949.
تشرف اللجنة القانونية أو اللجنة السادسة كما تعرف في نظام المنظمة الدولية على القضايا المتعلقة بالقانون الدولي ومكافحة الإرهاب، وهو ما يُعد تجاهلاً تامًا لتاريخ إسرائيل الدموي وعمليات انتهاكها للقانون الدولي.
هذا المنصب بالتحديد يتضمن المسؤولية عن البروتوكولات الملحقة باتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب والانتهاكات التي ترتكبها الدول، بما يعني أن اختيار دولة الاحتلال لهذا المنصب، سيجعلها بكل بساطة المسؤول عن تمرير بروتوكولات تخص هذه الاتفاقية، رغم الاتهامات المتكررة لها كثيرًا بانتهاك هذه البروتوكولات والمواثيق.
دولة الاحتلال الراعي الرسمي لجرائم الحرب
يجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الاختيار قد تناسى تصنيف ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي بـ “جرائم الحرب” في فلسطين، هذا التصنيف الذي جاء عبر مؤسسات حقوقية دولية عدة من بينها الأمم المتحدة نفسها.
حيث أشارت منظمة العفو الدولية في العام 2014 أن القوات الإسرائيلية قتلت عشرات المدنيين الفلسطينيين بهجمات استهدفت منازلاً فيها عدد كبير من العائلات في قطاع غزة، مما شكل جرائم حرب في بعض الحالات.
وفي تقريرها – الذي جاء بعنوان “عائلات تحت الأنقاض: هجمات إسرائيلية على منازل فارغة” – تحدثت منظمة العفو الدولية عن 8 هجمات شنها الجيش الإسرائيلي على منازل “بدون أي تحذير” وقتل خلالها “ما لا يقل عن 104 مدنيين بينهم 62 طفلاً”.
وناشدت المنظمة مجلس الأمن حينها بإحالة ملف الأوضاع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيها، واستشهد في الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة واستمرت من 8 يوليو إلى 26 أغسطس أكثر من 2100 فلسطيني أغلبهم من المدنيين.
وعن نفس الحرب اتهمت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة دولة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب محتمَلة في غزة تلاها إعلان إجراء تحقيق أممي في هذه الانتهاكات.
لجنة التحقيق المشكلة الخاصة بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة التي عرفت حينها في الأوساط الإسرائيلية باسم “الجرف الصامد” قدمت تقريرها للأمم المتحدة في مقرها بمدينة جنيف موصية المجتمع الدولي بدعم عمل وامتداد ولاية محكمة الجنايات الدولية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، متهمة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلال هذا الهجوم.
كما قدمت دعاوى متعددة ضد دولة الاحتلال تتهمها بالاستخدام المفرط في القوة ومساءلات بشأن استخدام أسلحة غير تقليدية من قبل إسرائيل في الحرب، ومن بينها طراز من القنابل تؤدي إلى إصابات لم يرها الاطباء من قبل، وعجزوا عن علاجها.
وفي حادث آخر أوردته صحيفة “الأوبزرفير” حينها قالت إنه طبقًا لشهود عيان فإن إسرائيل متهمة بارتكاب عدد من جرائم الحرب خلال هجوم القوات الاسرائيلية على قرية خزاعة والذي قتل فيه 14 شخصًا.
وطبقًا للشهادات التي جمعتها الصحيفة فإن الجنود الإسرائيليين حاولوا هدم منازل ما زال سكانها بداخلها، وقتلوا مدنيين كانوا يحاولون الفرار وهم يرفعون الأعلام البيضاء، وفتحوا النيران على سيارة إسعاف كانت تحاول الوصول إلى الجرحى.
كما خلص تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش بعد الحرب إلى أن دولة الاحتلال ارتكبت جرائم حرب باستهدافها وتدميرها لمدارس تأوي أشخاصًا مشردين بينهم عدد كبير من الأطفال أثناء عدوانها الأخير على قطاع غزة.
ووفق التقرير الذي استند إلى تحقيق معمق قامت به فرق المنظمة، فإن الغارات الثلاث شنت يوم 24 و30 يوليو و3 أغسطس من العام 2014، تسببت في مقتل 45 شخصًا، منهم 17 طفلاً.
وذكر التقرير أن اثنتين من الغارات استهدفتا مدرستين تابعتين لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بشمال غزة يومي 24 و30 يوليو لم تستهدفا أهدافًا عسكرية، وكانتا غير مشروعتين وذات طابع عشوائي.
كما كانت الغارة الثالثة في رفح “غير متناسبة وعشوائية”، وأضافت رايتس ووتش في تقريرها أن “الهجمات غير المشروعة التي تنفذ عمدًا، أي بإصرار أو لا مبالاة، تعتبر جرائم حرب”.
الأمم المتحدة اتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد الأطفال
كانت وكالة رويترز بعد عام من الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة قد حصلت على وثيقة سرية من الأمم المتحدة تشير إلى أن وكالات الأمم المتحدة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية تحدثت عن سقوط عدد مفزع من الضحايا من الأطفال في الحرب على قطاع غزة، لكنها انقسمت فيما بينها بشأن ما إذا كان يجب إدراج إسرائيل في قائمة منتهكي حقوق الأطفال.
وبالفعل قامت الجزائرية ليلى زروقي مبعوثة الأمم المتحدة الخاصة لشؤون الأطفال والصراع المسلح بإعداد مسودة للقائمة السنوية تضمنت اسم دولة الاحتلال، ولكن قالت مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة لوكالة رويترز إن إسرائيل تقوم بحملة قوية للحيلولة دون ضمها للقائمة وأن الأمين العام للأمم المتحدة مال وقتها لعدم ضم إسرائيل.
وتحدث التقرير حينها عن دور لـ “سامانثا باور” سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة حثت من خلاله بان كي مون على عدم ضم إسرائيل للقائمة السوداء.
إلا أن هذا لم ينف ما حددته المسودة بقتل وإصابة أطفال فلسطينيين بيد القوات الإسرائيلية واعتقال أطفال فلسطينيين وهجمات على المدارس، واعتبر أن الجزء الذي قوض على ما يبدو قضية إدراج إسرائيل في القائمة السوداء أن رؤوساء وكالات الأمم المتحدة على الأرض أخفقوا في التوصل لاتفاق في الرأي بشأن ما إذا كان يتم إدراج إسرائيل في قائمة منتهكي حقوق الطفل.
كيف تدار الأمم المتحدة؟
يبدو من هذه الحوادث المتتالية في الأمم المتحدة أن المنظمة الأممية تحولت إلى منظمة سياسية خاضعة لنفوذ الدول، وفي هذا يمكن قراءة ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية التي قالت إن ضغوطًا مارستها السعودية على هيئة الأمم المتحدة أدت إلى حذف اسمها من اللائحة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال.
وقالت الصحيفة: “خضعت عملية فضح الجيوش التي تقتل وتشوه الأطفال في ساحات المعارك لمناورات سياسية مكثفة بين الأقوياء في الأمم المتحدة ولمدة عامين”.
وأشارت في هذا الصعيد إلى تعرض الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بان كي مون العام الماضي، إلى ضغوط كبيرة من إسرائيل والولايات المتحدة، لعدم إدراج دولة الاحتلال على اللائحة بالرغم من توصية مسؤول رفيع بهذا الشأن.
وعرجت الصحيفة على القرار الذي اتخذه بان كي مون مؤخرًا بحذف التحالف العسكري العربي الذي يقصف اليمن بقيادة السعودية من اللائحة، وذلك بعد مرور أربعة أيام فقط على إدراجه في القائمة.
ونقلت الصحيفة عن “فيليب بولوبيون” من منظمة “هيومن رايتس ووتش” قوله: “بعد إجراء مماثل العام الماضي حيال إسرائيل، فإن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة وصل إلى مستوى جديد من الاستسلام للضغوط السعودية الوقحة، وحذف اسمها من قائمة العار التي نشرت لتوها”، وأضاف “الأطفال في اليمن يستحقون أكثر من ذلك”.
وبعد هذا كله تغاضت دول أوروبية عن جرائم الاحتلال ورشحت إسرائيل لمثل هذا المنصب الإداري لكنه يحمل رسالة تشير إلى أن منتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي جرائم الحرب قد يصلوا إلى مناصب أممية، فبحسب التقليد المتبع، فإن رئاسة اللجنة المذكورة يتم بالتداول بين المجموعات، وهذا العام هو دور مجموعة غرب أوروبا والتي أجمعت على ترشيح إسرائيل.
قرارات مماثلة تتناقض مع وظيفة الأمم المتحدة
تكرر هذا المشهد قبل عامين عندما ترشحت دولة الاحتلال الإسرائيلي لمنصب نائب رئيس اللجنة الأممية الخاصة بمكافحة الاستعمار في وقت تحتل فيه إسرائيل الأراضي الفسلطينية، حيث لم تنجح مجموعة من سفراء الدول العربية في الأمم المتحدة في عرقلة مثل هذا القرار.
وكذلك أثار تعيين سفير السعودية بالأمم المتحدة في جنيف، فيصل بن حسن طراد، قبل ذلك على رأس لجنة الخبراء المستقلين في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، موجة انتقادات، لاسيما من المنظمات الحقوقية.
حيث قالت حينها منظمة “مراسلون بلا حدود” الحقوقية في بيان، إن هذا التعيين على رأس لجنة الخبراء المستقلين في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة “تعيين سخيف للغاية” بحسب البيان، وأضافت “من المشين أن تتغاضى الأمم المتحدة عن هذه الرئاسة علمًا بأن المملكة العربية السعودية تعد من أكثر الدول قمعًا في مجال حقوق الإنسان”، وخير دليل على ذلك هو أنها “تقبع في المرتبة الـ 164 من أصل 180” على جدول تصنيف حرية الصحافة لعام 2015 الذي أعدته المنظمة الحقوقية.