بقي قرابة الأسبوع على الاستفتاء في بريطانيا المقرر في 23 الشهر الجاري، الكل يتطلع إلى ذلك اليوم متفائلين بالخروج من الاتحاد أو متشائمين منه، المضاربون في سوق العملات ينظرون بعيون أخرى للحدث الكبير، فليس المهم بالنسبة إليهم الخروج أو البقاء بحد ذاته، بقدر ما يهمهم الانعكاسات الاقتصادية التي ستحدث، حيث درسوا كل السيناريوهات المتوقعة في حال خروج بريطانيا من الاتحاد.
غوردون براون كتب يقول “على بريطانيا تزعم الجهود الرامية للإصلاحات الاقتصادية في أوروبا وإبراز مكانة بريطانيا أكثر من خلال لعب دور فاعل في حل النزاعات الدائرة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهذا لا يتم بالانعزال كما يريد مروجو حملة مغادرة أوروبا”.
الجنيه الإسترليني على أجندة المضاربين
البنك المركزي البريطاني في قلب العاصفة اليوم وعيون أولئك المضاربين ترمقه ليروا ماذا سيفعل لحماية الجنيه الإسترليني والاقتصاد الوطني، وكأن التاريخ يعيد نفسه! حيث لا ينسى المركزي البريطاني يوم “الأربعاء الأسود” في 16 سبتمبر/ أيلول عام 1992 عندها انهار الجنيه الإسترليني تحت وقع بيع كميات كبيرة من الإسترليني إبان خروج بريطانيا من آلية سعر الصرف الأوروبية.
جورج سوروس كان أبرز المضاربين على الإسترليني في ذلك اليوم واستطاع تحقيق ربح قدره 1.1 مليار دولار بيوم واحد فقط ولقب بالرجل الذي كسر بنك إنجلترا، حيث توقع أن البنك المركزي البريطاني سيتردد بعد الخروج من آلية الصرف الأوروبية برفع معدلات الفائدة أو تعويم العملة، فباع على المكشوف كميات كبيرة جدًا من الإسترليني ليشتريها لاحقًا بعد صدق نبوءته ورفع المركزي الفائدة على الإسترليني.
الجدير بالملاحظة ما أوردته صحيفة وول ستريت الأمريكية الأسبوع الماضي أن سوروس عاد للتداول مجددًا، فهل يستغل سوروس ظرف بريطانيا في الاستفتاء ويكسر بنك إنجلترا مرة أخرى؟
الجنيه هبط في سوق العملات الأجنبية (الفوركس) في بداية عمل الأسواق المالية هذا الأسبوع ليسجل أدنى مستوى له منذ ثلاثة أسابيع أمام الدولار بفعل تصريحات لأبرز مؤيدي الخروج من الاتحاد بوريس جونسون قال فيها إن الاتحاد الأوروبي يسير على نهج هتلر ونابليون بسعيه وراء إقامة دولة أوروبية كبرى، ويذكر أن جونسون هو رئيس بلدية لندن السابق وأحد أبرز المناهضين للبقاء في أوروبا.
في الأشهر الماضية كان الخطر أقل مما هو عليه الآن بالنسبة للإسترليني، فاستطلاعات الرأي كانت تشير إلى تغلب حملة “البقاء” على حملة “الخروج” ولكن مع اقتراب موعد الاستفتاء وتضارب الأخبار الواردة من المؤيدين لكلا الحملتين وتغلب نسبة من يودون الخروج فإن وضع الإسترليني ازداد خطورة.
لا شيء يدعو للقلق!
بحسب صحيفة الغارديان فإن ضعف الإسترليني ليس بسبب الخوف من نتيجة الاستفتاء بل يعود إلى القمة التي وصل إليها في العام 2014 ومنذ ذلك الوقت اتخذ اتجاه الهبوط بسبب القلق من عدم توازن الاقتصاد وبشكل خاص حجم العجز الحكومي للبلاد الذي وصل إلى 7% من حجم الناتج المحلي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي 2015.
ففي الماضي أدى عجز الحساب الجاري بذلك الحجم إلى هبوط في قيمة الإسترليني لذا من المحتمل تكرار نفس السيناريو وأن يسفر العجز المسجل عن انخفاض في قيمة الإسترليني في السنة أو السنتين المقبلتين بغض النظر عن نتائج الاستفتاء.
ومع ذلك فإن انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني قد لا تحمل ضررًا كبيرًا للاقتصاد البريطاني، فبوسع السواح القادمين إلى بريطانيا الحصول على جنيهات أكثر والتمتع بشراء السلع والخدمات أكثر، كما أن الميزة التنافسية للبضائع البريطانية قد تزداد بفعل انخفاض تكلفتها مقابل البضائع الأخرى، وهذا ما قد يسمح بزيادة في الصادرات على حساب الواردات، ومن جهة أخرى ونتيجة المصنعين الذين لا يصدرون ويعتمدون على استيراد المواد الخام من الخارج، سترتفع التكاليف على المواد المصنعة وينعكس ذلك على السلعة والخدمة النهائية بفعل ارتفاع التكلفة، ما قد يقود إلى تضخم.
الاقتصاد البريطاني على مفترق طرق
المستقبل غامض نوعًا ما بالنسبة للاقتصاد البريطاني، فما هي ردة فعله في حال الخروج من الاتحاد بشأن اتفاقيات التجارة الحرة مع أوروبا وكيف سيتعامل مع ارتفاع البطالة وانخفاض قيمة الإسترليني وأسعار الفائدة؟ فبحسب وزارة الخزانة البريطانية فإن أسوأ سيناريو للجنيه الإسترليني قد يهبط بنسبة 15% بعد الاستفتاء، كما أن العديد من الشركات والبنوك الأجنبية قد تغادر بريطانيا والعديد من المسثمرين الأجانب سينقلون أموالهم من بريطانيا، وهذا كله سيتسبب في إضعاف الإسترليني أكثر، فضلاً عن تسريح مئات الآلاف من ظائفهم من الشركات الأوروبية في بريطانيا.
في حين يرى مؤيدو الخروج أن أداء الاقتصاد البريطاني بعد الخروج من الاتحاد هو الذي سيحدد قيمة الإسترليني في النهاية، فإذا كان أداء الاقتصاد جيدًا فالإسترليني سيتحسن ويرتفع مقابل العملات الرئيسية في سوق العملات الأجنبية كما حصل في العام 2012 والعام 2013 عندما ارتفعت نسب النمو في الاقتصاد البريطاني على نقيض اقتصاديات اليورو التي بقيت تكافح الركود في تلك الفترة.
الأمر كله متوقف على البنك المركزي كيف سيتصرف بعد الاستفتاء! ما السياسة التي سينتهجها؟ ففي حال كان البنك قلقًا من خطر الركود على الاقتصاد فمن الممكن أن يكون الهبوط في الإسترليني مساعدًا للاقتصاد، بحيث إنه سيكون داعم لتحقيق معدلات نمو أكثر، وقد يحصل ما يخشى منه أي بنك مركزي في العالم إذا تمت المضاربة على الإسترليني من خلال بيع كميات كبيرة منه وهروب رأس المال للخارج ما قد يجبره على رفع معدلات الفائدة لكبح جماح التضخم وتخارج رأس المال.