بعد الهجوم الإرهابي الذي نفذه عمر متين المولود والمترعرع في الولايات المتحدة الأمريكية، خرج مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب لينسج على المنوال الذي عودنا عليه ويحمل مسؤولية ما حدث للمسلمين، ودعا لمنعهم من الدخول لأمريكا قائلاً: “ليس لدينا أي خيار آخر”، وفي الجانب المقابل دافعت “منافسة” ترامب في الانتخابات الرئاسية ومرشحة الحزب الديمقراطي وكذلك وزيرة الخارجية الأمريكية سابقًا هيلاري كلينتون عن المسلمين وقالت إنه يجب حماية جميع الأمريكيين بدون استثناء.
لا يخفى على أحد من المراقبين أو المتتبعين للأحداث المشابهة التي هزت الغرب بأن سياسة “الكيل بمكيالين” لا زالت بادية في الأحكام الجاهزة تجاه دين معين وفئة معينة، وهناك أمر آخر يجب الإشارة إليه وهو أن الهجوم الأخير يأتي قبل شهور قليلة من الانتخابات الـ 58 لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني أنه يمكن أن يكون له تأثير على الحملات الانتخابية، وقد تكون سياسة الكيل بمكيالين هي الأداة المستعملة.
سياسة الكيل بمكيالين
قال نعوم تشومسكي معرفًا مصطلح الإرهاب عند أمريكا، “التعريف الأمريكي للإرهاب: هو إرهاب فقط إذا ارتكبوه ضدنا، أما عندما نفعل بهم ما هو أفظع منه فليس إرهابًا”، هذا هو منطق “الكيل بمكيالين”، أو ما يمكن أن نسميه “حلال عليهم حرام علينا”، فأمريكا يمكنها وبكل برودة دم أن تستنزف ثروات البلدان وتدمرها وتقتل شعوبها بدون أن يكون ذلك إرهابًا، وكذلك لا يمكن لأحد أن يقول عن جرائم الكيان الصهيوني – الابن غير الشرعي لأمريكا – في حق الشعب الفلسطيني بأنها جرائم حرب أو أعمال إرهابية، لكن ارتكاب جريمة واحدة في الغرب بشكل فردي، ومن طرف شخص مسلم، فعلى الفور توصف العملية بالإرهابية، علمًا أن جرائم القتل في أمريكا تحدث يوميًا.
أمريكا والعنف
في سياق الحديث عن العنف وعن الجرائم دعونا نتطرق لمعدلها داخل بلاد العم سام، فهذه الأخيرة تعد من أكثر البلدان التي يرتفع فيها معدل الجريمة، فحوالي 20 ألف جريمة تقع سنويًا، منها ما يقارب 10 آلاف جريمة قتل، وهذا عائد إلى انتشار الأسلحة في صفوف المواطنين، فامتلاك السلاح حق دستوري للمواطن الأمريكي وهذا مندرج في الحرية الفردية.
إن العنف أمر متجذر في الثقافة الأمريكية، فالإنسان الأمريكي عنيف بطبعه وهذا متجسد بوضوح فيما يعرض عبر الشاشات من أفلام تصور الإنسان الأمريكي على أنه شخص لا يقهر لأنه يتعامل بالأسلحة ويجيد استخدامها، وكذلك نجده في الرياضات الأكثر شعبية في أمريكا، فأغلبها ذات طبيعة عنيفة (الريكبي مثلاً)، بمعنى أن العنف لدى الإنسان الأمريكي أمر متجذر في ثقافته وتاريخه ويقره دستور البلاد.
لقد كان نقاش منع بيع الأسلحة في الولايات المتحدة يفقد المرشحين الأصوات، لكن الرئيس الأمريكي أوباما ولأنه في آخر أيامه صرح في خطابه أمس 14/06/2016: “لا يمكن منع جميع الاعتداءات داخل الولايات المتحدة بدون جعل مسألة اقتناء الأسلحة أمرًا صعبًا”، وهذا اعتراف واضح بأن سبب الجرائم داخل أمريكا هو سبب داخلي متأصل في الدستور.
هجوم أورلاندوا والتوظيف الانتخابي
تندرج التصريحات التي ذكرتها في بداية مقالي في إطار الحملة الانتخابية لكل من المرشحين الانتخابيين، فترامب مثلاً بتصريحاته المعادية للمسلمين، وبتحميله المسؤولية لهم فيما وقع ويقع وسيقع، وذلك عبر اتهامات جاهزة يحاول استعطاف الأمريكيين لدعمه، عبر تصوير نفسه كمنقذ ومخلص من “الإرهابيين”، وهذا ما ذهب إليه الناطق باسم البيت الأبيض جوش أرنست حيث قال “إن ترامب يسعى للاستفادة من الجوانب المظلمة واستغلال مواقف الناس من أجل شحذ التأييد لحملته الانتخابية”.
أما كلينتون فقد خدمتها تجربتها في وزارة الخارجية الأمريكية وكانت “ديبلوماسية” أكثر، حيث دافعت عن المسلمين وطالبت بالدفاع عن الأمركيين بصفة عامة كيفما كان لونهم أو جنسهم أو دينهم، وعدم تصوير المسلمين كأشرار، لكن أظن أن كلامها لا يخرج عن نطاق الحملة الانتخابية كذلك – ولست أحكم هنا على نيتها وإنما على أعمالها -، فقد كانت في الفترة الممتدة بين 2009 و2013 وزيرة للخارجية، أي ممثلة للسياسة الخارجية الأمريكية التي ذهب ويذهب ضحيتها الأبرياء سواء بطرق مباشرة أو بطرق غير مباشرة، وقد سبق لها أن ذكرت في كتابها المعنون بـ “خيارات صعبة” أن داعش صنيعة أمريكية، والهدف منها هو تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وهذه هي الطرق غير المباشرة لقتل الأبرياء وبسكوت “العم سام” على ما يحصل تحولت إلى طرق مباشرة.
قال باراك أوباما بأن استخدام مصطلح الإسلام المتطرف ليس استراتيجية وإنما يستخدم لأغراض سياسية، وهذا اعتراف آخر من الرئيس الأمريكي حول الهدف من وراء وصف الإسلام بالمتطرف، والذي هو سياسي بامتياز، وقد قال أيضًا في كلامه الذي يشبه خطابًا توديعيًا “منفذو هجمات سان بيرناردينو وأورلاندو كانوا مواطنين أمريكيين”، هذا كلام معقول لو كان مطبقًا، لكن سيظل شعارًا سياسيًا كما كان، وفي الواقع تبقى سياسة ازدواجية المعايير هي السائدة.
لا يمكن لأحد أن يقبل قتل الإنسان لأخيه الإنسان تحت أي ذريعة كانت، ولا أحد يقبل سياسة الكيل بمكيالين التي مارسها ويمارسها الغرب تجاه غيرهم، وخاصة المسلمين.