حتى اليوم يتلقى المئات من “شبان” اليمن التعليم في الحوزات العلمية “الشيعية” في إيران والعراق، ومع بداية العام الحالي كان الطلاب في تلك الحوزات يتجاوز 800 مبتعثاً بمنح من الجمهورية الإيرانية، إلى جانب العشرات, ممن يدرسون دراسات أخرى.
أخذت السفارة الإيرانية في اليمن عشرات الطلاب في المرحلة المتوسطة والثانوية إلى مراكز علمية جعفرية في صنعاء وصعدة, لتلقي دورات علمية تتراوح ما بين ستة أشهر وسنتين، بدعم كامل منها، من أجل تعليمهم العقائد الاثنى عشرية، وتأهيلهم دعاة في المناطق الشيعية اليمنية المختلفة. وقد صاحب ذلك الأمر ظاهرة أخرى تتمثل في تدفق العديد من الطلاب اليمنيين إلى إيران للتعلم، ولكن خارج أطر الابتعاث الرسمية، حيث تتكفل إيران بجميع تكاليف الإقامة والدراسة.
نتتبع في هذا التحقيق الصحافي “طلاب اليمن في الحوزات الشيعية” والأدوار المنوطة بهم من أجل دعم المشروع الإيراني والحوثيين في اليمن.
عقب عمليتي “عاصفة الحزم” و “إعادة الأمل” مارس/آذار العام الماضي نشط الطلاب اليمنيون في “الحوزات العلمية” لكن أنشطهم كانوا طلاب “الحجتية المباركة” وهي المدرسة المتمثلة في التمهيد لظهور الإمام المهدي، وتنشط في إيران والشرق الأوسط، ويعتقد في هذه المدرسة الموجودة في “قُم” أن اليماني هو أول بشارات ظهور “المهدي” وتعتقد بوجود أشخاص وتيارات وحتى “أنظمة حكم” يجب تصفيتها وإسقاطها تمهيداً لخروج المهدي المنتظر، في “الفكر الشيعي الجعفري”.
جمع التبرعات والفعاليات
تنقل هؤلاء الطلاب بين وسائل الإعلام الفارسية والحوزات العلمية والمراقد الشيعية رصدناها من أجل جمع الأموال اللازمة لدعم الحوثيين وفتحت الحسابات المصرفية, إلى جانب التنسيق مع لجنة خاصة أسستها طهران من أجل دعم الحوثيين في اليمن، ويرأسها “احمدي مقدم” رئيس شرطة طهران السابق والذي اتهم بقضايا “فساد” وقضايا “أخلاقية” أودت إلى إقالته؛ هذا الدعم الذي لا يشمل جمع المال ولكن يضمن الدعم “الإعلامي” و “الحقوقي الدولي” المساند إلى جانب الدبلوماسية الخارجية النشطة، وهذه كله ذو كادر من “الحوزات الشيعية” وطلابها اليمنيين الذين يصنفون بالأكثر نشاطاً، ويجري التصديق على تمويل اللجنة اللازم من “البرلمان الإيراني”.
تمثيل المشروع الإيراني
أسس هؤلاء الطلاب لهم -بما يشبه اتحاد الطلبة- بمسمى “طلاب اليمن في الحوزات الدينية” والملاحظ من خلال فعاليتهم اعتقادهم الجازم والكامل بـ”الفكر الجعفري” إلى جانب كونهم مساهمين في التمهيد للإمام المنتظر، وكل ذلك مبني على اعتقاداتهم بأن تصدير الثورة الإيرانية إلى اليمن يُعجل بخروج المهدي المنتظر، وأن إسقاط نظام المملكة العربية السعودية أبرز تجليات خروج “إمام الزمان”.
ظهر ذلك واضحاً في فعالية طلاب اليمن في “جامعة المصطفى العالمية قم المقدسة“ لذكرى مقتل قائد جماعة الحوثي القائد حسين بدرالدين الحوثي بحضور وكيل الامام الخامنئي في قم الشيخ أسد قصير، والشيخ علي الكوراني، وعدة شخصيات من أساتذة جامعة المصطفى العالمية وقالوا في بيان للفعالية إن شعارات ثورته ونهجها تأتي “من بركات الثورة الإسلامية التي انفجرت في الجمهورية الإسلامية بقيادة قائد الثورة الامام الراحل روح الله الخميني”.
وفي بيان آخر يشير إلى تاريخ الرابع من يونيو الحالي شارك وفد طلاب اليمن في الحوزات الدينية “في فعالية الذكرى السنوية السابعة والعشرين لرحيل محقق حلم الأنبياء (الإمام الراحل روح الله الخميني قدس سره) في النجف الأشرف أقيمت فعالية برعاية ممثل السيد القائد الخامنئي دامت بركاته في العراق آية الله السيد مجتبى الحسيني دام ظله, حضرها ممثل عن طلاب اليمن في الحوزات الدينية وشخصيات سياسية ودينية واجتماعية مختلفة”.-حسب البيان.
طالب يمني تحدث للصحافة الفارسية مايو/ آيار الماضي أن الخميني (1902- 1989) موجود في قلب اليمن، قال إن “الفكر الإصلاحي للثورة الإيرانية كان على قدر كبير من التأثير في الثورة جنوبي اليمن، وفي ذلك الوقت كان جنوب اليمن يدرس السيرة الذاتية للإمام الخميني في المدارس”.
وزعم أن “اليمن يبلغ عدد سكانها حوالي 25مليوناً, منهم حوالي 8 ملايين من السادات. ما يقرب من ثلث سكان اليمن هم من السادة.”
وتابع: “أثناء الثورة الإيرانية كان اليمن شطرين: شمال اليمن وجنوب اليمن، الحكومة الجنوبية كانت داعمة لإيران في الحرب شمال العراق، والغريب في الأمر أن معظم الناس في شمال اليمن من السنة والشيعة موجودون في الجنوب. علاقة الجنوب مع إيران في ذلك الوقت كانت علاقة سياسية وفكرية، كان الجنوب ذا حكومة يسارية ماركسية. وبنت علاقة جيدة مع الحكومة الإيرانية مثل حكومة حافظ الأسد في سوريا التي لديها علاقات جيدة مع إيران”.
وأضاف: “في الزيدية نعتقد أن الإمامة في ثلاثة فقط: الإمام “علي” وحسن ، والإمام الحسين. بعدها يأتي “القادة” المعصومون، لكن الزيدية انقسمت مع الاثنى عشرية الإمامية”. مشيراً أن “الإمامية في الزيدية تماماً مثل المرشد الأعلى”.
المشاركة في العمليات القتالية
لا يقتصر الدور المنوط بهم في جمع التبرعات فقط لكن وحسب الدراسات في “الحوزات” والتمثل الشخصي يخضع الجميع لدورات قتالية كبيرة على يد قيادات رفيعة في الحرس الثوري الإيراني، وعقب اجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م عاد عدد من هؤلاء إلى اليمن، في وقت كانت إيران تُعلن أنها استحوذت على العاصمة العربية الرابعة، وحسب ذلك فقد أقام الطلبة في جامعة المصطفى العالمية في “مدرسة الحجتية المباركة”- بحضور عدد من أساتذتهم في فبراير الماضي “مجلس عزاء ” “على روح أحد طلبها في الحوزة العلمية قم المقدسة الشهيد الشيخ المجاهد صالح هادي درمان الذي استشهد هو ومجموعه من أسرته بقصف طيران آل سعود لمنزلهم في الجوف”.-حسب وسائل إعلام إيرانية.
وحسب وسائل الإعلام فقد قال الطلاب اليمن في الحوزات “قم المقدسة والنجف الأشرف” “إنهم ماضون على ما مضى زميلهم فيما قالوا إنه دفاع عن الوطن والدين والكرامة”.
ونشر الطلاب في تنظيمهمبياناً (في 8 مايو) يدعو لاستمرار القتال في البلاد: “ندعو أبناء اليمن كافة شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً إلى رفد الجبهات بالعدة والعتاد والرجال الرجال و تناسي الخلافات الداخلية والوقوف صفاً واحداً لمواجهة هذا التواجد, والذي يعتبر مقدمة لاحتلال الارض ولنعتبر مما رأيناه وكيف كانت نتائجه على الشعوب الإسلامية, كما في العراق وافغانستان (ولولا أن الشعب العراقي قاومه وجعل الأرض جحيماً عليه, لما غادر وانسحب مطروداً مدحوراً).”
وتقوم إيران بإكساب هؤلاء الطلاب المهارات القتالية اللازمة من أجل مساعدة العناصر الموالية لها في اليمن، حيث كشفت بعض التقارير أن هؤلاء الطلاب يتم استقبالهم من قيادات في الحرس الثوري الإيراني، وبعض القيادات العاملة في ما يعرف بمكتب الإمام الخميني، ثم توزعهم على ثلاثة معسكرات, تابعة للحرس الثوري الإيراني في ثلاث مدن إيرانية وهي: شيراز، ومشهد وأصفهان، وهي مدن استحدث فيها الحرس الثوري الإيراني ومكتب الخميني معسكرات تدريبية لإعداد المقاتلين في صفوف الحرس الثوري، وحزب اللـه اللبناني، وبقية الحركات الشيعية المسلحة في شبه الجزيرة العربية، وعدد من دول القارة الأفريقية.
تشييع اليمنيين
استطاعت إيران تجنيد هؤلاء الشباب للعمل لصالحها في اليمن، من أجل دعم الحركة الحوثية، ويكونوا ضمن أساتذة جُدد للتشيع في مقار جديدة وهو وعد قطعه صالح الصماد رئيس المجلس السياسي للحوثيين عقب عودته من زيارة طهران يناير/كانون الثاني2015م، بالقول إن إيران ستفتح مراكز ثقافية في اليمن، وخلال السنوات ال26 الماضية استطاعت إيران تشبيع هؤلاء بالمذهب الاثنى عشري من أجل العمل على نشره في اليمن، وإكسابهم المهارات الكافية لكي يكونوا دعاة أو أئمة يدعون إلى هذا المذهب.
وقد ثارت خلافات وظهور جزء مما تنسجه إيران لليمن عام 2009م وأثارت مقالات لشخص يدعى يحيى مشاري سخط الطلاب اليمن في قُم وجاء في بيان: ” يتعرض الطلاب اليمنيون في “قم” إلى مؤامرة خطيرة تستهدف تشويه سمعة كل اليمنيين فيها.. فقد شهدت الأيام القليلة الماضية توزيع أوراق ومنشورات تفوح منها رائحة الكذب والافتراء والنفاق وهدفها إثارة الفتنة بين الطلاب اليمنيين في قم, وكأنهم خطوط متصارعة يكفّر بعضها البعض الآخر.. إننا إذ نستنكر هذه المؤامرة الخطيرة نحذر إخواننا المؤمنين وعلماء الدين المجاهدين من شخصية شاركت في إثارة الفتنة بين الطلاب اليمنيين في قم وهو يحيى طالب مشاري الجوفي .”
بعد ذلك بأيام أعلن الدكتور “عصام العماد”، وهو أقدم طالب يمني في “قُم” إمامته للشيعة في اليمن من خلال إعلان “المجلس الشيعي الأعلى”، وهو ما هاجمه شقيقة حسين العماد ببيان مماثل, وقال حسين إن شقيقه بدأ من خلال هذا العنوان “بنشر أكاذيبه وأراجيفه, وأكثر من التناقضات والمغالطات حتى عكر الأجواء على الشيعة وأوجد عندهم اليأس والإحباط, وشتت رأيهم, وأفسد كلمتهم”. وحسين العماد الذي يعمل الآن كناشط سياسي في جماعة الحوثي كان رئيس اتحاد الطلاب في قُم- بالحوزة العلمية عام 2009م.
وقال حسين في بيانه: ” إن كل ما صدر عن أخي عصام من مواقف سياسية همجية لا تعبر عن رأينا ولا مواقفنا لا من قريب ولا من بعيد, وما صدر منه من مواقف غير مسئولة فهو ناتج عن عدم معرفته بالساحة اليمنية, والأهم من ذلك هو عدم إتباعه لوصايا سيدي الوالد العلامة علي بن يحيى بن حسن العماد والذي أوصاه مراراً وتكراراً بأن يترك هذا المجال ويتم دارسته الجامعية حتى يحصل على شهادة (الدكتوراه), ولكنه لم يستمع لوصايا الوالد, فلذلك كانت مواقفه كارثة على شيعة أمير المؤمنين عليه السلام بشكل عام, وعلى أهلنا وأسرتنا بشكل خاص, ولم يستفد من تلك المواقف الهمجية غير المدروسة إلا الأعداء فقط”.
الحوزة العربية في قُم استغربت ببيان “ثالث” ما أقدم عليه “حسين العماد ” من استنكاره للمجلس “الشيعي الأعلى” وقالت: “في هذه الأيام أثار بعض المغرضين أزمة حادة استهدفوا بها سماحة السيد عصام العماد حفظه الله, وكانت الأزمة تقوم على أساس أن سماحة السيد دافع عن المحنة التي يمرّ بها السادة من الهاشميين في اليمن. وقد أثار الأزمة بعض المشبوهين الذين يعملون ضد الهاشميين في اليمن”.
محمد عبدالملك الشامي
لا يقتصر دور هؤلاء الطلاب فقط على القتال أو خدمة المشروع الإيراني فهم أيضاً يقاتلون إلى جانب حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية، ففي أبريل أعلن الحوثيون أن زعيمهم الروحي محمد عبد الملك الشامي توفي في طهران متأثراً بإصابته في تفجير مسجد الحشحوش الذي قتل فيه عدد من المصلين في العشرين من شهر مارس 2015م، لكن لا يبدو أن ذلك صحيحاً فـ”الشامي” لم يكن في اليمن حين حدثت الإصابة ولم يتحدث الحوثيون البتة في وقتها، ويعتقد أن الرجل قُتل خلال قتال في “سوريا” إلى جانب قيادات في حزب الله اللبناني.
واستنادا لمعلومات أفادت بها مصادر إعلامية لبنانية، فإن الشامي هاجر قبل 17 عاماً إلى سوريا للدراسة في حوزة الخميني في دمشق بترشيح من مؤسس الحركة الحوثية حسين الحوثي. وعمل الشامي خلال دراسته في دمشق على استقطاب طلاب يمنيين للدراسة في الحوزات، وكان يتولى توزيعهم على كل من لبنان وسوريا وإيران، وإعادة إرسالهم للعمل ضمن تشكيلات الحركة الحوثية.
وحسب الإعلام اللبناني أن الشامي كان بمنزلة المبعوث الخاص لزعيم الحركة الحوثية عبد الملك الحوثي إلى رجال الدين الشيعة في لبنان وسوريا وإيران، وكان يعد لتأسيس مدارس في اليمن، تكون فرعاً لمدارس المصطفى في بيروت، إضافة إلى تشكيل إطار إداري موحد للحوزات والمدارس الشيعية في اليمن، ويكون هو المشرف عليها بتكليف من عبد الملك الحوثي.
وكان الشامي ضابط الارتباط الذي يثق به الحوثيون والإيرانيون على حد سواء، وكان بمنزلة “المبعوث الخاص لعبدالملك الحوثي إلى رجال الدين الشيعة في لبنان وسوريا وإيران”.
والمعروف أن حزب الله اللبناني هو من يتولى التعامل المباشر مع كل امتدادات إيران العسكرية والأمنية والعقائدية في المناطق العربية، وما الإصرار على دفنه في بيروت في المقبرة ذاتها التي دفن فيها القياديان في حزب الله عماد مغنية وهادي نصر الله، وفقا لمصادر إعلامية لبنانية، إلا إقرارا بأن الشامي الزعيم الروحي للحركة الحوثية في اليمن والموثوق من قبل إيران وحزب الله كان يتم إعداده ليكون المرجع الشيعي للطائفة في اليمن، وهو تأكيد أيضا على ما يتداولونه من وحدة المسار والمصير الشيعي من لبنان إلى سوريا إلى العراق فاليمن، وذلك تحت لواء ولاية الفقيه الإيرانية، لتصبح في “القضية الشيعية” واحدة، وهي فوق كل اعتبار آخر.
المصدر: مُسند للأنباء