يبدو أن السجون المصرية التقليدية وأماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية لم تكف لمعارضي نظام السيسي الذي ولد من رحم الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013، وعزم على تغييب أكبر عدد من معارضي هذا الانقلاب في السجون والمعتقلات.
تنقسم السجون الرسمية في مصر إلى سبعة مناطق، بها 42 سجنًا عموميًا، بالإضافة إلى 382 مركز وقسم شرطة في محافظات مصر المختلفة، كما يوجد 9 مؤسسات عقابية ودور أحداث تُستخدم لاحتجاز القُصّر، ناهيك عن عشرات مقرات الاحتجاز السرية في أقبية أمن الدولة (الأمن الوطني) وجهازي المخابرات الحربية والمخابرات العامة ومعسكرات الأمن المركزي التي جرى الاعتماد عليها مؤخرًا لاستيعاب الازدياد الهائل في أعداد السجناء.
كل هذه الأرقام الضخمة من السجون لم تتسع لخصوم السيسي من كافة التيارات السياسية وخاصة التيار الإسلامي الذي رفض الانقلاب العسكري منذ أول يوم فطاله أكبر نصيب من القمع وبالتالي سنوات أكبر من الأحكام يُفترض أن تُقضى في هذه السجون.
كان تقرير للمجلس القومى لحقوق الإنسان “مدعوم من الدولة” قد أكد أن التكدس فى أماكن الاحتجاز بأقسام الشرطة وصل إلى ٤٠٠٪ وفى السجون وصل إلى ١٥٠٪، وذلك على خلفية ازدياد حالات الوفاة بين المعتقلين والإهمال الطبي في السجون. هذه الإحصائية التي أكدتها لوسائل الإعلام قيادات أمنية في وزارة الداخلية.
وهو ما قال عنه نجاد البرعى الناشط الحقوقي في مقال نشرته جريدة الشروق إن الأوضاع السيئة فى أماكن الاحتجاز لا يمكن حلها بالتنصل من المسئولية وإلقائها على عاتق “الحرارة الشديدة” أو بحلول غير ذات معنى من قبيل “توزيع المياه مجانًا على المسجونين”.
النظام غير قادر على استيعاب أعداد المعتقلين
فتحت السجون من أول يوم لولادة هذا النظام ولم تغلق حتى الآن، بل إن النظام في مصر أراد أن يسجن المزيد، وما منعه من ذلك إلا ضيق السجون بأهلها بعد حملات الاعتقال الشرسة التي شنتها الأجهزة الأمنية على معارضي الانقلاب العسكري.
لذلك عمل النظام على استراتيجية “الملئ والتفريغ” وهي تعتمد على الإفراج عن عدد من المعتقلين ثم إعادة اعتقال غيرهم للتغلب على هذه المشكلة، لكن في نفس الوقت كان النظام المصري يعمل على حل هذه المعضلة التي تواجه استراتيجيًا فعمد إلى بناء 11 سجنًا كبيرًا على مدار 3 سنوات، رغم الحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها الدولة والمواطن المصري، إلا أن النظام أصر على توجيه دعمًا ماليًا كبيرًا لقطاع السجون، وهو ما يعكس بالطبع توجه النظام القمعي.
السلطات المصرية تحتجز قرابة 60 ألف سجين سياسي وفقًا لبعض التقديرات الحقوقية، في ظل أوضاع مزرية يعيشها السجناء في مختلف السجون وأماكن الاحتجاز، تسببت في وفاة ما يزيد عن 350 منهم، علاوةً على تعرض آلاف منهم للتعذيب المتعمد والمعاملة غير الآدمية وتعمد منع الرعاية الصحية والخدمات الأسياسية عنهم.
5 سجون جديدة في عام واحد فقط
شهد العام الماضي 2015 فقط قرارات ببناء 5 سجون جديدة، حيث افتتح وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم سجن الجيزة المركزي، الذي بُني في مدينة السادس من أكتوبر على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، وبدأ استقبال السجناء بدايةً من يناير/كانون الثاني من العام 2015.
وقد جاء في تصريحات على لسان مدير أمن الجيزة خلال تلك الفترة اللواء كمال الدالي أن السجن أُنشأ بسبب الضرورة الملحة لاستيعاب السجناء بأقسام الشرطة بمراكز محافظة الجيزة بعد زيادة أعدادهم مؤخرًا.
كذلك كانت السلطات المصرية قد بدأت في بناء سجن جديد على طريق الأوتوستراد منذ شهر أكتوبر من العام 2014، حتى تم افتتاحه في يونيو من العام 2015 بمدينة 15 مايو، كما شرعت الدولة في بناء سجن آخر جديد في مدينة القاهرة، يُبنى هذا السجن على مساحة 12 ألف متر في منطقة السلام بالقاهرة، وهو الذي أٌطلق عليه اسم سجن النهضة المتكون من طابقين أصدر مجلس الوزراء قرارًا ببنائه نهاية العام 2014.
وكذلك وافقت الحكومة على بناء سجنين آخرين وهما سجن دمياط المركزي بل وتوسعة مساحة الأرض المخصصة لإنشائه، وسجن آخر على طريق القاهرة أسيوط الغربي.
دولة السجون
هذه السجون لم تكن الأولى أو الأخيرة حيث كان العام 2014 هو الآخر حافل بقرارات حكومية لإنشاء سجون جديدة في مختلف أنحاء الجمهورية.
فقد أصدرت وزارة الداخلية المصرية قرارًا في 16 مارس لإنشاء سجنين في محافظة المنيا في صعيد مصر، الأول ليمان المنيا، حيث تقرر إيداع السجناء المحكوم عليهم بالسجن المؤبد والمشدد فيهما، أما الثاني فهو سجن عمومي شديد الحراسة.
وكذلك أعلن محافظ الشرقية آنذاك سعيد عبدالعزيز في 27 نوفمبر عن تخصيص قطعة أرض بمدينة الصالحية لبناء سجن عمومي جديد، بناء على طلب الأجهزة الأمنية لذلك.
وكان هذا النظام قد افتتح عهده في أغسطس من العام 2013 ببناء سجن ليمان جمصة شديد الحراسة، إذ يقع السجن الذي أنشىء على مساحة 42 ألف متر مربع بجوار مدخل مدينة جمصة بمحافظة الدقهلية.
النظام المصري لم يكتف ببناء 9 سجون جديدة في أقل من 30 شهرًا، حيث وافق شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، في فبراير من العام الجاري، على تخصيص 10 أفدنة بمحافظة البحيرة؛ لإقامة سجن مركزي جديد بادكو.
وبحسب نص قرار رئيس الوزراء، الذي حمل رقم 3455 لسنة 2015، فقد تقرر تخصيص مساحة 10 أفدنة من أراضى الدولة بمنطقة ملاحة الجزيرة غرب الطريق الدائرى بادكو بمحافظة البحيرة؛ لصالح وزارة الداخلية بالمجان لإقامة سجن مركزى جديد.
كما أصدر اللواء مجدي عبد الغفار، وزير الداخلية، في شهر مايو الماضي قرارً بإنشاء سجن مركزي بمديرية أمن القليوبية، وينص القرار 2628 لسنة 2016 على إنشاء سجن مركزي بمديرية أمن القليوبية يسمى سجن العبور المركزي، لتنفيذ الحكام الصادرة ضد الأشخاص الوارد ذكرهم بالمادة الرابعة من القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون.
وتنص المادة الرابعة من القانون على: “تنفذ العقوبة في سجن مركزي على الأشخاص الذين لم يرد ذكرهم في المادتين 2 3، وعلى أنه يجوز وضعهم في سجن عمومي إذا كان أقرب إلى النيابة أو ضاق بهم السجن المركزي “.
لتصبح أبرز ملامح هذا العهد الذي يقوده الجنرال عبدالفتاح السيسي هو بناء 11 سجن جديد في أقل من 3 سنوات، وهو عدد لم يظهر مثيله في المنشآت الصحية أو التعليمية منذ الانقلاب العسكري، بالرغم من تردي القطاع التعليمي في مصر، وكذلك القطاع الصحي، مع تزايد الأخبار الواردة التي تؤكد ازدياد معدلات الديون الداخلية والخارجية للدولة، إلا أن النظام مصر على توجيه موارد الدولة لبناء سجون جديدة لتستوعب خصومه.