أُقصيت رئيسة البرازيل ديلما روسيف عن منصبها مؤقتًا لمدة أقصاها 180 يومًا بعد تحويلها للتحقيق أمام مجلس الشيوخ البرازيلي بتهم فساد تتعلق بالمال العام بعد أن وافق أعضاء مجلس الشيوخ بإجماع غالبية الأعضاء على هذا القرار، بينما تنتظر روسيف الحكم النهائي لهؤلاء النواب الذين سيحاكمونها عما قريب.
وفي حال إدانة أول امرأة تتقلد منصب الرئاسة في البرازيل من قبل مجلس الشيوخ خلال المتبقى من فترة الـ 6 أشهر القانونية سيبقى نائبها ميشال تامر في سدة الحكم حتى موعد الانتخابات المقبلة المقررة في العام 2018.
تتهم روسيف نائبها تامر بتدبير “انقلاب برلماني” بحسب وصفها لإزاحتها من سدة الحكم، وقد حاولت روسيف مع أنصارها في اللحظات الأخيرة قبيل صدور قرار إيقافها عن منصبها أن تلتف على هذا القرار.
وهو ما أوقع انقسام حاد بين غرفتي البرلمان البرازيلي فيما يتعلق بالموقف من روسيف، فقد حاول القائم بأعمال رئيس مجلس النواب، وولدير مارانهاو، عرقلة التصويت على إقالتها بإعلان أن قرار الإحالة باطل والدعوة إلى إجراء تصويت جديد على محاكمة روسيف، لكن مجلس الشيوخ مضى في الأمر وخرج بتنفيذ القرار بأغلبية أعضائه.
وكانت ديلما روسيف قد انتقدت ما اعتبرته “انتخابات غير مباشرة على شكل إقالة”. وما أسمتهم “مغتصبو السلطة”، التي اعتبرت من بينهم نائبها ميشال تامر، المتواطئ في إجراء الإقالة، معلنة استبعادها الاقدام على فكرة الاستقالة.
القائم بأعمال رئيس البرازيل ميشال تامر
تعيش البرازيل حالة من التخبط بعدما أوقفت المحكمة الفيدرالية العليا قبل ذلك، رئيس مجلس النواب إدواردو كونها، عن ممارسة مهامه، وهو الشخصية الثالثة في الدولة، ومهندس إجراء إقالة ديلما روسيف، ويشكل هذا القرار سابقة من نوعها في البرازيل أحدث تخبطًا في الأوساط السياسية والنيابية هناك، فيما يشير البعض إلى وجود محاولات من الموالين لروسيف لتخطي فخ الإقالة.
تتهم روسيف نائبها تامر بتدبير “انقلاب برلماني” بحسب وصفها لإزاحتها من سدة الحكم
هل اقتنعت روسيف بالخروج الآمن؟
تسري الآن إجراءات التحقيق في أكبر قضية فساد تشهده البرازيل ولا تزال الرئيسة ديلما روسيف قيد الاتهام ولا يبدو أن الموقف سيتغير كثيرًا في الأيام القادمة، ويبدو أن روسيف بدأت تدرك أبعاد هذه الخطوات التي تستهدف إقصائها عن منصبها.
ليس هذا فحسب بل ظهرت الدوافع وراء هذا القرار الذي لا يستهدف روسيف بشخصها وإنما يستهدف إسقاط حزبها “حزب العمال” من السلطة، باستهداف شخصيات بعينها داخل الحزب بصورة مباشرة، وفي مقدمتهم الرئيس البرازيلي السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
لذا أبدت ديلما روسيف موقفًا جديدًا مؤخرًا أعلنت فيه استعدادها للقبول بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة كحل للخروج من المأزق الحالي، وهو ما يعني “الخروج الآمن” لديلما روسيف من السلطة مع بقاء التجربة الديمقراطية البرازيلية قائمة دون مساس بإرادة الشعب.
حيث تعتبر روسيف أن محاولات إقالتها بهذه الصورة بعيدًا عن صناديق الانتخابات أحد طرق الانقلاب الناعم على الديمقراطية.
روسيف أعلنتها بكل وضوح أنها تعمل الآن على صياغة اتفاق سياسي من خلال تفاوضها شخصيًا مع أطراف لم تسمها بهدف التوصل إلى حل سياسي لتفادي التهمة الموجهة إليها، موضحة أنها ستكشف التفاصيل قريبًا.
لذا عزمت روسيف على الدخول في مفاوضات للتوصل إلى اتفاق سياسي لتفادي إقالتها على هذا النحو، في المقابل أبدت موافقتها على إجراء انتخابات جديدة، بحسب ما قالت، أمس الثلاثاء، في مقابلة مع وسائل إعلام أجنبية بينها وكالة “فرانس برس”.
وأعلنت روسيف أنه إذا توجب إجراء انتخابات جديدة، فستكون داعمة لهذا الخيار. ولكن بحسب تصريحاتها فإنه يجب أخذ شيء واحد بعين الاعتبار، وهو أنه لن تكون هناك ديمقراطية إذا لم تنهي ولايتها بالصورة الطبيعية.
وأضافت أنه يمكن استشارة الشعب البرازيلي في هذا ليروا ما يمكن فعله، مشيرة إلى أن الطريقة الوحيدة لقطع ولاية رئيس، تكون بطلب من الشعب البرازيلي من خلال استفتاء شعبي.
روسيف أعلنتها بكل وضوح أنها تعمل الآن على صياغة اتفاق سياسي من خلال تفاوضها شخصيًا مع أطراف لم تسمها بهدف التوصل إلى حل سياسي لتفادي التهمة الموجهة إليها، موضحة أنها ستكشف التفاصيل قريبًا.
وهذا ربما على عكس الاتجاه الآخر الذي كانت صرحت به قبل ذلك والذي أعلنت فيه أنها تحاور مسؤولين سياسيين وآخرين من المجتمع المدني للتوصل إلى اتفاق كبير يسمح لها بإكمال ولايتها، وحتى الآن لا توجد أي بوادر على نجاح هذا الاتجاه، ما يُفسر الإعلان عن الدخول في مفاوضات ربما تنتهي بعزلها ولكن بطريقة ديمقراطية من خلال انتخابات مبكرة، مقابل وقف إجراءات إقالتها بهذه الصورة.
لا يتوقف الأمر فقط حتى الآن على مواجهة ديلما للاستقالة، ولكنها تعلم جيدًا انخفاض معدل شعبيتها (حيث بلغ الانخفاض نسبة 11% بحسب بعض التقديرات)، وكذلك في ظل معاناة البرازيل من ركود اقتصادي عنيف (يقول البعض إنه الأسوأ منذ قرن) وأكبر فضيحة فساد على الإطلاق، وكل ذلك ظروف غير مواتية بالنسبة لروسيف للوقوف في وجه العاصفة.