في 22 مايو من العام 1990م، رفع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح مع رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك علي سالم البيض علم الوحدة بين شطري الشمال والجنوب، وإعلان الاندماج بين البلد الواحد المقسم لسنوات خلت نتيجة الاحتلال البريطاني لجنوب البلاد، وبعد حرب أهلية طاحنة بين المكونات السياسية والجماعات المتخاصمة على السلطة.
الوحدة اليمنية تحققت بعد محطات ومنعطفات تاريخية، كانت أولى المحطات التي أسست لمسار العمل الوحدوي لقاء وزيري خارجية الشطرين الدكتور حسن محمد مكي وسيف أحمد الضالعي وهو اللقاء الذي احتضنته مدينة تعز (وسط اليمن) يوم 30 يوليو 1968م أي بعد مرور ثمانية أشهر فقط من استقلال الشطر الجنوبي في الـ30 من نوفمبر عام 1967، وتلاه أول لقاء بين رئيسي وزراء الشطرين محسن أحمد العيني ومحمد علي هيثم في مدينة تعز أيضًا في الفترة من 24 إلى 25 نوفمبر عام 1970، وهو اللقاء الذي حدد ملامح الطريق لتحقيق الوحدة بين الشطرين.
وتوالت اللقاءات على المستوى الرئاسي بين البلدين في تعز وصنعاء وعدن والتي توّجت بلقاء (عدن سيئون) التاريخي أثناء زيارة الرئيس اليمني السابق علي صالح لعدن في الفترة من 30 نوفمبر حتى 2 ديسمبر 1981، تم فيه تشكيل المجلس اليمني الأعلى والهيئة الوزارية وإنشاء عدد من الشركات والمشاريع المشتركة بين الشطرين، وتشكيل سكرتارية للمجلس اليمني.
عند إعلان انفصال حضرموت ستعمل المملكة العربية السعودية على ضمها إلى مجلس التعاون الخليجي.
إلا أن ارتفاع حدّة الصراع بين أجنحة الحزب الاشتراكي الذي أدى إلى تفجّر الوضع في عدن يوم 13 يناير 1986، مخلّفًا الآلاف من القتلى الذين تم تصفيتهم بموجب بطاقة الهوية الشخصية والانتماء المناطقي ودفن العشرات من العسكريين والمدنيين وهم أحياء بشكل جماعي في حاويات تم اكتشافها عام 2010 في كل من الصولبان والخيسه بعدن، ونتيجة لأحداث يناير، عمل ذلك على توقف مسيرة العمل على تحقيق الوحدة بين البلدين، وبسبب الوضع المأساوي الذي أفرزته أحداث 13 يناير، غير أنه ما لبث أن استؤنف بعد ستة شهور من أحداث يناير بلقاء رئيسي الشطرين في ليبيا ومثّل الشطر الجنوبي فيه حيدر أبوبكر العطَّاس والشمالي علي عبدالله صالح، في شهر يوليو 1986، ليشكّل ذلك اللقاء دفعة جديدة لمسار العمل الوحدوي، وليؤكد القناعة لدى الجميع بأن لا حل لمشاكل اليمنيين إلّا بالوحدة التي أضحت بنظرهم ضرورة حتمية من شأنها إيقاف نزيف الدم اليمني في الشطرين والحدّ من إهدار إمكانات ومقدرات الشعب اليمني في حروب وصراعات عبثية والاستمرار في تآمر كل شطر على الآخر.
وبعد صولات وجولات واندلاع حرب بين الشطرين في عامي 1972 و1979، كان من خلالها يهدف الجنوبيون لفرض الوحدة بالقوة مستغلين تفوقهم العسكري على الشمال، وتوسط الجامعة العربية بينهما لإنهاء الحرب والحث على تحقيق الوحدة وفقًا لخطوات مدروسة من بينها الاتفاق على دستور جديد لوحدة البلاد، أُعلن في 22 مايو 1990 قيام الجمهورية اليمنية، (وحدة اندماجية بين الجمهورية العربية اليمنية “شمال” وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية “جنوب”).
لكن ووفقًا لرواية نائب الرئيس اليمني علي سالم البيض، فإنه تم الانقلاب على دستور الوحدة اليمنية، ولم يتم العمل ببنودها، ولذلك أعلن الانفصال في صيف 1994، إلا أن رواية الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح تختلف عن ذلك ويحمل في خطاباته ومقالاته دول خليجية معارضة لوحدة واستقرار اليمن والتي شجعت الجنوبيون على إعلان الانفصال، وعلى إثر ذلك اندلعت حرب بين الشطرين أفضت إلى انتصار الشمال على الجنوب وإعلان استعادة الوحدة اليمنية.
نتيجة طريقة إدارة الوحدة التي تمثلت في تهميش القيادات العسكرية، وغياب الأفق الصحيح للتعامل معها، إضافة إلى تفشي المصالح الأنانية لدى بعض القيادات العسكرية أو الحكومية في الدولة تجاه أبناء الجنوب، ودخول أطراف إقليمية في الجنوب، ارتفعت أصوات جديدة تطالب بما أسموه فك الارتباط عن الشمال في عام 2007، لم ينظر إلى تلك الأصوات من قبل الدولة باهتمام بل تم التهميش حتى تزايدت تلك الأصوات وارتفعت إلى أوجها مع ثورات الربيع العربي.
استغلت دول خليجية وإقليمية ذلك وتسابقت لتكوين جماعات وحركات موالية لها من أجل إيجاد موطئ قدم، والجميع يبحث عن مستقبل تواجده في المنطقة الاستراتيجية لفرض رؤيته أو أن يكون مساهمًا في صناعة القرار من هذه المنطقة.
فإيران التي بدأت منذ وقت مبكر بتمويل المطالبين بالانفصال (حراك علي سالم البيض وحسن أحمد باعوم) تهدف للتواجد في اليمن بطرق عدة، فعملت في اليمن على شقين: الأول دعمها للحوثيين من أجل حصار المملكة العربية السعودية من الحدود الجنوبية الغربية، والآخر في عدن بهدف السيطرة على باب المندب والتحكم بمداخله ومخارجه، ومنع إقامة المشروع السعودي من شق قناة مائية تربط دول الخليج بالبحر العربي مباشرة (يسمى الآن قناة سلمان) دون العودة إلى مضيق هرمز.
الإمارات العربية المتحدة، الداعمة أيضًا لانفصال الجنوب بشكل كامل عن اليمن، تعتبر أن باب المندب هو امتداد طبيعي لأمنها القومي (موانئ دبي العالمية) التي طورتها على حساب إضعاف هذا الممر ومررات أخرى في الإقليم.
أما المملكة العربية السعودية فهي تدعم جزءًا آخر من الانفصاليين، غير أولئك الذين يطالبون بانفصال الجزء الجنوبي بالكامل، وإنما فئة تدعو إلى انفصال حضرموت عن عدن واليمن بشكل عام، لتكون دولة مستقلة تتكدس فيها الثروة.
عند إعلان انفصال حضرموت ستعمل المملكة العربية السعودية على ضمها إلى مجلس التعاون الخليجي، وهو ما قد يجعلها صاحبة قرار في هذه الدولة الجديدة، لتحصل على مشروع (الحلم) ممر على بحر العرب لتصدير النفط بعيدًا عن مضيق هرمز (قناة سلمان).
أما الإمارات العربية المتحدة، الداعمة أيضًا لانفصال الجنوب بشكل كامل عن اليمن، تعتبر أن باب المندب هو امتداد طبيعي لأمنها القومي (موانئ دبي العالمية) التي طورتها على حساب إضعاف هذا الممر ومررات أخرى في الإقليم.
استلمت شركة مواني دبي العالمية ميناء المعلا للحاويات ومحطة كالتكس في 1-11-2008م حسب اتفاقية الشركة المنصوص فيها على أن تكون 50% لمؤسسة موانئ خليج عدن و20% لشركة دبي و30% لرجل الأعمال بقشان، وعلى الرغم من امتلاك شركة دبي 20% إلا أنه تم منحها إدارة التشغيل بامتياز دون أي منافس وحق التصرف في المحطتين “كالتكس والمعلا”، لكنها لم تف بالاتفاق المبرم مع الحكومة اليمنية في تطوير الميناء، إلى أن تهالكت أدواته بالكامل، في نفس الوقت تم تطوير موانئ دبي وتحويل الباخرات والسفن العملاقة التي تريد الصيانة إليها.
استغلت دول خليجية وإقليمية ذلك وتسابقت لتكوين جماعات وحركات موالية لها من أجل إيجاد موطئ قدم، والجميع يبحث عن مستقبل تواجده في المنطقة الاستراتيجية لفرض رؤيته أو أن يكون مساهمًا في صناعة القرار من هذه المنطقة.
تم تجديد العقد في عام 2012 مع الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، الذي طالب موانئ دبي بالتفاوض وإضافة شروط جديدة، لكن الأخيرة رفضت وكان ذلك سببًا في إلغاء الصفقة.
ومع إعلان السعودية تكوين تحالف عسكري “عاصفة الحزم” بمشاركة الإمارات ودول خليجية أخرى، كانت أنظار الإمارات تتجه صوب عدن والموانئ بصورة خاصة من أجل السيطرة عليها، وبسط نفوذها لضمان السيطرة عليها واستعادة أمجاد الاحتلال البريطاني، ولذلك كانت الدولة السباقة في إرسال قوات عسكرية وقادوا الهجوم البرمائي على عدن في صيف العام 2015، حتى بعدما رفض الأمريكيون طلبهم بمساعدة القوات الخاصة الأمريكية.
إن نجاح انفصال حضرموت عن عدن سوف يقلل من حظوظ التواجد والسيطرة الإماراتية على باب المندب من خلال شق (قناة سلمان) التي تسعى إليها المملكة العربية السعودية والتي من المقرر أن يتوافر فيها كل ما تحتاجة الباخرة والسفينة العملاقة، فتعجلت الإمارات بغزو حضرموت و”تحريرها من القاعدة” لتسيطر عليها عسكريًا ولتضمن نفوذها هناك وعدم انفصالها، وهذا ما يشير إلى أن هناك خلافًا قائمًا بينها وبين المملكة العربية السعودية فيما يخص اليمن.
إذًا، فحركات الانفصال في الجنوب مشتتة بين عدة أطراف وأقاليم دولية، ولذلك فهي لا تجد صدى لدى قطاع واسع من الشارع الجنوبي، لكن هناك عدة تجنحات جنوبية لها مطالب عديدة تتفاوت بين الأقلمة وفيدرالية الشطرين، لكن تكبح هذه الدعوات مطالب أبناء حضرموت بإقليم منفصل مع المهرة وشبوه وهو إقليم الثروة ويرفضون فكرة الإقليمين.
مع إعلان السعودية تكوين تحالف عسكري “عاصفة الحزم” بمشاركة الإمارات ودول خليجية أخرى، كانت أنظار الإمارات تتجه صوب عدن والموانئ بصورة خاصة من أجل السيطرة عليها، وبسط نفوذها لضمان السيطرة عليها واستعادة أمجاد الاحتلال البريطاني.
كما أسلفت فإن هذه الدعوات هي أجندات خارجية، لكن مكتوب لها عدم النجاح، ربما الأفضل أن يكون اليمن ضمن حكم محلي كامل الصلاحيات أو توزيع اليمن إلى 21 إقليمًا بعدد المحافظات ويمارس كل إقليم صلاحياته المحلية مع وجود سلطة مركزية تدير الأمور السيادية هو الحل الأمثل ليمن ما بعد الحرب الأهلية الطاحنة.
وعلى المملكة العربية السعودية أن تعمل جاهدةً حتى لا تترك عدن ملاذًا آخر لإيران وعليها أن تسعى لترسيخ الوحدة اليمنية، فإن أمنها ومصالحها مرتبط بذلك.