بدأت منافسات بطولة أمم أوروبا في فرنسا، هذه البطولة هي البطولة رقم 15 في التاريخ والثالثة التي تقام على الأراضي الفرنسية، في ذات الوقت، تمتلك الكثير من المنتخبات الأوروبية عددًا كبيرًا من اللاعبين المسلمين، في ظاهرة صارت أمرًا اعتياديًا في الزمن الحالي، حيث تبلغ نسبة المسلمين في أوروبا قرابة 6% حسب مركز الدراسات “بيو”، هؤلاء اللاعبون الذين سوف يشاركون في البطولة والذين يمثلون العماد الأساسي للكثير من المنتخبات المشاركة في اليورو، هم الآن في موقف لا يحسدون عليه، بسبب تزامن موعد إقامة البطولة مع شهر رمضان الكريم، حيث إنهم أمام اختيار صعب فإما اللعب بشكل أساسي وقوي وإما الصيام، الحقيقة أن موقف اللاعبون المسلمون لم يكن واحدًا، فالأمر ليس بيد اللاعب فقط.
منتخب فرنسا
فرنسا التي تضم أراضيها 4.710.000 مليون مسلم أي ما نسبته 7.5% من إجمالي عدد السكان، يمتلك منتخبها الوطني أربعة لاعبين مسلمين جُلهم من أصول إفريقية، وهم نجم المنتخب الأول بول بوجبا (23 عامًا)، نجولو كانتي (25 عامًا)، باكاري سانيا (33 عامًا)، موسى سيسوكو (26 عامًا)، بالنسبة لهؤلاء اللاعبين فقد قررت إدارة الفريق منعهم من الصيام مع توفير الطعام الحلال لهم.
فالمنتخب الفرنسي الباحث عن اللقب الغائب منذ عام 2000 لا يريد أن يترك مجالًا للتعب والإرهاق ويريد لاعبيه في أوج عطائهم، حيث أكد ديديه ديشامب مدرب المنتخب الفرنسي في تصريحات لجريدة بيلد الألمانية: “المهم هو أن يشعر اللاعبون بالراحة”، خاصة كل من بول بوجبا ونجولو كانتي اللذين يعول عليهما المنتخب الفرنسي لقيادته لحصد اللقب.
المنتخب الألماني
ألمانيا، الدولة الأوروبية التي تمتلك أكبر عدد من السكان المسلمين بين أراضيها، حيث إن عدد السكان المسلمين يصل إلى 4.760.000 مليون نسمة، بنسبة 5.8%، المنتخب الألماني بطل العالم، يطمح في الجمع بين لقب بطل العالم وبطولة أوروبا الغائبة عن خزائنه منذ عام 1996 التي أقيمت بإنجلترا، يمتلك المنتخب الألماني أربعة لاعبين مسلمين أيضًا وهم سامي خضيرة صاحب الأصول التونسية وصانع الألعاب والنجم مسعود أوزيل القادم من جذور تركية مع اللاعب الصاعد إيمري تشان إضافة إلى شكوردان موستافي القادم من أصول ألبانية.
في سياق النقاش حول الصيام أعلن اللاعبون المسلمون أنهم لن يصوموا، فالصيام هذا الصيف في فرنسا يمتد إلى 20 ساعة تقريبًا، حيث قال أوزيل لصحيفة إكسبريس في كولونيا: “الطقس في الصيف حار جدًا ولدينا تدريبات مكثفة ومباريات، ولا يمكنني أن أصوم“.
فيما أكد سامي خضرة على ضرورة الطعام والشراب حتى يستطيعون الأداء بشكل ممتاز حيث قال في تصريح لجريدة بيلد الألمانية:
“ببساطة نحن نحتاج إلى الغذاء والسوائل من أجل أن نستطيع تقديم أداء بنسبة مائة في المائة”.
المنتخب التركي والألباني
يتكون المنتخب التركي من لاعبين كلهم يدينون بالدين الإسلامي تحت قيادة المدير الفني فاتح تريم خارج الملعب وقيادة أردا توران داخل الملعب، لاعبو المنتخب التركي في موقف لا يحسدون عليه حيث إن المنافسات الأوروبية حامية الوطيس وفي الوقت ذاته هم لا يريدون مخالفة دينهم الذي تدين به الغالبية العظمى في بلادهم، لكن أردا توران حسم الجدل وأعلن أن جميع اللاعبون سيصومون أثناء البطولة.
أما المنتخب الألباني فهو يعتبر من أكثر المنتخبات التي تمتلك لاعبين مسلمين في صفوفها، فبلاد البلقان تصل نسبة المسلمين فيها إلى 98%، وقد قرر الاتحاد الألباني ترك الأمر متاحًا للاعبين إن شاءوا صاموا وإن شاءوا أفطروا.
المنتخب البلجيكي
في المنتخب البلجيكي يوجد أيضًا لاعبان اثنان مسلمان وهما موسى ديمبيلي لاعب توتنهام هوتسبير الإنجليزي ومروان فيلايني لاعب مانشستر يونايتد الإنجليزي، ولقد قررا في وقت سابق أنهما لن يصوما.
فتاوى الإفطار
في هذا الشأن صدرت عدة فتاوى، ما بين مؤيد ومعارض لإفطار اللاعبين، فمنها ما أباح الإفطار تحت مسمى “الواجب الوطني” باعتبار أن خوض مباراة باسم البلاد يعتبر واجبًا وطنيًا يستدعي الإفطار أو أن ممارسة كرة القدم في العصر الحديث صارت مهنة تمتهن من أجل لقمة العيش وليست من أجل الاستمتاع فقط، وفي هذا السياق فقد أصدر الأزهر فتوى عام 2010 ردًا على تساؤل الاتحاد الألماني لكرة القدم وإدارة الدوري الألماني، تبيح إفطار اللاعبين المحترفين في رمضان شريطة التعويض في أيام أخرى بعد انقضاء الشهر الكريم، بينما قالت بعض الفتاوى الأخرى إن الأمر محسوم، وأنه لا يجوز تمامًا الإفطار من أجل مباريات كرة القدم تحت أي ظرف وتحت أي مسمى.
لكن يبقى هناك تساؤل يطرح نفسه وهو ما مدى تأثير الصيام على اللاعبين؟
” الرياضيون الذي يؤدون بشكل قوي ينخفض أداؤهم بشكل كبير إذا لم يحصل جسمهم على طاقة”.
هكذا يقول هانز براون، الخبير في علوم التغذية بالمدرسة الرياضية الألمانية في كولونيا، يقول الخبير أيضًا: “إن احتياطيات السوائل ومخزون الكربوهيدرات لا يضاف إليها شيء طوال فترة الصيام، وعند وجود مجهود لأكثر من 60 دقيقة، كما هو الحال مثلًا في مباراةٍ لكرة قدم، فيمكن أن يكون هناك نقص وانخفاض في الأداء”، حسب ما ذكرت صحيفة أوزنابروكر تسايتونغ الألمانية في مقابلتها معه.
في الجهة الأخرى، وحسب ما نشرته صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية في تحقيقها عن مدى تأثير الصيام على الرياضيين بشكل عام ولاعبي الكرة بشكل خاص، فإن “هناك الكثير من المتغيرات في كرة القدم، أعتقد أن الصيام ليس أحدها”، كما قال رون موجان أستاذ التغذية في جماعة لوبورو الإنجليزية حيث فصّل قائلًا: “من الصعوبة بمكان قياس مدى تأثير الصيام في لعبة كرة القدم، في الألعاب الأوليمبية يتوقف الأمر أحيانًا على جزء من عشرة أجزاء من الثانية أو جزء من مائة، هنا قد يظهر الفرق ( .. ) في لعبة كرة القدم فالتأثيرات في المباراة مختلفة كليًا، سيكون من العدل أن أقول إن التأثير ليس كبيرًا”.
إذًا، فليس سهلاً تحديد إن كان الصيام يؤثر فعلًا على مردود اللاعبين في الميدان أم لا؟