من جديد، بدأ الملف الفلسطيني بكل عقباته وخلافته الداخلية والخارجية يتصدر المشهد العربي والدولي، لإعادة تفعيله وفتح صفحاته الكثيرة بعد شهور طويلة من ركنه على “رف الإهمال”، في ظل المتغيرات العربية والدولية المحيطة والدامية.
التحرك الجديد للملف الفلسطيني، بدأ من خلال تحركات لعقد لقاءات مصالحة بين حركتي “فتح وحماس” في العاصمة القطرية الدوحة، نهاية الأسبوع الجاري، ولقاء القمة المرتقبة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل للتباحث بملف المصالحة العالق منذ سنوات طويلة.
فيما يمثل التحرك الآخر، بدعوة وجهتها جمهورية مصر العربية لوفد سياسي وأمني من حركة حماس المتواجد في قطاع غزة، للتوجه إلى القاهرة للقاء جهاز المخابرات المصرية للتباحث في ملفات هامة وعالقة، واستكمالًا لجولة المباحثات الأخيرة التي جرت قبل شهور في القاهرة.
صفقة تبادل قريبة
بحسب مصادر فلسطينية رفيعة المستوى تحدثت لمراسل” نون بوست” في غزة، فإن وفد حركة حماس برئاسة عضو المكتب السياسي للحركة محمود الزهار، سيتوجه إلى القاهرة، خلال الـ24 ساعة المقبلة عبر معبر رفح البري.
المصادر أوضحت لـ “نون بوست”، أن الوفد يضم الزهار وكلًا من قادة الحركة بغزة خليل الحية، نزار عوض الله، والدكتور زياد الظاظا، إضافة لشخصيات أمنية وعسكرية سرية تابعة للحركة ستتوجه للقاهرة بناءً على طلب مصري.
وكشفت المصادر ذاتها، أن الوفد الأمني التابع لحماس قد يبحث مع الجانب المصري ملف تبادل الأسرى مع الجانب الإسرائيلي، موضحًا أن هناك تحركات عربية ودولية نشطت مؤخرًا من أجل تحريك ملف “صفقة التبادل”، لإخراج آلاف الأسرى الفلسطينيين المتواجدين داخل السجون الإسرائيلية، مقابل الجنود المحجوزين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، خلال الحرب الأخيرة صيف 2014.
إضافة لذلك، كشفت المصادر الفلسطينية، أن وفد حركة حماس سيناقش مع المسؤولين المصريين ملف المصالحة الداخلية، وكذلك الحدود وتأمينها، ومن ثم التطرق بشكل منفصل لملف صفقة تبادل الأسرى، المتوقع أن ترى النور خلال شهور قريبة.
اعتراف إسرائيلي مفاجئ
في السياق ذاته وتماشيًا مع الزيارة المرتقبة لوفد حماس للقاهرة، وإقرارًا بصدق المقاومة في غزة ووضع حد لإنكار الاحتلال الإسرائيلي المستمر، اعتبر جيش الاحتلال قبل أيام الجنود المفقودين خلال العدوان الأخير بأنهم “أسرى مفقودون” في قطاع غزة، كما أعلن أنه سيدرس الخطوات المترتبة على الصفة الجديدة.
وزارة جيش الاحتلال أعلنت أن صفة كل من هدار غولدن، وأورون شاؤول، اللذين اختفت آثارهما في غزة ستتغير، فهدار غولدن الذي أقيمت له مراسم جنازة ودفن سيعترف به كـ “شهيد بمكانة أسير ومفقود”، أما أورون شاؤول الذي لم تقم له مراسم دفن غيابية فسوف يصبح تعريفه “شهيد مكان قبره غير معروف بمكانة أسير مفقود”.
وجاء القرار بعد ضغط مارسته عائلة غولدن على مؤسسة الجيش وحكومة نتنياهو، إذ رأت العائلة أن الجيش اعتبر موضوع الجنود المفقودين انتهى بمجرد إقامة جنازة نموذجية لأحدهم، وعليه طالبت العائلة بتعريف جديد يحمّل الدولة والجيش مسؤوليات جديدة، ويرسل لهم رسالة مفادها أن عليهم بذل كل شيء من أجل استعادة المفقودين.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يعترف فيها الاحتلال بكون جنوده أسرى في غزة، وذلك على الرغم من إنكاره للرسائل المستمرة التي أرسلتها كتائب عز الدين القسام في عدة مناسبات، ولاقت أصداءً إعلامية ضخمة.
ففي نوفمبر 2014 أثار الصندوق الأسود الذي عرض في مهرجان كتائب الشهيد عز الدين القسام في غزة أولى الشكوك حول وقوع هدار غولدن في الأسر، كما تداولت وسائل الإعلام على مدار السنة والنصف السابقة انتشار ملصقات في أماكن عدة بغزة ترسل رسائل غير مباشرة للاحتلال حول “اقتراب صفقة التبادل”، وحول وجود جنود إسرائيليين في قبضة المقاومة.
إلا أن الرسالة الأوضح حول وجود جنود أسرى كان فيلم “وحدة الظل”، الذي أرادت فيه المقاومة إيصال رسالة واضحة في الدقيقة الأخيرة من الفيلم، والذي ظهرت فيه 4 صور على الحائط، الأولى لجلعاد شاليط – الجندي الأسير الذي تم إطلاق سراحه بصفقة تبادل – وقد تمت تغطية الصورة في الفيديو كمؤشر لانتهاء فترة أسره، وإلى جانبه ظهرت صورة أورون شاؤول الذي تؤكد الكتائب وقوعه في الأسر، بينما تظل الصورتان الأخيرتان مظللتين دون الكشف عن أصحابهما، وهنا يطرح السؤال، هل يكون هدار غولدن هو صاحب الصورة الثالثة؟
انكسار وهزيمة
هنا قالت صحيفة “معاريف” أنه بعدما أعلن الجيش أن الجنديين هدار غولدن وأورن شاؤول قتلا في الحرب الإسرائيلية على غزة صيف عام 2014، فإن ضغوط عائلتي الجنديين دفعت باتجاه تغيير تصنيفهما ليصبحا أسيرا حرب، لكن العائلتين عبرتا عن غضبهما لأنهما علمتا بهذا التغيير عن طريق وسائل الإعلام.
وأشارت الصحيفة أن الإقرار الواضح والصريح يعبر عن نوايا بحتة في تنفيذ “صفقة وفاء أحرار” جديدة، وهذا يشير إلى أن هناك مفاوضات سرية تجري بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية عن حركة “حماس”.
محللون فلسطينيون قالوا بأن تغيير تصنيف الجنود من مفقودين قتلى إلى أسرى لهو انتصار بحق المقاومة الفلسطينية وأحد المخرجات الأساسية التي انتهت بها حرب العصف المأكول في قطاع غزة.
فأوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية والمحلل السياسي أكرم عطا الله، أن أمل أهالي الجنديين أرون وغولدن المفقودين في قطاع غزة، اضطر القيادة الإسرائيلية إلى تغيير تصنيفهم رغم إعلانها مقتلهم في وقت سابق.
عطا الله أشار كذلك، إلى أن تغيير التصنيف يعتبر إجراءً شكليًا، منوهًا إلى أن “المحكمة الحاخامية المخولة ببث أخبار مقتل الجنود للإعلام، أعلنت في وقت سابق أن هذين الجنديين قُتلا في الحرب على قطاع غزة صيف 2014″، لافتًا إلى أن “هذا الإجراء سيزيد من ضغط الجبهة الداخلية على القيادة الإسرائيلية، من أجل العمل على تحرير أو إعادة جثامين الجنود الأسرى في غزة”.
وعن إمكانية إتمام صفقة تبادل أسرى، أكد عطا الله، أن الأمر سينتهي بصفقة تبادل أسرى لا محالة، وأن خيار المفاوضات هو الخيار الوحيد أمام إسرائيل في الوقت الراهن، مضيفًا: “هناك حراك دولي من أجل تحريك المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل، وهناك وفود استطلعت آراء حركة حماس في الأمر، ونقلت رسائل بين الجانبين، وهذا ما أشار إليه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول تلقى إشارات إيجابية حول الجنود الإسرائيليين الأحياء المأسورين في قطاع غزة”.
علاوة على ذلك، ترى صحيفة “معاريف” العبرية، أن القرار الإسرائيلي الأخير يشير إلى صعوبة مواجهة الجيش ضغوط عائلات الجنود المفقودين أو الأسرى بغزة، ويشير إلى أن هذا التغيير يتعارض مع توجهات الجيش في السنوات الأخيرة لتقليص تدخلات العائلات.
ويقول خبير أمني إسرائيلي، إنه بسبب ضغوط عائلات الجنود المفقودين والأسرى اضطرت الحكومات الإسرائيلية لإجراء صفقات تبادل انتهت بدفع أثمان باهظة، أبرزها صفقة الجندي جلعاد شاليط، إذ اضطرت “إسرائيل” للخضوع لمطالب حماس بإطلاق سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل جندي واحد.
بالنظر إلى تلك التطورات، فإعلان وزارة الجيش نيّتها دراسة الخطوات المترتبة على التعريف الجديد، وفي ظل استلام أفيغدور ليبرمان منصب وزير الجيش، تطرح أسئلة كثيرة حول السيناريوهات المحتملة التي ستفضي إليها “دراسة الخطوات” التي يتحدث عنها الاحتلال، فهل النتيجة ستكون الحرب، بدعوى أن الاعتراف بوجود الأسرى هو سبب شرعي للشروع بحرب ضد قطاع غزة، بهدف استعادة الجنود المأسورين؟ أم أن ليبرمان سيحذو حذو نتنياهو ويفضل خيار صفقة التبادل بدلًا من الحرب؟