أكثر من 57 ألف ملف انتهاكات منذ الاستقلال لدى هيئة “الحقيقة والكرامة” التونسية

2014mena_tunisia_accountability

“بحث عن حقيقة اغتيالات واعتقالات حدثت بين سنوات 1955 و2011، وحل لجمعيات ومنظمات وأحزاب، وتهجير الآلاف وتعذيب أكثر منهم داخل سجون النظام وتشريد ضعفهم، ومنع من العمل والدراسة، وتدجين للإعلام…”، هذا بعض ما جاء في الملفات المقدمة لهيئة الحقيقة والكرامة في تونس بهدف كشف الحقيقة وجبر الضرر وحفظ الذاكرة الوطنية.

أكثر من 57 ألف ملف متعلق بالتعرض لانتهاكات طيلة الفترة الممتدة من يوليو 1955 إلى 31 ديسمبر 2013، تلقتهم هيئة الحقيقة والكرامة (حكومية)، منهم بشكل فردي وآخر بشكل جماعي ومن الدولة أيضًا.

آلاف التونسيين، ضحايا نظامي بورقيبة وبن علي، تنقلوا أفرادًا وجماعات إلى مقر هيئة الحقيقة والكرامة بالعاصمة لتقديم ملفاتهم بحثًا عن الحقيقة وحفظًا للذاكرة الوطنية وطلبًا لجبر الضرر.

الدولة التونسية، من جهتها، قدمت في شخص المكلف العام بنزاعات الدولة كمال الهذيلي، 685 ملفًا إلى هيئة الحقيقة والكرامة، تتعلق بتضرر الدولة من فساد مالي وتبييض أموال طيلة فترة النظام السابق”، وفق ما صرح به الهذيلي.

وتأسست الهيئة الدستورية الحقيقة والكرامة، بمقتضى القانون الأساسي رقم 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، ويهدف عملها إلى تفكيك منظومة الاستبداد، وتيسير المرور نحو دولة القانون بكشف الحقيقة عن انتهاكات الماضي، وتحديد مسؤولية الدولة فيها، ومطالبة المسؤولين عنها بالاعتذار ورد الحقوق، حسب بيان تأسيسها، وحدد قانون العدالة الانتقالية مجال اهتمام وعمل الهيئة في البحث والتحقيق في الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان بين 1 يوليو 1955 (تاريخ الاستقلال عن فرنسا) و31 ديسمبر 2013 (تاريخ صدور القانون)، وتتمثل هذه الانتهاكات بالخصوص في القتل العمد، الاغتصاب، كل أشكال العنف الجنسي، التعذيب، الاختفاء القسري، والإعدام دون توفر ضمانات والمحاكمة العادلة.

حركة النهضة في قائمة الأحزاب السياسية

حركة النهضة ومنخرطوها، كانوا في أوائل المقدمين لملفاتهم وأكثرهم عددًا لما طالهم من قمع في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وتقدمت الحركة بملف للبحث عن الحقيقة وحفظ الذاكرة الوطنية، كما أودعت ابنة رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي، سمية الغنوشي، ملفات أفراد عائلتها لرد الاعتبار وجبر الضرر وحفظ الذاكرة، وتمثلت الانتهاكات في الدفع إلى الهجرة الاضطرارية لأسباب سياسية والحرمان من العائلة.

النائب في البرلمان عن حركة النهضة صحبي عتيق وزوجته قدما أيضًا ملفين للهيئة، وكذلك الوزير السابق محمد بن سالم وزوجته باسم أفراد عائلتهما، وعضو مجلس الشورى أسامة بن سالم، نجل القيادي ووزير التعليم العالي السابق منصف بن سالم، الذي قدّم ملفّا باسم والده الراحل وغيرهم كثيرين.

القيادي في الحركة عبد الحميد الجلاصي قال بعيد تقديمه لملفه لدى الهيئة: “إنتاريخ تونس سيُكتب من جديدبفضل الشهادات التي سيتمّ تقديمها للهيئة التي تسير على الدرب الصحيح”، وأضاف أن هدفه من تقديم ملفه هو كشف الحقيقة وضمان عدم تكرار الانتهاكات،مؤكدًا أن مسار العدالة الانتقالية يستهدف الوصول إلى مستقبل يجمع بين الحرية والكرامة لا مكان فيه للظلم والاستبداد.

رئيس تونس السابق ورئيس حزبحراك تونس الإرادة الآن، محمد المنصف المرزوقي، قدّم هو الآخر ملفين، أحدهما باسم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه سابقًا، وآخر بصفته رئيسًا سابقًا للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من1992إلى .1994

وأودع رئيس المجلس الوطني التأسيسي ورئيس حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات مصطفى بن جعفر، ملفًا باسم الحزب، ومن الأحزاب الأخرى التي قدمت نجد حزب الوطنيين الديمقراطيين (حزب اليساري شكري بلعيد الذي اغتيل في 6 فبراير 2013) والحزب الجمهوري وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين، وحركة البعث وحزب العمال، حول انتهاك حقهم في النشاط السلمي وحقهم في المعارضة.

المنظمات الوطنية تقدم ملفاتها

من جهتها، أودعت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ملفّها لدى هيئة الحقيقة والكرامة، بهدف كشف الحقيقة في الانتهاكات التي طالت قطاع الإعلام طيلة عقود الديكتاتورية، وإنصاف الضحايا من الإعلاميين.

وأكدت النقابة في ملفها، وفق ما جاء في بلاغ أصدرته، تعمد الديكتاتورية طيلة سنوات، إحكام قبضتها على الإعلام وتدجينه وتحويله إلى بوق دعاية ومنبر لتصفية الحسابات وتشويه المناضلين والتنكيل بهم وشراء ذمم الصحفيين.

كما لفتت النقابة، إلى أنه تم استعمال أجهزة الإعلام لإهدار المال العمومي لفائدة مقربين من النظام مقابل تفقير منهجي للقطاع ومؤسساته، مبينة أن انتهاكات النظام السابق شملت صحفيين ومصورين بالإضافة إلى عائلاتهم.

بدوره بادر الاتحاد العام التونسي للطلبة (منظمة طلابية مستقلة تأسست سنة 1985 وحلت سنة 1991) بتقديم ملفه والمظالم التي تعرض لها خلال عهد بن علي، واحتوى ملف الاتحاد عناوين عديدة منها “اغتيال الطلبة بالرصاص في الجامعة”، “حل الاتحاد بحكم قضائي جائر”، “التجنيد الاجباري لسنوات 85 و86 و87 و90“، “الاعتقال والسجن والتعذيب لمئات الطلبة”، و”منع الطلبة من العمل إثر التخرج على خلفية نشاطاتهم النقابية والسياسية”.

الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة الشغيلة)، قدّم هو الآخر ملفه للهيئة، وورد فيه أن الاتحاد تعرض عبر تاريخه الطويل منذ التأسيس (1946) إلى حد اليوم إلى شتى أنواع الانتهاكات والمضايقات وخاصة في الفترات التاريخية الحاسمة سنة 1965 و1978 و1985 و2008 و2012.

وقد شملت هذه الانتهاكات، الأشخاص والأملاك والمقرات من سجن وتعذيب وإيقافات ومحاكمات عشوائية واقتحام المقرات وتهشيمها والاستيلاء على أرشيف الاتحاد وإتلافه، حسب نص الملف، فيما قدمتجمعية نساء تونسيات، ملفًا جماعيًا حول سجينات الرأي، وملفًا جماعيًا آخر حول متضررات منشور 108 المتعلق بانتهاك حرية اللباس.

من جانبها، قدمت جمعية القضاة التونسيين ملفًا لدى الهيئة، حيث ذكرت رئيستها روضة القرافي بالانقلاب على المكتب الشرعي للجمعية سنة2005، وفي السياق نفسه، أودع وفد من المرصد التونسي لاستقلال القضاء، الثلاثاء، ملفًا لدى الهيئة حول الانتهاكات التي عرفتها جمعية القضاة التونسيين ومكتبها التنفيذي وهيئتها الإدارية في ظل النظام الاستبدادي.”

المنظمة الدولية للمهجّرين التونسيين، التي تضم مئات المهجرين التونسيين، الذين اضطروا لمغادرة بلادهم بسبب أفكارهم ونشاطهم السياسي، أودعت أيضًا ملفًا لدى الهيئة في شخص ممثلها عماد الدايمي، بهدف التعريف بقضية المهاجرين وكشف الحقيقة والاعتذار وتعويض الأضرار للضحايا.

اليهود يطالبون بالتحقيق في الانتهاكات التي طالتهم

يهود تونس بدورهم، طلبوا بشكل رسمي من هيئة الحقيقة والكرامة” التحقيق فيانتهاكاتطالت مواطنين يهودا منذ استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956 ورد الاعتبار لهؤلاء.

وقالت الهيئة إن وزان مرتخاي ممثل مكتب الطائفة اليهودية التونسية، وموسى وزان ممثل حاييم بيتان كبير أحبار تونس، قدما إليها الثلاثاءملفًايتعلق بالانتهاكات التي تعرض لها اليهود التونسيون.

وطالب ممثل مكتب الطائفة اليهودية التونسيةوموسى وزان ممثل حاييم بيتان كبير أحبار تونس، في رسالتيْن إلى الهيئة تضمنتا نفس المحتوى، بـالبحث في التجاوزات والانتهاكات وغيرها من التصرفات غير القانونية التي تعرض لها مواطنون تونسيون، ذنبهم الوحيد أنهم منتمون للديانة اليهودية، وذلك منذ الاستقلال.”

وقالا في الرسالتين اللتين نشرتهما الهيئة على صفحتها الرسمية في فيس بوكتعرض عدد منهم (اليهود) للحرمان من الجنسية التونسية دون سبب وهو انتهاك مؤلم، علاوة على الانتزاعات التي طالت أملاكهم بمختلف المناطق دون مبرر ودون تعويض عادل، والاستيلاءات التي تمت على أملاك أخرى من أطراف مشبوهة.”

وتسعى تونس إلى الالتحاق بالدول التي عرفت نجاحًا في مسالة العدالة الانتقالية إثر فترات النزاع أو الديكتاتورية كبولونيا، المجر، الأرجنتين، جنوب إفريقيا، وفي المغرب الأقصى، وشهدت تونس بعد ثورة يناير2011 العديد من الإجراءات التي تصب في خانة العدالة الانتقالية، من ذلك محاكمة عدد من قياديي النظام السابق وتمرير قانون العفو العام الذي تم إقراره لفائدة المساجين السياسيين، لكنها تبقى إجراءات غير كافية حسب العديد من المتابعين.