في حلقة رمضانية جديدة تتجدد كل عام بثوب مختلف ولكن بنفس الجوهر والمعنى، فلا جديد يذكر والفشل في إدارة الأزمة الاقتصادية المصرية بات عرضا مستمرا على مدار فصول العام الأربع، وربما يكون مسلسلي حرب الحكومة على الدولار، والحملة الإعلانية المنتفشه لحث المصريين على بذل الغالي والنفيس من أجل دعم الاقتصاد المصري، هما الأكثر مشاهدة على الساحة الاقتصادية هذه الأيام.
لكن هل ما لجأت إليه الحكومة من حلول (حبس الدولار، وإعلانات الدعم)، إن صح تسميتها بالحلول، لها علاقة بتحسين الوضع الاقتصادي حقا؟ وهل يمكن أن تسهم ولو قليلا في إخراج الاقتصادي المصري من هذا الوضع؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة لنناقش كل مسلسل من هذين المسلسلين على حِدَةٍ، فحرب الحكومة المصرية المشتعلة ضد سوق العملة الموازي تقمصت هذه المرة دور يحتوي على بعض “الأكشن” فقد وافقت على مشروع قانون يفرض عقوبات بالسجن على من يبيعون العملة الأجنبية خارج القنوات الرسمية، وذلك في خطوة جديدة من نوعها ضمن مساعي البنك المركزي المصري لكبح جماع الدولار في السوق الموازية.
ووافق مجلس الوزراء المصري خلال اجتماعه الأسبوعي الأول في شهر رمضان برئاسة المهندس شريف إسماعيل، على تغليظ العقوبة على نشاط العملات الأجنبية خارج القنوات الشرعية، وتنص المادة التي تحتوى على “الأكشن” على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، وبغرامة تساوى المبلغ محل الجريمة، كل من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك، كما تنص على أن يحكم في جميع الأحوال بمصادرة المبالغ محل الجريمة.
باتت مثل هذه القوانين والإجراءات عادة مصرية سواء بقيادة رامز أو عامر، والنتيجة واحدة ولو كان السبب مجهولا لكن للحكومة عذر، ولكن المشكلة في غاية الوضوح فمصادر الدولار مريضة وتحتاج إلى إنعاش وفقط، هذه هي الأزمة، السياحة في حاجه لخطة زمنية واضحة، وقناة السويس تحتاج إدارة تفكر خارج صندوق التحصيل فالتعامل مع القناة على أنها بوابه لتحصيل الرسوم جريمة في حق الوطن، الصادرات تحتاج لحلول من بداية إعادة المصانع المعطلة إلى العمل مرورا بدعم الصناعة بشكل حقيقي وليس تصريحات عنترية مفرغة المعنى والواقعية، وهكذا كل مصادر الدولار.
سعر الباقات الإعلانية وصلت ببعض القنوات الفضائية المصرية إلى 10 مليون جنيه بعدد مرات إذاعة 240 سبوت كل 30 ثانية، والإعلان الفردي من 20 إلى 40 ألف جنيه لكل 60 ثانية
إذ على الحكومة أن تعي جيدا أن الأزمة ليست في السوق السوداء فحبس المتعاملين بالدولار لن يعيد التوازن للسوق وحبس الدولار نفسه وتعذيبه لن يضغطه ويجعله يتراجع أمام الجنيه، مثل هذه القوانين لا أرى لها أي مبرر منطقي ولن تحد من الأزمة، بل على العكس ستفاقم الأزمة أكثر، فمعالج المشكلة الأصلية هي الحل وليس حبس الدولار.
مثل هذا القانون سيحبس الدولار في جيب المتعاملين وهنا ستقل السيولة الدولارية من السوق وتتفاقم الأزمة أكثر، مثل هذه الإجراءات لن تلبس كثيرا حتى تنال مصير القيود التي فرضها البنك المركزي على عمليات إيداع النقد الأجنبي بالبنوك فالعرض والطلب هو سيد الموقف، والعرض الآن في أسوأ حالته والطلب يتوسع كل يوم.
خلاصة الأمر، هذا المسلسل رغم كثرة متابعيه إلا أنه فقد شغفه لأن نهايته محسومة، والحكومة تدرك ذلك ولا أعرف ما العيب في مصارحة المصريين بالمشكلة ووضع خطة زمنية واضحة للحل؟!، لكن ما أعرفه أن الالتواء حول المشكلة سيبعد البلاد أكثر عن الحل.
إعلانات رمضان، هي الأخرى نوع جديد من الالتواء على حل المشاكل، فبأي منطق تكون تمتلك سلطة تنفذيه وقضائية ولديك جهاز إداري عدده أضعاف الأجهزة الإدارية في معظم دول العالم، وتحارب الفساد بإعلان رمضاني تدفع فيه ملايين الجنيهات!
باتت مثل هذه القوانين والإجراءات عادة مصرية سواء بقيادة رامز أو عامر، والنتيجة واحدة ولو كان السبب مجهولا لكن للحكومة عذر
فسعر الباقات الإعلانية وصلت ببعض القنوات الفضائية المصرية إلى 10 مليون جنيه بعدد مرات إذاعة 240 سبوت كل 30 ثانية، والإعلان الفردي من 20 إلى 40 ألف جنيه لكل 60 ثانية، وبالنظر إلى موضة الإعلانات الحكومية التي اجتاحت الفضائيات نجد أن التكلفة فاقت عشرات الملايين، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفه فالفساد لا يحارب بالإعلانات، ومن ينقل محاربة الفساد إلى الفضائيات يضع نفسه متهما أصيلا بالفساد.
وعموما الإعلانات لن تحسن من جودة المنتج المصري فالعمل والإنتاج وحده هو القادر على ذلك، كما أنها لن تردع الفاسدين فالقوانين الحازمة وحدها هي القادرة على محاربة الفساد، بالإضافة إلى أن توفير الكهرباء لن يكون الدافع ورائه إعلان، ونقطة الكهرباء بشكل خاص تحتاج إلى الكثير من النظر فالمؤسسات الحكومة هي من تقود نزيف الكهرباء، فكيف سيحافظ المواطن على الكهرباء وهو يرى الإهدار العام في الكهرباء ليل نهار.
هكذا تكون قد اتضحت إجابة الأسئلة في بداية المقال فحلول الحكومة ليس لها علاقة بتحسين الوضع الاقتصادي، وذلك لن تسهم ولو قليلا في إخراج الاقتصادي المصري من الوضع المتأزم.