دوي الانفجار هز بيروت بأكملها، في رسالة استهدفت القطاع المصرفي ممثلا في بنك لبنان المهجر، سبقتها رسائل وتهديدات إعلامية وإليكترونية متواصلة تضع حزب الله في دائرة الاتهام وحيدا؛ خصوصا وأن منفذي العملية اختاروا وقت الإفطار لتجنب سقوط ضحايا كي تصل الرسالة المحددة وهي ” خذوا حذركم!”
الهدف واضح
وجهة نظر قريبة من حزب الله، ترى أن اختيار بنك لبنان المهجر أصاب الهدف، باعتباره الأكثر تشددا في تطبيق قانون العقوبات الأمريكي ضد الحزب، والمعروفة بقانون مكافحة تمويل حزب الله دوليا، والذي صدر في ديسمبر الماضي، ويقضي بمعاقبة أي منظمة توفر دعما ماليا كبيرا للحزب، كمحاولة للإيقاع بين القطاع بمجمله، والحزب الذي رفع حدة خطابه ضد المصارف في الأسبوعين الأخيرين، مستشهدين على وجهة النظر تلك بأن التفجير يتضمن أكثر من عامل واحد، يربط بين دخول العقوبات الأمريكية ضد حزب الله حيز التنفيذ، وخيبة أمل الأخير، خصوصا وإن ربطنا هذا المشهد بخبر خرج إلى وسائل الإعلام منذ أيام، حينما قام بنك لبنان والمهجر، بتجميد أرصدة نحو 100 شخص تابعين لحزب الله، بناء على تعليمات من البنك المركزي اللبناني، محذرين من طابور خامس “يصطاد” بالماء العكر؛ لتعريض البلاد لخطر الانزلاق في أزمة مع الحزب والدولة، ممثلة في النظام المصرفي.
هنا يقول داعمو الحزب أن ” القليل من التمعن فيما حصل، يقود إلى الاستنتاج الأقرب إلى المنطق، وهو أن من فجّر المصرف، المعروف بأنه “الأكثر تشددا” في تطبيق العقوبات، إنما أراد بالدرجة الأولى الاستثمار في الخلاف بين المصارف وحزب الله لتوسيع الهوة بينهما.
تهديدات صريحة
في المقابل ترى وجهة نظر أخرى أن التفجير عبارة عن “7 أيار جديد”، سيطال القطاع المصرفي، خصوصًا أنّ استهداف بنك لبنان والمهجر سبقه حملة ممنهجة، نفذّها حزب الله ضدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والقطاع المصرفي وصولاً إلى تسمية بعض المصارف الملتزمة بقرار وزارة الخزانة الأمريكية الذي يفرض عقوبات على البنوك التي تتعامل مع حزب الله، بالمرتبكة والمسيسة.
وجهة النظر تلك أسست استنتاجاتها على بيان كتلة “الوفاء اللبنانية” التابعة لحزب الله، الذي أكدت فيه ما أسمته بـ “خيار المقاومة النقدية”، وهو البيان الذي يورط الحزب في التفجير، كونها قالت فيه إن “سياسة الابتزاز التي تعتمدها الإدارة الأمريكية مع دول تلتزم مواقف “مناوئة لها”، لن تنفع إطلاقًا في لي ذراع حزب الله”، بل أن البيان وصف موقف المصرف الأكبر في لبنان بـ “الملتبس” و”المريب”، ويشي بانفلات السياسة النقدية من ضوابط السيادة الوطنية، الأمر الذي يضع القطاع المصرفي اللبناني بالكامل في صلب أزمة، كأحد دعائم الدولة اللبنانية، ومن دونه تصير الدولة ضعيفة ومختلة.
أصحاب تلك الرؤية يؤكدون أن “الرسالة وصلت”، لكنها لن تغير في التزام المصارف واجباتها، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بوجودها، ووجود لبنان ضمن النظام المالي العالمي، وستسير المصارف اللبنانية في توجهها القاضي بمصادرة وحظر أموال الحزب الشيعي، صاحب النفوذ السياسي الواسع في لبنان، ويؤدي جناحه العسكري القوي دورا كبيرا في دعم الرئيس بشار الأسد في الصراع السوري، ولديه تسليح كثيف ومدعوم من إيران.
العصا والجزرة
ما يدعم وجهة النظر تلك هو التهديد المبطن الذي وجهته وكالة فارس الإيرانية قبيل ساعات من التفجير نقلا عما أسمته “أوساط حزب الله”، قالت فيه إن “ملف المصارف سيفتح على مصراعيه في الأيام المقبلة، إلا إذا عادت المصارف إلى رشدها”، مهددة بأن “الطاولة ستنقلب على الجميع عندما ترتفع أسهم بورصة المواجهة الشعبية مع المصارف”
الوكالة الإيرانية الداعمة للحزب قالت إن “المتغير الجديد في هذه المعركة هو انتقالها من الساحة الدولية إلى الساحة اللبنانية، ليس ذلك فحسب بل العمل على مواجهة الحزب عبر بيئته الحاضنة في معركة يصفها أحد المراقبين بـ “التطهير الاقتصادي العرقي”، في ظل إصرار بعض المصارف اللبنانية، وفي مقدمتها رئيس البنك المركزي رياض سلامة، على تملّق القانون الأمريكي ومداهنته”، بحسب الوكالة.
لم تكتف الوكالة الرسمية الفارسية بذلك، بل أضافت أن الأزمة القائمة تتطلب “تعقلا مصرفيا”، وإلا فإن النهاية ستكون “7 أيار جديد”، في إشارة إلى أعمال العنف التي بدأها الحزب، في 7 أيار/ مايو 2008 ، بعد قرار مجلس الوزراء اللبناني بمصادرة شبكة اتصالات حزب الله، والتي تعد الأعنف منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية.
إعلام الحزب
تهديدات أخرى حملتها صحيفة الأخبار التابعة للحزب قبيل أيام من التفجير، حينما كتبت في افتتاحيتها ليوم الجمعة تقول : “لأخذ العلم بنك لبنان والمهجر (blom)، لصاحبه سعد الأزهري، هو الأكثر اندفاعاً بين المصارف لتطبيق العقوبات الأمريكية، ويصرّ هذا المصرف على تنفيذ ما يطلبه الأمريكيون، وما لا يطلبونه أيضًا!
وفي عددها لليوم التالي كتبت تقول: “كفى تآمراً، إن الاسترسال في تطبيق عقوبات عنصرية من جانب بعض المصارف “بنك لبنان والمهجر”، على سبيل المثال لا الحصر” !!، لافتة إلى أن ثاني أكبر مصرف لبناني، في إشارة لـ”بلوم”، هو مصرف “إسرائيلي أكثر من إسرائيل”.. مستدركة: “ليكن 7 أيار جديد”.
صمت مريب
الغريب في الأمر هو موقف الحزب ذاته من التفجير، فعلى الرغم من توجيه إشارات الاتهام إليه في تفجير بنك لبنان والمهجر مساء الأحد الماضي، بحسب المعطيات المتوفرة بالنسبة لتوقيت التفجير وأهدافه، إلاّ أنّ حزب الله لا يزال ملتزمًا الصمت، ولم يصدر أي رد رسمي للرد عليها، ما يدفع للشك في دلالات هذا الصمت، وجعل المراقبين يربطون بين موقف الحزب الحالي، وما حصل على صعيد القرار 1559 وما تبعه من حرائق وتفجيرات 7 أيار.
الأغرب من ذلك أنه منذ خريف العام 2014، والقانون الأمريكي قيد التشريع، لكن الحزب لم يكلف خبيرا مصرفيا متخصصا بدراسة أبعاده، وعندما أصبح القانون أمرا واقعا، قرر أن يؤلف لجنة يغلب عليها الطابع السياسي بدراسة الملف، ما عطّل أية فرصة أمام حوار سياسي وتقني، يؤدي إلى حصر الأضرار، وبعد قرار التطبيق ثارت ثائرة الحزب، وصدر البيان الأول لـ “كتلة الوفاء” بما حمله من تهديدات مبطنة، ما يعني أن الانفجار عبارة عن رسالة ليس فقط إلى القطاع المصرفي اللبناني، بل هي أيضاً موجهة إلى من يقف وراء القطاع المصرفي – في عرف حزب الله -، أي الدول الحريصة على استقرار الوضع الأمني في لبنان، مفادها إما إعادة التفاوض حول التدابير الأمريكية إلى مربعها الأول، أو إحراق لبنان، سيرا على خطى الحزب فيما يخص أزماته مع الدولة اللبنانية القائمة على الترغيب والترهيب، والابتزاز اللفظي في آن واحد.
مخاوف مشروعة
ويبقى السؤال الأهم هل سنشهد ضمورا في أكثر القطاعات الاقتصادية حيوية في لبنان، الذي صمد على الرغم من العواصف الأمنية والسياسية التي عصفت بلبنان في السنوات الماضية؟.. للأسف لا نستطيع الإجابة على ها السؤال الآن، لكن كل ما يمكن قوله إن لبنان دخل في مسلسل تفجيرات يستهدف القطاع المصرفي والدولة ، وفي حال استمراره سيكون أكثر خطورة على البلاد من اغتيال الرئيس رفيق الحريري.. هل وصلت الرسالة؟