هلع وترقب يسود الأجواء البريطانية والعالمية بانتظار نتائج الاستفتاء المقرر في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، أي بعد أسبوع من كتابة هذا المقال، والذي سيقرر مصير بريطانيا في حال بقاءها في الاتحاد أو الخروج منه، وبين صراع حملتي البقاء والخروج يقف الاقتصاد البريطاني بكل ما فيه متخوفًا مما ستؤول إليه الأمور.
فقد ازداد تخوف المستثمرين بعد ارتفاع نسبة من يودون الخروج على من يودون البقاء في استطلاعات الأيام الماضية، علما أن الحدث لن يلقي بظلاله على الاقتصاد البريطاني فحسب بل سيطال الاقتصاد العالمي برمته، ويذكر أن العديد من المستثمرين في الأسواق العالمية أجلوا مشاريعهم الاستثمارية القريبة لحين معرفة نتيجة الاستفتاء، ووصل التأثير إلى سعر برميل النفط الخام في الأسواق العالمية الذي تراجعت مكاسبه التي حققها خلال الأسابيع الماضية على أثر تزايد المخاوف من احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي حين يرى مؤيدو البقاء أن الخروج من الاتحاد ستكون آثاره السلبية كبيرة جدًا على الاقتصاد البريطاني من حيث العمالة والتجارة مع أوروبا وخسارة في قيمة الجنيه الاسترليني قدرتها مصادر أن تبلغ 15-20% بعد الخروج من الاتحاد، لا يأخذ حي المال البريطاني هذا الكلام باهتمام زائد فشرارة الخروج من الاتحاد انطلقت من حي المال بعد رفضه التقيد بالوحدة المالية والنقدية بعد تخوف بريطانيا من تحجيم المفوضية الأوروبية لحي المال الذي يتميز بخصوصية الإجراءات والقوانين والتشريعات المالية التي تحميه، وجذب إليه المصارف العالمية وشركات المال والاستثمار والسماسرة لما يتميز به من حرية ومرونة في التعامل لا تجده في العديد من مدن العالم.
سعت بريطانيا في الأعوام الماضية للتمتع بصفة الاستثنائية على الصعيد المالي والمصرفي وكذلك الاحتفاظ باستقلالية السياسات المالية وسياسات الموازنة إلا أن دول في الاتحاد ضغطت كثيرًا ضد رغبة بريطانيا وسعت لتوحيد السياسات المالية والمصرفية للاتحاد وأن تكون هناك قوانين موحدة لكل دول الاتحاد من حيث السياسة المالية والنقدية.
والجدير بالذكر أن بريطاينا كجزء من اتحاد الأوروبي الذي يشمل 28 دولة توحدت على صعيد السياسة والدفاع والاقتصاد بينما لم تدخل في مظلة منطقة اليورو القاضي بتوحيد الوحدة النقدية واعتبار اليورو العملة الأوروبية بين دول منطقة اليورو التي تضم 19 دولة، كما لم تدخل في فضاء شنغن الذي يضم 26 دولة أوروبية وتمثل دولة واحدة لأغراض السفر الدولي حيث ألغت جواز السفر وضوابط الهجرة على الحدود المشتركة بينها.
حي المال البريطاني
أهم مراكز المال العالمية وفاقت أهميته شارع وول ستريت في مرات عديدة على الرغم من الفارق في الثقل بين الاقتصادين الأمريكي والبريطاني، تبلغ مساحة الحي ميلًا مربعًا ويقع بالقرب من بنك إنجلترا المركزي وسط لندن، ويستضيف 250 مصرفًا أجنبيًا ويدير ثروات مالية تقدر قيمتها بنحو 5.4 ترليونات دولار.
كما تساهم النشاطات المالية للحي بما تتضمنه من خدمات مالية واستثمارية وسمسرة وغيرها بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا الذي يعادل 2988 مليار دولار و12% من الدخل الذي تحصله بريطانيا من الضرائب ويوفر ما يقرب من 400 ألف وظيفة من وظائف الدخل المتوسط والكبير للبريطانيين، وهذه النسب تعد مساهمة كبيرة في الاقتصاد تخشى بريطانيا من خسارتها بأي شكل سواء في الخروج الذي يضمن الخروج من اتفاقيات التجارة الحرة مع أوروبا ونفور المستثمرين أو البقاء في الاتحاد والانصياع لرغبة الاتحاد الأوروبي بتقييد حرية حي المال.
وبحسب إحصائيات فإن الصفقات المالية التي تنفذ في حي المال تقدر بنحو 2.7 ترليون دولار يوميًا وتتم يوميًا المتاجرة في 70% من السندات العالمية و20% من الأسهم العالمية المسجلة في البورصة البريطانية.
وعبر العديد من المصرفيين عن مخاوفهم من فرض الاتحاد الأوروبي على المصارف والشركات المالية في حي المال رسوم وضرائب على صفقاتها الأوروبية في حال خروج بريطاينا ومن تطبيق الاتحاد الأوروبي إجراءات عقابية على الصفقات المالية المقومة باليورو والتي تقوم بها المصارف والشركات المالية في حي المال وتعد جزءًا كبيرًا من إجمالي الصفقات المالية المعمول بها.
وفي حال تم تطبيق هذا الأمر فإن على بريطانيا الدخول بمفاوضات لتحديد شكل العلاقة المالية التي ستربطها مع أوروبا وتذليل كافة الصعوبات التي تواجه المصرفيين والمستثمرين في بريطاينا من تنفيذ صفقاتهم باليورو وهذا لا يتم بين ليلة وضحاها فقد يحتاج إلى مشاورات ومفاوضات تأخذ سنوات طويلة للوصول إلى صيغة معينة.
وحتى الوصول لتلك الصيغة تسعى العديد من المراكز المالية حول العالم تقاسم الحصة التي ستتسرب من حي المال وتهيأ فرانكفورت نفسها في حال خروج بريطانيا من الاتحاد لهذه المهمة فهي تستضيف مقر المصرف المركزي الأوروبي وتطمح أن تكون المركز المالي في أوروبا وتحتل تدريجيًا مكانة لندن كمركز مالي عالمي.