انتهى الحوار الوطني في تونس، بعد أكثر من 40 يوما من الجلسات الحوارية المغلقة، إلى اختيار مهدي جمعة، وزير الصناعة الحالي في حكومة علي العريض، لترأس الحكومة القادمة، والتي ستشرف على الفترة الانتقالية التي سيتم خلالها إجراء أول انتخابات تشريعية منذ الثورة التونسية.
ومهدي جمعة هو وزير الصناعة في الحكومة التي شكلها علي العريض، ودخل التشكيل الحكومي كمستقل وغير منتمي لأي من الأحزاب المشكلة للائتلاف الحاكم، مهندس متخرج من المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس سنة 1988، ولم يتمم عقده الخامس بعد، 46 سنة، وكان يعمل مديرا لإحدى فروع شركة النفط العالمية “Total” في تونس.
بهذا الدهاء انتهى الحوار الوطني في تونس بالنجاح:
يشهد البعض بأن الائتلاف الحاكم أدار الحوار الوطني بدهاء، ويقول آخرون بأن حركة النهضة هي صاحبة هذا الدهاء، ويرى آخرون بأن الشيخ راشد الغنوشي هو الداهية الذي “تلاعب” بالمعارضة وكشفها أمام أنصارها مرات عديدة خلال أيام قليلة، والأمر القاطع بين هذا وذاك هو أن الحوار الوطني في تونس والذي أعلن عن انتهائه قبل قليل لم يكن سهلا، وأن هناك دهاء في الموضوع.
حركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي، قبلت في ال48 ساعة الماضية بمرشح المعارضة لرئاسة الحكومة، مصطفى الفيلالي، والبالغ من العمر أكثر من 92 سنة، وهو ما لم يتوقعه أحد من أنصارها ولا من معارضيها، وبعد أن بادرت المعارضة إلى إعلان توافقها مع النهضة على شخصية مصطفى الفيلالي، خرج الأخير في وسائل الإعلام معلنا اعتذاره عن قبول هذا التكليف.
وإن كان اعتذار الفيلالي عن رئاسة الحكومة يشكل عثرة للحوار الوطني، فقد شكل فضيحة للمعارضة، فالمعارضة عارضت بقوة قبل أيام القبول بأحمد المستيري رئيسا للحكومة، رغم شهادتها قاطبة باستقلاليته، متحججة بكبر سنه، وبأن شخصا بلغ من العمر 87 سنة لا يمكنه تولي منصب رئاسة الحكومة، وقبلت في ما بعد بمرشح بلغ من العمر أكثر من 92 سنة، وهو ما أكد للجميع، أنصار الحكومة وأنصار المعارضة، أن المعارضة كذبت عندما قالت بأن عامل السن هو سبب رفضها لأحمد المستيري.
وهو ما أشار إليه عامر العريض، رئيس المكتب السياسي في حركة النهضة، بقوله: “في السابق أعلن الرافضون عن تقدم السن سببا لرفضهم للسيد أحمد المستيري، لكنهم وافقوا بالأمس على السيد الفيلالي وهو أكبر سنا من الأستاذ المستيري”، مضيفا: ” حتى مقترح أن يكون المستيري رئيساً ومحمد الناصر نائبا له لم يقبل به حزب نداء تونس والجبهة الشعبية.. غريبٌ أمرُهم يرفضون الشرعية الانتخابية ولا يتفاعلون مع التوافق”.
وتعليقا على هذه التطورات، كتب الإعلامي التونسي سمير الوافي: “النهضة بدهاء استدرجت الجميع في الوقت الضيق إلى قبول الفيلالي وجعلتهم يتفقون عليه لكنه رفض المنصب…فعاد المستيري مرشح النهضة الأول إلى المشهد بحظوظ أقوى…فهو أصغر من الفيلالي ب3 سنوات وحجة رفضه بسبب العمر سقطت بفضل القبول بالفيلالي… فهل مازالت هناك حجة أخرى لرفض المستيري من جديد!؟؟”، وختم كلامه قائلا: “دهاء الباجي قائد السبسي انهزم أمام دهاء الغنوشي هذه المرة”.
وبمناسبة انتهاء الحوار الوطني، أشار أحد المعلقين إلى أن 142 يوما مضت منذ مناداة المعارضة إلى إسقاط الحكومة وإلى أن الائتلاف الحاكم أمضى في الحكم، بعد المطالبة بإسقاط الحكومة، أكثر مما أمضاه قبل المطالبة بإسقاط الحكومة والتي لم تتجاوز 132 يوما منذ تعيينها في 13 مارس آذار 2013 وحتى يوم مقتل المعارض التونسي محمد البراهمي في 25 يوليو 2013.
وفي الأسابيع الماضية أيضا، وقعت المعارضة في “فخ” آخر نصبته حركة النهضة، فبعد أن قدمت المعارضة مرشحها لرئاسة الحكومة جلول عياد، وأثبتت الوثائق التي أعلنت عنها الجهات الراعية للحوار، بأن كل أحزاب المعارضة إما دعمت أو رحبت أو لم تعارض شخصية جلول عياد، فاجأت حركة النهضة أنصارها ومعارضيها بقبولها لشخصية جلول عياد، لتعود المعارضة مرة أخرى وتتراجع عن دعمها له وتثبت مرة أخرى لكل التونسيين أنها لا تسعى إلى التوافق.